تواصل الليرة السورية انهيارها المتسارع في سعر صرفها أمام العملات الأجنبية حيث تضاعفت الخسارة خلال النصف الثاني من العام الجاري من 3970 مطلع حزيران/يونيو إلى 6140 ليرة أمام الدولار الواحد، منتصف الشهر الجاري، وسط تجاهل نظام الأسد لمعاناة السكان الشديدة.
وفي لقاء لشبكة “آرام” مع رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا الدكتور أسامة قاضي، استعرض جملة من الأسباب الأساسية التي أدت إلى تدهور الليرة السورية، إذ لم يعد هناك ما يسمّى الاقتصاد السوري، بعد خروج المحافظات الثائرة عن الإدارة المركزية السورية في العام 2011.
ويؤكد قاضي، أنَّ الليرة السورية “متجهة نحو الهاوية” فقد باتت أكثر من ستة آلاف ليرة للدولار الواحد، بعد أن كانت خمسين ليرة مطلع العام 2011، وارتفع سعر الذهب منذ ذلك الحين إلى أكثر من 160 مرّة ليصل اليوم عيار 21 لسعر 313 ألف ليرة سورية، وسط تضخم فاق الألف بالمئة.
ويرى أنَّ الحياة باتت “شبه مستحيلة” في مناطق سيطرة نظام الأسد، وجميع الأسباب تنعكس على الليرة السورية وقيمتها ومقدار ثقة الناس بها كـ”عملة وطنية”.
المكابرة الاقتصادية للنظام
بعد أن خرجت معظم الموارد الاقتصادية للخزينة السورية، لم يعد هناك إنتاج صناعي وزراعي وخدمي وسياحي وتجاري يستطيع أن يحمل الليرة السورية، التي لا تحملها الشعارات الرنانة ولا المزاودة، فالليرة لا تحملها المكابرة الاقتصادية لنظام الأسد. حسب المستشار الاقتصادي.
ويوضح أنَّ الليرة السورية لا يحملها إلا “سلع وخدمات تنتج داخل هذا الاقتصاد”، وهذا ما كان يتجاهله النظام بطريقة “المكابرة الاقتصادية”، فاقتصاد فقد ثلث حجمه بسبب فقدانه للنفط وفقد الثلث الآخر بسبب فقدانه للزراعة الموجودة في المناطق الخارجة عن سيطرته، كما خرجت المعابر من بين يديه، فضلاً عن مقاطعة كبيرة من دول العالم.
الاستجارة بإيران وروسيا
استجار بشار الأسد بقوّتين كليهما تحت العقوبات الاقتصادية الدولية (إيران وروسيا)، وبعد 24 شباط/فبراير الماضي (غزو روسيا لأوكرانيا)، بات الحليف الأهم للأسد “الروسي” في أضعف حالاته، ولم يعد بإمكانه أن يصد الهجمات الاقتصادية عن اقتصاده هو، فكيف باقتصاد دولة يستعمرها منذ 30 أيلول/سبتمبر 2015 وحسِبَ بوتين أنَّها “نزهة”.
ويُضيف قاضي، أنَّ بوتين في سوريا منذ سبع سنوات ولم ينجز مهمّته ولم تعد الأراضي السورية كاملة إلى حليفه الأسد، وانهار الاقتصاد السوري، كما وأبى الروس مساعدة اقتصاد النظام، رغم أنّهم الدولة الأولى في العالم التي تصدّر قمح ونفط، إلا أنَّهم يحتاجون إلى الأموال، إضافة إلى أنَّ سوريا مثقلة بالديون، فأغلق باب الشحاذة السورية ولم يعد الروس قادرين على إقراضه.
ووفقاً للمستشار الاقتصادي، فإنَّ المقاطعة الكبيرة للنفط الإيراني مع وجود خطوط الائتمان هي “أولاً: غير كافية، ثانياً: متقطّعة، ثالثاً: غير آمنة” وبالتالي لا يُمكن الاعتماد عليها، لكن نظام الأسد اعتمد على النفط الإيراني، بدلاً من أن يسعى إلى حلّ سياسي حقيقي من أجل أن يحصل على النفط السوري نفسه.
الاستقواء على الشعب
كعادته النظام استقوى بالعالم على الشعب، وهنا يؤكد قاضي، أنَّ النظام بدلاً من أن يضع يده بيد الشعب كي يستعيد ثلث ناتج الدخل القومي من النفط، استقوى بالنفط الإيراني على النفط السوري، وظنَّ أنَّ هذا يدوم، لكنّه في الواقع أثقل سوريا بديون لا تقل عن أربعين مليار دولار، بما فيها تمويل “الحرس الثوري الإيراني” لقتل الشعب السوري والخطوط الائتمانية والنفط المستقدم، وكل من تبقى من ميليشيات استقوى بها النظام كي يبقى في الحكم، هذا كلّه ينعكس على الليرة السورية.
أمراض الليرة السورية
يُشبّه قاضي الليرة السورية بـ “نقطة الدم التي يفحصها الطبيب”، فهي كافية لكشف كلّ أمراض الجسم، وإذا أخذت الليرة السورية وحلّلتها في مخبر الاقتصاد، ستجد أمراضاً تبدأ بالفساد، ما جعلها تصنّف كثالث أفشل دولة على المستوى العالمي بعد أن كانت في الرقم 44 في العام 2011، وهي تعد ثاني أفقر دولة في الكرة الأرضية، حيث يرزح 95 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، فضلاً عن ثلاثة عشر مليون سوري خرجوا من بيوتهم.
الموت السريري
يعتقد المستشار الاقتصادي أنَّ نظام الأسد بعد فقدانه السوق الاستهلاكية الداخلية، لم تعد ينفعه المكياجات الاقتصادية التي اتبعها مستشاروه ووزراؤه وحكام المصارف المركزية السابقة واللاحقة “كلها كانت فاشلة”، وسبق أن أكد أنَّها لن تفيد بشيء لكنّها تؤخر الموت البطيء للاقتصاد السوري الذي كان في غرفة الإنعاش، واليوم هو في “موت سريري”.
ويتوقع قاضي، أنَّ الليرة السورية لو تُركت للسوق ستتجاوز العشرة والعشرين ألف ليرة أمام الدولار الواحد بسهولة، كما فعلت الليرة اللبنانية التي انخفضت من ألف وخمسمئة ليرة إلى أربعين ألف ليرة خلال أقل من عامين بسبب الفشل الإداري الاقتصادي اللبناني، لافتاً إلى أنَّ الفشل في سوريا أفظع بكثير من لبنان.
إيرادات المخدرات
يقول قاضي: إنَّ مداخيل النظام من تجارة “الكبتاغون” سوف تُجفّف، وهناك احتمال أن يغلق الجانب الأردني معبر نصيب الحدودي مع درعا، مع توالي عمليات إيقاف محاولات التهريب من الجانب السوري، والأردنيون سيستعينون بدول العالم من أجل أن يحموا حدودهم من تهريب الكبتاغون.
ويضيف، أنَّ الأردن تعد بوابة لدخول السم القاتل الذي يصدره نظام الأسد وميليشيات حزب الله وإيران التي كعادتها تركّز على صناعة السم من أجل تسميم عقول الشباب وأخلاقهم، إضافة إلى ضرر اقتصاديات العالم، رغم لديها ما يكفيها من انتفاضات داخل إيران، مشيراً إلى أنَّ القيمة السوقية للكبتاغون المصدر من سوريا تقدّر من ثلاثة إلى خمسة مليار دولار.
ويستدرك قاضي، أنَّ النظام إذا اعتبر تجارة الكبتاغون هي البديل لكي ينعش الاقتصاد السوري أو ينعش الليرة السورية فهو “واهم”، خاصة بعد أنَّ قانون الكبتاغون الأمريكي، سيقر بشكل نهائي بعد أسابيع، معتقداً أنَّ الأمور متجهة إلى التضييق أكثر على النظام من هذا الباب. بالتالي هذه الورقة السامة التي بيده لن تفيد، وإن أفادت فهي فقط لتجار المخدرات والمنتفعين ولا تفيد بنهوض الاقتصاد الوطني.
وسبق أن أكد المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جويل رايبورن، الجمعة الماضي، أنَّ اقتصاد ودولة بشار الأسد ينهاران، وحكومته بدون وقود ولا كهرباء، لذا تغلق المكاتب والمدارس والخدمات لخفض التكاليف، بينما الشوارع فارغة.
وفي نهاية العام 2019، قال قاضي لـ”آرام” إنَّ قيمة الليرة السورية، تتفاوت بين الهبوط والارتداد منذ حزيران 2019، حيث تخطى الدولار الأمريكي الواحد، حاجز الـ 600 ليرة، ليصل إلى 945 ليرة.
عذراً التعليقات مغلقة