بين النقد والشيطنة

زكي الدروبي16 أكتوبر 2022آخر تحديث :
بين النقد والشيطنة

تعالت خلال الفترات السابقة أصوات ثورية متناقضة، كلٌّ ينظر إلى الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام بطريقة متناقضة مع الآخر، وهذا الاختلاف يدفعهم إلى شيطنة بعضهم البعض، فظهرت تسميات “تيار الهدم” و “السوركيّين”.
لا شك في أن كل طرف يحاول التعبير عن رأيه، والمنظور الذي يرى الثورة من خلاله، لكنه تشبث برأيه ووجهة نظره لدرجة وضع الآخر قيد التخوين.

بداية لابد من التذكير بأهداف ثورة السوريين، فقد كانت صيحاتهم المنادية بالحرية من نظام الاستبداد والقمع الأسدي تؤكد على أنهم يبحثون عن نظام يناقض الحالي، أي نظام ديمقراطي تعددي يتساوى فيه جميع السوريين في الحقوق والواجبات أمام القانون، ولا يرغبون باستبداد مستبد بآخر.
ثورة تريد الحرية من الاستبداد والقتل ونهب ثروات الشعوب والعمالة لقوى الخارج الذي يمثله نظام الأسد، وليس الانتقال من الأسد لنظام مشابه مع اختلاف الأسماء فقط. وهذا يتطلب منا الإشارة إلى التجاوزات، وانتقاد الأخطاء، وتحميل المسؤولية بجرأة وقوة، ولا يعني السكوت والتغاضي تحت ذرائع مختلفة، من مبدأ حلال على جماعتنا حرام على غيرها، وانتقاد الأخطاء والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها لا تعني إيقاظ الفتنة النائمة، وهذا يعني أيضاً إيقاع العقوبات مضاعفة على من يرتكبها من المسؤولين أو أقربائهم أو زبانيتهم عمن يرتكبها من الناس العاديين، لأن مسؤولية من تصدر المشهد، مسؤولية القائد، ضعف مسؤولية الشخص العادي، وعدم الاكتفاء بالمصالحة التقليدية “تبويس الشوارب”، لأن من يأمن العقاب ويعلم أن أقصى ما يمكن أن يتعرض له وبحالة استثنائية هو تعنيف بسيط من قائده وتبويس شوارب مع المعتدى عليه، سيكرر الاعتداءات، وربما تكبر.

إن انتقاد الممارسات التشبيحية ممن حمل البندقية دفاعاً عن مصالح “المعلم” أو بحثاً عن مصلحة شخصية، وتحت غطاء “وطني” تارة، و”إسلامي” تارة أخرى ، لا يعني تصوير “المحرر” على أنه غابة، ولا يعني أن هذا يصب في صالح أجندة الأسد، ولا تعني محاسبةُ المعتدين سفكَ الدماء في “المحرر”، لأن غاية النقد والمحاسبة ردع المعتدي، لا هدم الثورة، وعلينا أن نطمح ليكون “المحرر” جنة الله على الأرض، ومثالاً يحتذى لكل من يريد الثورة ضد نظامه المستبد المجرم، لا أن تكون مرتعاً للفساد والظلم، وإن ما جرى ويجري اليوم فضح المستور، وأوضح بأن هذا السلاح والذخيرة لم تخزن لقتال الأسد أو عصابات pkk إنما لقتال الشعب والهيمنة عليه.

علينا أن نرفض ديكتاتورية الثورة، وأن نرفع الصوت عالياً في النقد، فهو الذي يميزنا عن مناطق النظام، لا إخفاء الأخطاء والقول بأنها “أخطاء فردية” ومشاكل أسرية صغيرة و… الخ، ففي مناطق النظام لا يسمح بأي انتقاد، فانتقاد بسيط لارتفاع الأسعار وممارسات موظفي التموين، يؤدي بك إلى غياهب المعتقلات، وعلينا أن نميز المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بمستوى حريتها المرتفع في سقفه.

لا تخافوا من النقد، بل اعتبروه ميزة عن النظام فنحن نتحدث عن حرية الرأي والتعبير، وننفذ هذا الشيء، يعني قول وفعل وليس شعارات، وهذا يعطينا ميزة أن نكون بديل حقيقي لنظام الأسد، والمقارنة بين المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد والمناطق الخارجة عن سيطرته ستكون لصالح الثورة بالتأكيد.

ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى معاتباً رسوله الأكرم (عبس وتولى) ، لماذا لم يرسل الله سبحانه وتعالى يعاتب الرسول في الخفاء؟ أو لماذا لم يمنعه بالأساس من اقتراف الخطأ ونزهه عن هذا الخطأ البشري؟ أليس هذا درساً لنا في توجيه النقد للبشر على أخطائهم كائناً من كانوا؟ فهل انتقاد جبهة النصرة، والفساد بين أمراء الفصائل، يعني انتقاد الشباب المؤمنين بالثورة السورية المجبرين على العمل مع هؤلاء الفاسدين؟
وحتى لو انتقدنا كل الفصيل أليس ما قاله الإمام أحمد بن حنبل لسجانه – الذي كان ينفذ أوامر سيده معتقداً بأنه في مرتبة أعوان الظلمة ليكتشف أنه ظالم بنفسه وليس معيناً للظالم – رأي معتبر في اعتبار الفصيل الذي يسكت على ظلم وفساد قائده مشارك في الجريمة ؟

إخوتي وأحبتي، يجمعنا اليوم حب الخير لأهلنا والرغبة بالخلاص من الأسد المستبد القاتل، ومن أمثاله، مهما كان الرداء الذي يتدثرون به، فتعالوا نركز عليهم، ولندع كل واحد مننا يعبر عن رأيه بطريقته، ولنحسن الظن ببعضنا البعض، ولنضع أيدينا بأيدي بعض، كي نصبح قوة كبرى لها تأثير على الناس، نوحدهم ضد الأسد وأمثاله، بدلاً من أن نستأسد على بعضنا البعض.

تعالوا جميعاً إلى كلمة سواء، أن لا نوافق على أي خطأ مهما كان صغيراً وفردياً، فحين يترك الخطأ الفردي دون محاسبة وفضح، سيزداد عدد مرتكبي الأخطاء الفردية، ونصبح في غابة كما هو الوضع اليوم، للدفاع عن الفاسد المجرم لا يجوز السكوت عنه خوفاً من الضرر الذي سيتسب به قتاله، بل إن ثمن بقائه أكبر بكثير من ثمن اقتلاعه.

هذا جوهر الثورة.. لنرفع الصوت عالياً ضد كل من يعتدي على الثورة كائناً من كان.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل