قسد-العمال الكردستاني: ذهنية المغامرة وأزمة تصدع التحالفات

عبد الجبار العكيدي22 ديسمبر 2022آخر تحديث :
قسد-العمال الكردستاني: ذهنية المغامرة وأزمة تصدع التحالفات
العقيد عبد الجبار العكيدي

ربّما لا يولي أصحاب المشاريع العابرة للوطنية أهمية كافية أو أيّة خصوصية للمآلات التي يمكن أن تفضي إليها مشاريعهم مهما كانت نتائجها، بقدر اهتمامهم باللحظة الراهنة وما يمكن أن تمنحهم من مكاسب، وذلك بحكم التفكير الناظم للعقل المغامر الذي ما يزال هو المتحكِّم الفعلي بسلوك معظم سلطات الأمر الواقع في سوريا.

ولعلّ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يتولّى القيادة الفعلية لمشروع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هو من أبرز القوى الذي تستهويه، بل ربّما تتحكم بمفاصل فكره ومنظومته الإيديولوجية النزعة المغامراتية، دون وجود حسابات دقيقة للمخارج المتاحة في نهاية المآزق التي واجهته في الماضي وستواجهه في المستقبل.

لقد أتاح نظام الأسد (الأب) المجال الحيوي الكافي لحزب العمال الكردستاني (PKK) ليمارس كافة أنشطته العسكرية والسياسية، بل وباتت الجغرافيا السورية ما بين عام 1980 – 1998 هي الحاضن الأبرز لمعسكراته ومجمل أنشطته التنظيمية والإدارية، حين كانت الرغبة لدى حافظ الأسد بجعل الحزب ورقة ضاغطة يلوّح بها أمام الحكومة التركية، بل وربّما يساوم من خلالها على مسائل أمنية وإقليمية مختلفة، تبدأ من نشاط المعارضة السورية على الأرض التركية ولا تنتهي عند مسائل المياه وغيرها.

إلّا أنّ الأسد بقدر ما كان حريصاً على استثمار تلك الورقة “الأوجلانية” حينذاك، فإنَّه في الوقت ذاته لم يجد حرجاً من رميها أو التنصل منها بكل سلاسة حين أدرك أنّ استمراره لحيازتها أو استثمارها سوف يهدّد أهم ركن من أركان نظامه، وأعني الجانب الأمني، لذلك لم يجد حافظ الأسد أيّ رادع من أن يوعز لأجهزته الأمنية بطرد عبد الله أوجلان حين أدرك جدّية تهديدات الدولة التركية باجتياح الشمال السوري إن استمر بدعم ميليشيات عبد الله أوجلان.

ولم يكتف الأسد آنذاك بقرار طرد أوجلان بل قدّم للمخابرات التركية كافة المعلومات التي تساعد على إلقاء القبض عليه، ثم مضى باستدارة نوعية آنذاك تمثلت بتوقيعه على اتفاقية أضنة التي اتسمت بتنازلات مخزية ومذلة لنظام الأسد.

لم تجسد النهاية المفجعة لعلاقة حزب العمال الكردستاني مع حافظ الأسد أي منعطفاً في منظومة التفكير الأوجلانية، بل ظلّت نزعة المغامرة هي الدليل الهادي لسلوكه، ولهذا ربّما أتاحت له انطلاقة الثورة السورية في آذار/مارس 2011، فرصة جديدة للاصطياد بالماء العكر، بغية الحصول على مكاسب راهنة يمكن استثمارها لاحقاً، إذ أنشأ جسوراً جديدة للتعاون من خلال ذراعه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي استجاب لأوامر نظام الأسد بكبح جماح التظاهرات المناوئة للنظام في المناطق الكردية، مقابل سماح النظام له بالسيطرة العسكرية على تلك المناطق، إلّا أنّ هذا المكسب القائم على التنسيق الآني مع قوات الأسد كان من الممكن تجاوزه وتخطيه أمام فرصة أخرى أتاحتها الولايات المتحدة في سياق مشروعها الرامي إلى محاربة داعش على الجغرافيا السورية.

وجدت واشنطن آنذاك في حزب الاتحاد الشريك المناسب لأسباب كثيرة، لعلّ أبرزها غياب الثورة عن مساحة أجندته، فضلاً عن استعداده الكامل للقيام بدور تنفيذي دون أية أبعاد سياسية ذات طابع استراتيجي قريب أو بعيد، وبناءً عليه كان تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، منطلقاً لتحالف بين واشنطن وحزب الاتحاد.

