لم تمض 48 ساعة على مقتل 9 فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، حتى قتل 7 إسرائيليين وأصيب آخرون في عمليتي إطلاق نار بمدينة القدس نفذهما فلسطينيان، ضمن موجة التوتر المتصاعدة بالأراضي الفلسطينية.
ويرى خبراء فلسطينيون أن من دلالات عمليتي القدس إمكانية الوصول لأهداف إسرائيلية والرد على عملياتها وإيقاع قتلى بأقل الإمكانيات، ما يؤشر لفشل العمليات والإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
ويقول الخبراء في أحاديث منفصلة للأناضول، إن سيناريوهات عديدة متوقعة للرد الإسرائيلي تتراوح بين الإجراءات الميدانية بالتضييق على الفلسطينيين، أو بتعجيل طرح قوانين في الكنيست وخاصة ما يسمى “قانون الإعدام للأسرى”، أو تعزيز الاستيطان وإطلاق يد الجيش.
ومساء الجمعة، قتل 8 أشخاص من بينهم منفذ العملية وأصيب 6 آخرون على الأقل في إطلاق نار أمام كنيس يهودي، في مستوطنة “النبي يعقوب” قرب بلدة بيت حنينا، وهي مقامة على أراضيها، شمالي القدس.
كما أصيب مستوطنان إسرائيليان، أحدهما بجراح خطيرة، السبت، في إطلاق نار قرب مستوطنة في حي سلوان بالقدس الشرقية، بحسب إعلام عبري رسمي.
ووقعت العمليتان غداة مقتل 9 فلسطينيين في عملية نفذها الجيش الإسرائيلي، الخميس، بمخيم جنين شمالي الضفة الغربية.
** القوة لا تمنع العمليات
وقال الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي صالح النعامي، إن أبرز دلالات عمليتي القدس “فشل الإجراءات العسكرية الإسرائيلية مهما بلغت من القوة في منع استهداف الإسرائيليين”.
وأضاف: “جاءت العمليتان في ظل نشر قوات إضافية للجيش، وفي أوج الاستنفار الإسرائيلي وفي منطقة خاضعة لسيطرته ولا وجود للسلطة الفلسطينية فيها”.
وتابع أن “طابع العمليتين فردي وبالتالي لا يمكن للاستخبارات الحصول على معلومات مسبقة لمنعها، وليس هناك بنية تنظيمية يمكن استهدافها إما استباقيا أو كردة فعل”.
وعن سيناريوهات الرد الإسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها القدس، فيرى النعامي أن الرد يتأثر بثلاثة عوامل: الحضور القوي لليمين الإسرائيلي في الحكومة، وتأثير العمليتين على الرأي العام الإسرائيلي، وتوجهات البيئة الدولية.
وقال إن “وجود اليمين داخل الحكومة الإسرائيلية، يساعده في فرض مزيد من التوسع الاستيطاني بالضفة وإضفاء شرعية على بؤر استيطانية توصف بأنها غير قانونية”.
إضافة إلى سيناريو تعزيز الاستيطان، يقول الخبير الفلسطيني، إن المنطقة “ج” والتي تشكل قرابة 60 بالمئة من الضفة وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، قد تشهد “تغولا إسرائيليا وتدمير الوجود الفلسطيني فيها”، سيما منطقة الخان الأحمر المقرر إخلاؤها شرقي القدس، ومسافر يطا (جنوب) ومنطقة الأغوار (شمال).
ووفق اتفاقية “أوسلو 2” لعام 1995، صنفت أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و “ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، إضافة إلى المنطقة “ج”.
** خيارات رد الاحتلال الإسرائيلي
وعن سيناريوهات الميدان، قال النعامي إن من الخيارات المطروحة “تطبيق خطة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير الهادفة لتغيير أوامر إطلاق النار “بما يمنح حرية مطلقة لعناصر الشرطة والجيش في استهداف الفلسطينيين، مع منح حصانة للجنود في قتل الفلسطينيين، وإعفائهم من المحاكمة على أفعالهم”.
ورأى أن “نشر أي قوات جديدة لن يمنع العمليات، لكن في نفس الوقت يتوقع المزيد من الإجراءات وخاصة تقييد حركة الفلسطينيين في الضفة وعزل مناطق عن بعضها”.
وعلى الصعيد التشريعي قال النعامي إن “قانون الإعدام” والذي يستهدف أسرى فلسطينيين قتلوا إسرائيليين قد يعود إلى الواجهة مجددا، رغم معارضته من الدوائر الأمنية له.
** التصعيد يقابله تصعيد
بدوره، يقول المحلل السياسي الفلسطيني سامر عنبتاوي، إن ما قامت به الحكومة الإسرائيلية في جنين و “ذهابها إلى مربع الأمن بالعنف والتهديدات كانت نتيجته عملية في القدس”.
وأضاف: “بعد شهداء جنين، كان من المتوقع ردود فعل فلسطينية بمستوى الأحداث التي حصلت، في دلالة على أن القمع لن يثني الشعب الفلسطيني عن مقاومة الاحتلال”.
ويرى عنبتاوي أن عملية القدس الجمعة كانت “نوعية وأثرت بشكل كبير على خطط وتوجهات الحكومة الإسرائيلية، وأعادت الحسابات داخل المنظومة الأمنية والسياسية فيما يتعلق بالمستقبل”.
وخلص إلى أن أهم دلالة لأحداث الساعات الأخيرة هو أن “التصعيد الإسرائيلي يقابله موقف نضالي وتصعيد فلسطيني”.
** 3 خيارات للرد
وعن سيناريوهات الرد الإسرائيلي، أشار المحلل الفلسطيني إلى اجتماع المجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر المتوقع مساء السبت، لاتخاذ الإجراءات.
وتحدث عن 3 خيارات أمام المجلس هي: “استمرار مداهمة مناطق الضفة والمواجهات بنفس الوتيرة، أو محاولة تحسين العلاقة مع السلطة وعدم الذهاب إلى التصعيد مع محاولة التهدئة”.
أما الخيار الثالث فهو “الذهاب إلى أعلى مراحل التصعيد بدخول مواجهات عنيفة في كل المنطقة، وتنفيذ المخططات الإسرائيلية واستدراج المزيد من العمليات الفلسطينية”، وفق عنبتاوي.
وقال المحلل الفلسطيني، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعيش حصارا سياسيا داخل حكومته من متطرفيها، ومعارضة متصاعدة خارجها، إضافة إلى عدم الرضا الدولي عن حكومته “سيحاول الخروج من المأزق، لكن الأمور ستتفاقم أكثر في الداخل الإسرائيلي، وتشهد حكومته مزيدا من الحصار والعزلة”.
** لا بنك أهداف
من جهته، يقول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي هاني أبو اسباع، إن ما يجري في القدس وإسرائيل والضفة “رد طبيعي على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة”.
وأضاف: “في الوقت الذي أزالت فيه إسرائيل القفازات عن يد الجيش، فإن الجانب الفلسطيني أزال القفازات عن أيدي المقاومين، مع دعم محدود من السلطة بوقف التنسيق الأمني ودعم كبير ومساندة من غزة”.
والخميس، أعلنت القيادة الفلسطينية عقب اجتماع طارئ لها في رام الله وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفق بيان تلاه المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة.
وذكر أبو اسباع، أن “مجلس الوزراء الأمني المصغر سيجتمع ولا يوجد له بنك أهداف لإيقاف مثل هذه العمليات، فقد حوصرت السلطة واستفحل البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي دون أن تتوقف المقاومة. القرارات الإسرائيلية لن تكون أكثر من تعزيز الوحدات العسكرية”.
عذراً التعليقات مغلقة