قدم رئيس الوزراء الهولندي مارك روته اعتذارات رسمية باسم الحكومة عن دور الدولة الهولندية في العبودية وعواقبها حتى يومنا هذا، وذلك في خطاب بإدارة المحفوظات في لاهاي اليوم الاثنين، اعتبر فيه أن العبودية جريمة ضد الإنسانية. وقال روته في خطابه عن العبودية “اليوم، أقدم اعتذارات باسم الحكومة الهولندية عما قامت به الدولة الهولندية في الماضي: لجميع العبيد في جميع أنحاء العالم الذين عانوا من هذا النشاط. لبناتهم وأبنائهم ولكل أحفادهم”.
وستنشئ الحكومة الهولندية صندوقًا للمبادرات، التي ستساعد في التعامل مع إرث العبودية في هولندا ومستعمراتها السابقة.
وكان هذا الخطاب حول ضلوع هولندا في 250 عامًا من الاتجار بالبشر في المستعمرات السابقة منتظرًا بفارغ الصبر. وأثارت رغبة الحكومة في الاعتذار والذي تسرب خبرها إلى الصحافة الهولندية في تشرين الثاني/نوفمبر، جدلًا حادًا في هولندا وخارجها لأسابيع.
ويأتي الاعتذار وسط إعادة نظر أوسع في الماضي الاستعماري للبلاد، بما في ذلك الجهود لإعادة القطع الفنية المنهوبة، ومعركتها الحالية مع العنصرية.
ليس بالاعتذار السهل
وكانت الحكومة الهولندية قد أعربت سابقًا عن أسفها العميق للدور التاريخي للبلاد في العبودية، لكنها امتنعت لأعوام عن تقديم اعتذار رسمي خشية من أن يؤدي إلى استقطاب المجتمع. وأبدى مارك روته نفسه لفترة طويلة تحفظات بشأن إصدار اعتذار رسمي، قائلاً في السابق إن عصر العبودية قديم جدًا وأن الاعتذار من شأنه أن يذكي التوترات في بلد حيث لا يزال اليمين المتطرف قوياً، قبل أن يغير رأيه في نهاية المطاف.
ومع ذلك، فضلت أغلبية في البرلمان تقديم اعتذار. وأعلنت لجنة، معينة من قبل الحكومة، في يوليو/ تموز الماضي أنه يتعين على هولندا الاعتذار والعمل بقوة للتغلب على التداعيات، مثل العنصرية. وأظهر استطلاع حديث أن 38 بالمئة فقط من السكان البالغين في هولندا يفضلون إصدار الدولة اعتذارا رسميا عن العبودية.
“لا اعتذار دون مناقشة”
وقوبل تقديم روته للاعتذار قوبل بممانعة من الجماعات التي تقول إن الاعتذار يجب أن يأتي من الملك فيليم ألكسندر في مستعمرة سورينام السابقة في الأول من يوليو/ تموز 2023 في الذكرى 160 لإلغاء الرق والاستعباد في المستعمرات الهولندية. كما قالت رئيسة وزراء جزيرة سانت مارتن في الكاريبي سيلفيريا جاكوبس لوسائل إعلام هولندية السبت إنها لن تقبل اعتذار هولندا إذا قدمته الاثنين، وأضافت أنها لن تقبل أي اعتذار دون مناقشة.
هولندا ثالث قوة استعمارية
يشار إلى أن هولندا كانت في السابق ثالث أكبر قوة استعمارية في العالم بعد إنجلترا وفرنسا. وساهمت العبودية في تمويل “العصر الذهبي” الهولندي، وهي فترة ازدهار من خلال التجارة البحرية في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
ويقدر المؤرخون أن التجار الهولنديين قاموا على مدار أكثر من 200 عاما باختطاف وبيع أكثر من نصف مليون إنسان، معظمهم من غرب أفريقيا، تم نقلهم إلى الأمريكتين لاستعبادهم، معظمهم إلى البرازيل ومنطقة البحر الكاريبي في المزارع في سورينام وانتيليس.
وكانت الملكية الهولندية واحدة من آخر الدول في أوروبا، التي تتخلى رسميا عن العبودية في الأول من يوليو/ تموز 1863وقد انتهت العبودية بالفعل فقط في 1873. وقام أحفاد الذين تم استعبادهم ومن أقاموا في المستعمرات في ذلك الوقت، بتنظيم حملة للمطالبة باعتذار هولندا.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت هولندا النظر في إرث دورها في العبودية وتاريخها الاستعماري والتي بدونه لم تكن المدن الهولندية ومتاحفها الشهيرة لتصبح ما هي عليه اليوم.
ويفخر الكثير من الهولنديين بتاريخ البلاد البحري وبنفوذها كدولة تجارية. ومع ذلك، لا يتعلم الأطفال سوى القليل عن الدور الذي لعبته في تجارة الرقيق كل من شركة الهند الغربية الهولندية وشركة الهند الشرقية الهولندية، وكانتا مصدرين رئيسيين لثروات البلاد.
وعلى الرغم من اشتهار هولندا بالبعد عن التعصب، لا تزال العنصرية مشكلة كبيرة. ويشكو مواطنو جزر الأنتيل والهولنديون من أصول تركية ومغربية من مستويات كبيرة من التمييز في حياتهم اليومية، وأظهرت دراسات حديثة أنهم يواجهون معوقات كبيرة في أماكن العمل وفي سوق الإسكان.
عذراً التعليقات مغلقة