علماً أنّ واشنطن كانت شديدة الوضوح من خلال تأكيدها الدائم على أنّ هذا التحالف المبرم لا يتجاوز الجانب العسكري، وربّما كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هو الأكثر وضوحاً حين أكّد في ربيع عام 2019 وعقب إعلانه نهاية الحرب ضد داعش، على أنّ العلاقة مع قسد لم تعد تجد ما يبررها، وأنّ الانسحاب الأميركي من سوريا بات قائماً في أي وقت دون النظر إلى مستقبل قسد التي لم تكن أكثر من أداة تنفيذية لدى التحالف وفقاً لترامب.

لعلّ أحداً لا يجهل الأسباب الجوهرية التي أفضت إلى التوتر القائم بين أنقرة وواشنطن منذ عام 2015، والتي تتمثل بدعم واشنطن للعدو التقليدي لتركيا، ولعلّ اعتقاد قسد بديمومة هذا التوتر إنّما يجسّد ضرباً من قصر النظر الاستراتيجي المنبثق من صميم التفكير المغامراتي لقسد، إلا أن نزعة المغامرة غالباً ما تفضي إلى نتائج معاكسة.

وربّما هذا هو المأزق الحقيقي الذي يشدّ الحبال على خناق قسد شيئاً فشيئاً، فما هو غائب عن منظور قيادتها أنّ التوتر في العلاقات بين أنقرة وواشنطن لا يمكن له أن يبلغ المدى الذي يتوهمه حزب الاتحاد الديمقراطي.

وبعيداً عن جميع الحسابات الصغيرة والمرحلية، فإنّ تركيا تبقى بالنسبة لواشنطن دولةً إقليمية لها وزنها الكبير في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونها عضواً في حلف الناتو، أضِف إلى ذلك وجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فيها (إنجرليك) في ولاية أضنة، وربّما الغزو الروسي لأوكرانيا وتفاعلاته قد أضاف عوامل جديدة من شأنها أن تجعل واشنطن أكثر حرصاً على تعزيز العلاقات مع تركيا.

كل هذه العوامل وسواها قد تكون الدافع الأكبر وراء الأزمة التي تعصف بمستقبل قسد في سوريا، ولئن ناور حزب الاتحاد الديمقراطي أكثر من مرة من خلال التلويح باللجوء إلى نظام الأسد، إلا أنّ هذه المحاولات جميعها لم تفضِ إلى شيء سوى المزيد من ازدراء السلطة الأسدية ورفضها المطلق لأي اعتراف من شأنه أن يعطي اعتباراً سيادياً لكيان قسد، أضف إلى ذلك أنّ الاستدارة التركية الأخيرة تجاه نظام الأسد منذ آب/أغسطس، من شأنها أن تقلّص أي أمل لقسد بتفاهم ما مع النظام الأسدي.

لعل الإرث الوحيد الذي بحوزة حزب الاتحاد الديمقراطي لعلاقته مع نظام دمشق بعد اعتقال السلطات التركية لزعيمه عبد الله أوجلان، هو فرار أبرز قادته من سوريا وعودتهم إلى بلدانهم سواء في تركيا أو إيران أو جبال قنديل، أما من تبقى من أعضاء الحزب السوريين فقد ألقت السلطات الأسدية القبض عليهم وزجتهم في السجون لتبرهن لأنقرة التزامها ببنود اتفاقية أضنة، فيما سلم النظام السوري أكثر من 300 من قياداته وكوادره المهمة إلى الجانب التركي وذلك في أوج العلاقة الذهبية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد.

فهل سيتكرر السيناريو ذاته مع قوات سوريا الديمقراطية إبان انتهاء مهمتها التنفيذية في سوريا المتمثلة بمحاربة تنظيم داعش، لعلّ ما يشي بذلك هو التوجه الأخير للولايات المتحدة باتجاه زيادة الدعم لبعض الفصائل من المكون العربي متمثلة بجيش سوريا الحر المتمركز في منطقة التنف، والحديث عن إعادة تفعيل ودعم لواء ثوار الرقة بقيادة أحمد العثمان (أبو عيسى) الذي حلته قيادة قسد نهاية عام 2017، وصادرت سلاحه ووضعت قائده تحت الإقامة الجبرية خشيةً من الشعبية الكبيرة التي يحظى بها اللواء في محافظة الرقة.

المصدر المدن
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل