الحراك الثوري يقلب قواعد اللعبة بريف حلب.. ورسائل مهمة من إدلب

عائشة صبري25 أكتوبر 2022آخر تحديث :
عائشة صبري
مظاهرة في مدينة الباب شرقي محافظة حلب رفضاً للانتخابات الرئاسية المزعومة التي يجريها نظام الأسد، الأربعاء 26 مايو 2021، تصوير: حسن الأسمر، حرية برس

تؤكد الاحتجاجات الشعبية التي بدأت شرارتها في مدينة أعزاز شمال محافظة حلب، عبر التظاهر وقطع الطرقات أمام أرتال هيئة تحرير الشام بعد سيطرتها على منطقة عفرين في الثالث عشر من الشهر الجاري، على قدرة الشارع الثوري في تغيير المعادلة.

بينما أثارت بعض اللافتات في مظاهرات حلب، التي تشير إلى خطورة سيطرة “الهيئة” على المنطقة كونها مصنفة على “قوائم الإرهاب”، غضب ناشطي إدلب والذين بدورهم أعربوا عن استيائهم عبر التأكيد بأنَّ “إدلب خضراء وليست سوداء”، وانقسم الشارع الثوري في مطالبه بمظاهرات يوم الجمعة الفائت.

فيما يرى ناشطون في حلب أنَّ قلة المشاركين في مظاهرة إدلب تحت اسم “الشعب يريد توحيد الصفوف وتحرير البلاد”، توضح أنَّ “أهالي إدلب على عهد الثورة”، ولا أحد يختلف على أنَّه من يصبغ إدلب بالسواد ليس سكانها ولا الناشطون المتخوفون من تمدد الهيئة إلى ريف حلب، بل هو من يحكمها بالحديد والنّار.

أسباب الغضب الشعبي

تعتقد الباحثة في “مركز الحوار السوري” كندة حواصلي، أنَّ أسباب الغضب الشعبي من دخول “تحرير الشام” ليس مشروعها الأيديولوجي فقط، بقدر ما هو نتيجة “تكرار سياسات تقوم على التغلب واستخدام القوة لبسط النفوذ والسيطرة الإجبارية والتفرد بدوائر الحكم وإعادة القيود وتحجيم الحراك المدني من جديد”.

وتقول لشبكة “آرام”: إنَّ هذا الشيء واضح في مناطق إدلب بحيث أصبح الحراك المدني فيها خافتاً نسبياً مقارنةً بحراك شمال حلب (درع الفرات وغصن الزيتون)، ونرى انضباط الأمور الإدارية تحت سلطة واحدة بمناطق إدلب، تكون مقابل إحجام نطاق الحريات والعمل المدني.

وتضيف حواصلي، أنَّ الأحداث الأخيرة استحضرت تاريخ “الجولاني” في ابتلاع الفصائل الثورية والسطو على أسلحتها ومقراتها وإضعافها، فالأهالي يدركون أنَّ مشروع هذا الفصيل (الجولاني) الذي يدَّعي أنَّه أحد أجسام الثورة، “مؤذي جداً لمشروع الثورة”، من خلال استهدافه المنفرد للفصائل وللناشطين وما إلى ذلك من أعمال أضرّت بالثورة.

هل الهيئة قسمت الشارع الثوري؟

يرى الناشط الثوري في مدينة الباب، معتز ناصر، أنَّ الشرخ الحاصل بين إدلب وريف حلب فُرِضَ فرضاً على الشعب السوري بسبب تباين سلطات الأمر الواقع بين المنطقتين، وما يجمع بين هاتين السلطتين أنَّهما لا يمثلان إرادة الشعب، ولا تحققان له الأهداف التي قام لأجلها.

لذلك يجب على نشطاء كلّ منطقة في حديثهم عن سلطة المنطقة الأخرى أن يراعوا ظروف أهلهم هناك، فلربّما كلمة قيلت في ريف حلب، دفع ثمنها أهل إدلب، والعكس صحيح، فمن الحكمة سد الذرائع والتفكير بمصلحة أهلنا في كلّ بقعة. وفق قوله لـ”آرام”.

ويضيف ناصر: إنَّ تعميم صفة الإرهاب والسواد على “تحرير الشام” قد يكون له “أثر سلبي” على أهالي إدلب، لاسيما إن كان عبر حملات إعلامية بلغات مختلفة، ما قد يُفهم ضوءاً أخضر لحرق إدلب واستباحتها، وتعزيز سردية النظام والاحتلالين الروسي والإيراني. مشيراً إلى أنَّ تعامل الدول مع تصنيف الإرهاب فيه “ازدواجية متباينة جداً”.

بدوره، الناشط الإعلامي سليمان أبو ياسين، يؤكد أنَّ الثوار يوماً بعد يوم يزداد وعيهم تجاه “مشروع الجولاني الخبيث”، لذلك يواصلون مظاهراتهم المطالبة بإخراج عناصر “تحرير الشام” من منطقة حلب والذين يحاولون التخفّي ضمن بعض الفصائل وفي مقرات بمنطقة عفرين.

ويشير في حديثه لـ”آرام” إلى أنَّ المظاهرات لعبت “دوراً مهماً” في الضغط على القيادات العسكرية وعلى الضامن التركي وتوضيح ما يجري، فدخول “تحرير الشام” إلى المنطقة يعني “صبغها بالسواد وانعدام الأمن والحرية وملاحقة الثوار والنشطاء”.

وفي ذات السياق، يُحذر أبو ياسين، من الانجرار خلف الدعوات التي تطلقها “الهيئة” وإعلامها الرديف حول المطالبة بإدارة مدنية وعسكرية واحدة من إدلب إلى جرابلس، والتفريق بين توحيد الصفوف الحقيقي وبين “مشروع الجولاني”، حيث تسعى من خلال بعض الدعايات حشد الشارع في مسيرات هدفها المعلن الدفاع عن إدلب لكن باطنها تمرير “رسائل خبيثة” تمهّد لمشروع “الجولاني المنهزم”. حسب وصفه.

من جهتها، توضح الباحثة حواصلي، أنَّ الشرخ المجتمعي يكون لمن يدافع عن “تحرير الشام”  بناءً على مصلحة شخصية، فبعض الأشخاص الذي انضموا إليها أصبح لديهم “سلطة ونفوذاً”، أو المنتفعين منها لـ”مصالح اقتصادية”، فهم يدافعون عنها للحفاظ على مكانة وصلوا إليها، وليس بالضرورة لأنَّهم متوافقون معها فكرياً.

وحول حراك الشارع الثوري مؤخراً، يقول الناشط الإعلامي أنور أبو الوليد، لـ”آرام”: إنَّه كان “الأقوى والأصدق منذ سنوات”، فقد تحدّى كلّ شيء، عندما أيقن أنَّها “معركة كسر عظم بين الثورة وأعدائها”، وأنَّها معركته الحاسمة المصيرية التي يمكن أن لا ترتفع للثورة راية حال خسرها، فاستطاع الشعب تغيير موازين القوى وقواعد اللعبة، ومخططات الدول.

ويؤكد أبو الوليد، أنَّه كشاهد عيان على حراكٍ شعبي امتدّ على مدى الأيام الماضية، أنَّ المظاهرات لم تشهد توجيه أيّ هتاف ضدّ منطقة هي صفوة الثورة وقبلتها كإدلب، وأنَّ الحراك كان موجّهاً فقط “ضد مشروع الهيئة الذي يحكم إدلب بالاستبداد والتغلب”.

ويلفت إلى أنَّ المظاهرات تجاوزت تكتيكات ورغبات الفصائل التي قاتلت الهيئة وكانت أعلى منها سقفاً وأكثر وضوحاً وجرأة، ولم يتم رفع أيّة راية لأيّ فصيل في شرقي حلب وشمالها. مطالباً أبناء الثورة بعدم شيطنة الحراك الذي يمكن أن يُبنى عليه تصحيح وتغيير حقيقي قادم في أشد مراحل الثورة تعقيداً وأكثرها مفصلية.

رسائل من نشطاء إدلب

عبّر عدد من نشطاء إدلب عن انزعاجهم من وصف المنطقة التي يعيشون فيها بـ”السواد”، حيث رسم الفنان عزيز أسمر جدارية “إدلب خضراء.. السواد في قلوبكم”، وتحدّث الإعلامي جميل الحسن في تسجيل مصور على صفحته، عن وصف بعض المتظاهرين بريف حلب لـ”إدلب بالإرهابية”.

وأكد الحسن، أنَّ الإرهابي هو بشار الأسد الذي يصف جميع الثوار بـ”الإرهابيين”، كذلك أكد الإعلامي أبو علاء الحمصي على ذات الفكرة في مظاهرة إدلب بتسجيل مصوّر على صفحته الشخصية.

ويقول الناشط الإعلامي في إدلب، خالد التلاوي، لـ”آرام”: إنَّ القادات العسكرية يجب ألا يُدخلوا المدنيين بموضوع الاقتتال والخلافات الفصائلية، ويبدو الاقتتال الأخير هدفه إضعاف المنطقة أكثر بإرادة دولية.

ويشير إلى أنَّ وصف بعض المتظاهرين في ريف حلب لمنطقة إدلب بـ”الإرهاب أو السواد” هي للضغط على تركيا وأمريكا لوقف تمدد “الهيئة” في المنطقة، مؤكداً أنَّ “التظاهر واجب” للمطالبة بوقف الاقتتال للمصلحة العامة وحقن الدماء.

وبدوره، يلفت الناشط الإعلامي، محمد سعيد قشاش، إلى أنَّ عشرات الإعلاميين في إدلب وحلب عبّروا عن رفضهم التام للاقتتال الأخير بين “تحرير الشام” و”الفيلق الثالث”، مذكّراً بأنَّ الاقتتالات الفصائلية ليست وليدة اليوم، وفي كلّ نزاع هناك مطالب شعبية لوقفها والتوحد عسكرياً وأمنياً لمواجهة الاحتلالين الروسي والإيراني من جهة وعصابات الاغتيال والتفجير من جهة أخرى.

ويستهجن قشاش، المقيم في إدلب، من انحياز البعض من نشطاء أو أبناء الثورة لفصيل ضد فصيل آخر، ويقول لـ”آرام”: “من المعيب وصف فصيل على أنَّه مجرم وقاتل، أو أنَّه من الجماعات الإرهابية، وتداول بيان السفارة الأمريكية بأنَّ تحرير الشام فصيل إرهابي ومازال على القائمة السوداء”.

وهذه رواية نظام الأسد وروسيا دائماً لشرعنة قصفهم المدنيين والأطفال والمرافق العامة في إدلب أمام المجتمع الدولي طيلة السنوات الماضية وحتى اليوم، حسب قشاش، مضيفاً: “ما دعا نشطاء وسكان إدلب للخروج بمظاهرة تنديداً بما يتم ترويجه عن المنطقة، وطالب المتظاهرون بإدلب بتوحيد الصفوف العسكرية ونددوا بالاقتتال الحاصل في الشمال السوري”.

ويدعو الإعلامي، إلى التفريق بين المشاكل الداخلية وطرق حلها وإنهائها وبين تصدير هذه المشاكل للعالم “في سبيل انتصار طرف على طرف”، فالمتظاهرون يؤكدون على أنَّ المنطقة من أقصى تل أبيض شرقاً حتى جسر الشغور وجبل الزاوية غرباً جميعها مناطق محررة يرتفع فيها علم الثورة السورية، فلا بدَّ من وضع الخلافات جانباً وتلبية مطالب السوريين بتوحيد الصفوف والالتفات للتجهيز لتحرير المناطق المحتلة وإعادة المهجّرين إليها.

المظاهرات لا تسقط “الجولاني”

في حين، يُقلل الدكتور في الإعلام والتسويق السياسي، علاء رجب تباب، من تأثير المظاهرات في إسقاط أيّ مسؤول، موضحاً أنَّه من غير المجدي، مطالبة أهالي إدلب بالتظاهر ضد “الجولاني” بغية إسقاطه، لأنَّ الفاعل السياسي الحاكم لدينا ليس نتاج مجتمعنا بل نتاج تقاطعات سياسية لفواعل  الاحتلالات الدولية.

ويؤكد تباب، لـ”آرام”، أنّه “من يتوجب عليه الحراك والتغيير هم المسؤولون والمتحكمون بالمفاصل الاجتماعية والتعليمية والمؤثرة في الشمال السوري، لا دفع الناس العاديين إلى التهلكة، بغية خدمة مصالح سياسية لأطراف النزاع الدولي والإقليمي، لا سيّما في ظلّ غياب مشروع سياسي وعسكري ناتج عن الرحم الاجتماعي.

ويضيف: إنّ “إصرار الرأي العام على مطالبة أهالي إدلب بالتظاهر يؤدي لإحداث شرخ اجتماعي في الشارع الثوري، ويدفع أهالي إدلب للدفاع عن نفسهم بشعارات مؤيدة للحاكم بغية دفع الصائل السياسي الخاضعين له عنهم، وهذا بدوره يشرعن للتحالف الدولي قصفهم بحجة أنّهم أطلقوا شعارات مؤيدة للفصيل المصنف إرهابياً وهذا سيفسّر سياسياً بأنّ الناس العاديين أنفسهم هم جزء من الإرهاب!”.

مظاهرة إدلب يوم الجمعة
مظاهرة الباب يوم الجمعة
المصدر آرام
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل