عندما يتقمص إسكوبار سوريا رداء الإنسانية

عن العفو المزعوم نتكلم

فهد القاضي22 ديسمبر 2022آخر تحديث :
عندما يتقمص إسكوبار سوريا رداء الإنسانية


لا يكاد يمضي عام منذ اندلاع الثورة السورية في شهر مارس/آذار من العام ٢٠١١ إلا ويطل علينا رئيس العصابة الحاكمة في دمشق إسكوبار سورية وقاتل الأطفال بما يسمى مرسوم العفو العام.

فبعد العفو الذي صدر في بداية العام ٢٠٢٢ والذي كان عباره عن مهزلة بسبب انفصاله عن الواقع وتجنبه لأي مصداقية.

ها هو يعيد الكرة اليوم بتاريخ ٢١ / ١٢ /٢٠٢٢ بإصدار ما يسمى مرسوم عفو جديد ولكن بنكهة أخرى محاولة منه لدحض ما نسبه إليه قانون الكبتاجون الأمريكي الذي تم تمريره من دوائر التشريع الأمريكية منذ أيام.

من المتعارف عليه اصطلاحاً وقانوناً بأنّ العفو هو التجاوز عن الذنب والتخلي عن ثقافة العقاب والابتعاد عنها من أجل بث روح المساحة والمصالحة والطمأنينة في المجتمعات والدول التي تشهد أو شهدت صراعات داخليه من اجل إعادة ضبط وتماسك المجتمع لإعادة بناءه من جديد، ولكن من المتعارف عليه في سوريا، التي تحكمها عصابة الأسد منذ ما يقارب الخمسين عاماً تقريباً، فإنّ الأمر ليس كما هو مألوف من قبل الدول والمجتمعات الأخرى.

ولعلّ أكبر دليل على ذلك، فإنّ آلاف من الحالات والتي صدقت فيما مضى تلك المراسيم وقامت بتسليم نفسها إلى أجهزة تلك العصابة الأسدية المتوحشة وخاصة المتهمين في الجرائم السياسية والعصيان المدني والعسكري.

فقد أصبحت أثراً بعد عين لأنّ حبال المشانق والمسالخ البشرية ومعتقلات التصفية كانت بانتظارها، ولدينا آلاف التوثيقات والتحقيقات المحفوظة التي تؤكد ذلك، والتي عبر السنوات السابقة شاركنا فيها لجان التحقيق الدولية والمنظمات الدولية الخاصة بسوريا.

إنَّ الثقافة الممنهجة والبنية الإجرامية التي نشأ عليها نظام الأسد وحكم سوريا من خلالها والمتمثلة بالقتل والإبادة الجماعية والتغييب القسري لكل معارض لسياسته التخريبية، ونهجه الاستبدادي الطائفي والتي تشرف عليها وتنفذها أجهزته الأمنية والعسكرية التي تدربت على تلك الممارسات، لهي سلوك وخارطة طريق للاستمرار في حكم سوريا غير قابل للتغيير إطلاقاً.

اثنا وعشرون عفواً منذ مارس ٢٠١١ وحتى هذا اليوم، قد صدر عن إسكوبار سوريا، والتي كان آخرها العفو الذي صدر اليوم بتاريخ ٢١ / ١٢ / ٢٠٢٢، والتي جانبت الصدق والتي لم يكن الهدف من خلالها إلا للتسويق الإعلامي الخارجي، وإشغال ضعاف النفوس وبسطاء الناس في ترهات وأكاذيب مضللة لاستنزاف ما لديهم من أموال لقاء خبر عن مغيب أو مفقود في زنازينه أو مقابره الجماعية.

ولدى مناقشة المرسوم الأخير، موضوع هذا المقال من الناحية القانونية نستخلص ما يلي:

إنّ منح العفو عن مرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي والذي أشار إليهم في المادتين /١٠٠، و١٠١/ المنصوص عليهما في قانون العقوبات العسكري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ٦١ لعام ١٩٥٠، فإنّ كلتا المادتين لا تشملان المتوارين عن الأنظار والفارين من وجه العدالة حسب توصيفه إلا إذا سلموا أنفسهم للسلطات خلال ثلاثة أشهر للفرار الداخلي وأربعة أشهر للفرار الخارجي.

وبغض النظر عن تفاصيل تلك المادتين من الناحية القانونية، فإنّ التحايل هنا واضح على قانون العقوبات العسكري، والذي تكمن طيات ذلك التحايل بالأفخاخ والكمائن والحيل الخبيثة للإيقاع بعديمي البصر والبصيرة الذين مازالوا يصدقون وعود هذا المجرم قاتل الأطفال وتاجر المخدرات، والتي تحمل في ظاهرها مفاهيم التسامح والإنسانية والتي دائماً ما يستخدمها في مراسيمه وخطاباته وأقواله والتي تخفي الحقد والقتل والإجرام، عدا عن ذلك فإنّ هذا المرسوم قد استثنى في حيثياته الكثير من المواد ذات الصفة الجنحية والمنصوص عليها في المراسيم التشريعية رقم ٣٥ لعام ٢٠١٥و٤٠ لعام ٢٠١٢ و٢٠ لعام ٢٠٢٢، وكلها متعلقة بما يسمى قانون الإرهاب المزعوم، إضافة للمادة ٦٨ لعام ١٩٥٣.

وفوق كل ذلك استثنى المادة ١٤٨ والتي تنص على (يطبق القانون السوري على كل سوري أو أجنبي فاعلاً كان أو محرض أو متدخل أقدم خارج الأراضي السورية على ارتكاب جناية أو جنحة مخلة بأمن الدولة).

ولا يخفى على جميع السوريون بشكل عام وعلى القانونيون منهم بشكل خاص من يقوم على توصيف الجرائم المشار إليها في تلك المادة وكيف يتم توصيفها ومن قبل من يصدر ذلك التوصيف، مما يعني بأن كل السوريون الذين رفضوا حكم إسكوبار سوريا، ونادوا بإسقاطه ومحاكمته هم متهمون بحسب تلك المادة المستثناة.

وبصرف النظر عن كلّ ما ورد في هذا المرسوم والمراسيم السابقة التي لا تحمل في طياتها إلا الكذب والخداع، والتي تشترك جميعها في صفه واحدة مشتركة، فهي لا تستهدف في الحقيقة إلا الشبيحة والقتلة والمجرمين تجار المخدرات وتجار البشر وأصحاب السوابق الأخلاقية واللصوص. هذا هو العفو في سوريا الأسد كما يطلق عليها شبيحته وأعوانه من البعثيين الطائفيين.

ومن خلال متابعاتنا لجميع المراسيم السابقة التي صدرت عن إسكوبار سوريا، فإنّنا لم نلحظ أن أي عفو شمل أي معارض من ضباط منشقين أو مدنيين من الأطفال والشيوخ والنساء التي مازالت معتقلاته تعج بهم.

وهذا ما أكدته تقارير لجان التحقيق وبعثات حقوق الإنسان الخاصة في سوريا، والتي أكدت بأنّ الاغتصاب والموت هو بانتظار كل من يصدق وعود الأسد ومراسيمه الكاذبة، وذلك إما في المعتقلات والمسالخ البشرية أو في المشافي العسكرية كمشفى عبد القادر شقفه العسكري بحمص ومشفى ٦٠١ في دمشق أو مسالخ دير شميل بحماه وصيدنايا.

إنّ جرائم الأسد في سوريا ليست كأحاديث النهار التي تمحوها حكايات الليل، فهي جرائم عصية على النسيان، كون الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية والقانونية لدى عصابات الأسد متوافقة وحسب السياسة الاستراتيجية الممنهجة المرسومة لها على أنّ كل ما يسمى بمراسيم العفو هي مجرد دعاية إعلامية، فقط ليس الهدف منها سوى إيهام الرأي العام الدولي ولجان التحقيق الخاصة بسوريا.

مَن مِن السوريون ينسى كلمة العميد الفاطس “عصام زهر الدين” الذي قال وبالحرف مخاطباً كل ثائر ومعارض لحكم الأسد: “نصيحة من الذقن لا ترجعوا لإنو إذا الدولة سامحتكم نحن مارح نسامح”.

نحن لا نسعى إلى إقناعكم وإنما نضع الحقيقة بين أيديكم

المصدر حركة تحرير وطن
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل