بعد أن كشفت تحريات الشرطة العسكرية والفيلق الثالث التابعين للجيش الوطني السوري (المعارض)، أمس الإثنين، تورط فرقة الحمزة، المعروفة باسم “الحمزات”، التابعة للجيش نفسه، في اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته وجنينهما، بدأ الفيلق الثالث هجوماً ضد “الحمزات” في مدينة الباب ومحيطها بريف حلب الشمالي.
تمكن الفيلق الثالث من طرد “الحمزات” من مدينة الباب ومن الكلية العسكرية، أو ما تعرف بـ”الزراعة”، الواقعة على أطراف المدينة، وطالت العملية مقرات الفرقة في مناطق أخرى، إذ سيطر الفيلق، مساء اليوم، على مقرات الفرقة، في قرية بالبليت بريف عفرين، وصادر المعدات العسكرية الموجودة فيها. في إحصائيات أولية، تسببت الاشتباكات بمقتل مدني وإصابة ثلاثة آخرين على الأقل.
وجاءت عملية الفيلق الثالث، بالتزامن مع موجة غضب واسعة في أوساط سكان مناطق سيطرة الجيش الوطني، المدعوم من تركيا، في شمال غرب سوريا، بعد الكشف عن أسماء المتورطين في اغتيال “أبو غنوم”، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكشف تورط القيادي في “الحمزات” أبو سلطان الكادري في التدبير للعملية.
بدأت العملية باشتباكات بين عناصر أمن تابعة للفيلق الثالث مع عنصرين من “الحمزات” متهمين بتنفيذ العملية، وهما يتبعان لمجموعة الكادري، المعروف بـ”الديري”، التابعة لـ”الحمزات”.
في اليوم الثاني للهجوم ضد “الحمزات”، حاولت هيئة ثائرون للتحرير، المنضوية أيضاً تحت الجيش الوطني، التدخل كطرف وسيط لوقف الاشتباكات بين الطرفين، إلا أنه لا توجد معلومات حتى لحظة نشر هذا التقرير عن مضمون الوساطة وإمكانية نجاحها في وقف الهجوم ضد “الحمزات”، التي يقودها سيف أبو بكر المقرّب من تركيا.
وحاولت “سوريا على طول” التواصل مع الفيلق الثالث للوقوف على تطورات العملية وأهدافها، لكن مدير المكتب الإعلامي للفيلق رفض التصريح “لأننا متوقفون عن النشر حول الحادثة”، ولم يصل أي رد من الجيش الوطني وفرقة الحمزة حتى لحظة نشر هذا التقرير.
خلية منظمة
بعد ساعات من إلقاء القبض على أفراد “خلية الاغتيال”، حاولت مجموعة “الديري”، المتورط بالتخطيط للعملية، محاصرة مستشفى الباب، لإخراج أحد عناصرها، الذي أصيب أثناء الاشتباكات، ما استدعى جلب تعزيزات عسكرية من الشرطة العسكرية وبعض فصائل الجيش الوطني لحماية المستشفى ومنع تهريب عناصر الخلية منها.
وفور الكشف عن تحريات الشرطة العسكرية والفيلق الثالث، تداول ناشطون فيديوهات، تظهر اعترافات أحد المشاركين في تنفيذ عملية الاغتيال وتفاصيل العملية التي أشرف عليها مسؤولون في “الحمزات”، وفيديوهات مصدرها كاميرات مراقبة في مدينة الباب، تكشف ملاحقة أعضاء الخلية للناشط “أبو غنوم”، الذي كان يستقل دراجة نارية رفقة زوجته الحامل.
وفي مساء الإثنين، أي يوم الكشف عن التحريات، أصدرت “الحمزات” بياناً، أقرت فيه بأن المتهمين بتنفيذ عملية الاغتيال من مرتبات الفرقة، وأنهم يتبعون لأحد الألوية التي انضمت مؤخراً إلى صفوفها، معلنة تبرأها “من كل من يثبت تورطه في هذه الجريمة النكراء من عناصر اللواء وقيادته، ونتحمل مسؤولية وجودهم في صفوفنا قبل البحث بشكل مفصل في الملفات الأمنية لكل عناصره الآخرين”، بحسب البيان.
صوت الشارع
تحوّلت مراسم تشييع “أبو غنوم” وزوجته إلى احتجاجات شعبية ضد فصائل الجيش الوطني، بسبب تردي الأوضاع الأمنية وحالة الفوضى التي تشهدها المنطقة، واستمرت الاحتجاجات في مراسم العزاء، التي تلت عملية الدفن.
لم تهدأ الأصوات الغاضبة في المنطقة، لكنها استعرت من جديد بعد الكشف عن ملابسات “الجريمة”، وتورط أحد أركان الجيش الوطني فيها، بعد أن أشيع أن المتورطين خلايا من تنظيم “داعش”.
وفي ذلك، قال أبو محمود (اسم مستعار)، أحد الناشطين المنظمين للاحتجاجات في مدينة الباب: “إن مطالبنا قبل اعترافات الخلية ليست كما بعدها”، موضحاً لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية، أن “المطالب كانت تتمثل في إقالة المسؤولين الأمنيين من الشرطة المدنية والعسكرية والفصائل بمدينة الباب، ووضع خطة أمنية، وتحميل الأتراك كامل المسؤولية عن الوضع الأمني المنفلت في المنطقة”.
لكن بعد كشف الخلية وبث اعترافات أعضائها، أضيف على المطالب “إخراج فرقة الحمزة من مدينة الباب بشكل كامل، ومحاسبة سيف أبو بكر قائد الفرقة، ونائبه، كأحد المطالب الرئيسية”.
ويترقب المحتجّون اعترافات أبو سلطان، قائد المجموعة العسكرية التي نفذت عملية الاغتيال، بعد أن سلم نفسه للشرطة العسكرية، أمس الإثنين، بحسب أبو محمود، مؤكداً أنهم مستمرون في حراكهم “حتى تحقيق كامل المطالب”.
شدد أبو محمود على مطالب المحتجّين بضرورة “محاسبة الرأس الأكبر الذي أعطى الأوامر”، في إشارة إلى عبارة أحد المتهمين، الذي قال بأن العملية تمّت لأن “المعلم هكذا يريد” من دون الإشارة إلى اسمه، لذلك بالنسبة لأبو محمود “محاسبة الخلية غير كافٍ”.
قضية الناشط الإعلامي “أبو غنوم” وزوجته، تحولت إلى “قضية رأي عام، وعلى الجيش الوطني والأتراك كشف كل خيوط الجريمة وأطرافها، ومن ثم محاسبة المتورطين أو السقوط”، كما قال الناشط أبو محمود وهو من الحراك المدني في الباب.
بدوره، قال محمد عثمان (اسم مستعار)، ناشط إعلامي في مدينة الباب، لـ”سوريا على طول” أن “محاسبة كل المتورطين، بما فيهم قائد فرقة الحمزة سيف أبو بكر، هو مطلبنا”، مشدداً على تمسكهم في مواصلة الاعتصام “حتى لا تًنسى الجريمة ويترك المجرمون من دون محاسبة كما حدث في المرات السابقة”.
ولم يخفِ عثمان تخوفه من تكرار سيناريو محاسبة أبو عمشة، قائد فرقة السلطان سليمان شاه الذي جرى طي صفحة محاسبته بعد إتمام التحقيقات التي أجراها آنذاك الفيلق الثالث نفسه، وخلصت إلى إدانة أبو عمشة وفصيله بجرائم قتل وخطف واغتصاب وغيرها من الجرائم.
ومع إصرار عثمان على ضرورة مواصلة الجيش الوطني في ملاحقة المتورطين في هذه الجريمة من أعلى هرمها، استدرك: “لا يمكن التعويل على الحكومة المؤقتة ووزارة دفاعها وقادة الجيش الوطني والمؤسسة القضائية”، واصفاً هذه المؤسسات بـ”الكرتونية”، وأن “الحالة الفصائلية أقوى منها”.
وجاء تشديد الحراك المدني على مسؤولية الأتراك في الانفلات الأمني ودورهم في ملاحقة المتورطين، لأن إفلات “أبوعمشة” من العقاب، جاء بعد ضغوطات تركية أو لكونه مدعوم من أنقرة.
حدود العملية العسكرية
يبدو أن الفيلق الثالث يتعامل مع الأحداث الأخيرة من منطلق محاولاته قيادة التيار الإصلاحي في الجيش الوطني، إضافة إلى محاولاته استغلال الحادثة لاجتثاث فرقة الحمزة، التي يقاسمها سنوات طويلة من الخلافات والمواجهات العسكرية. هذا لا ينفي تورط “الشامية”، وهي أهم مكونات الفيلق، في ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في وقت سابق.
ومع أن تحرّك الفيلق الثالث يتناغم مع مطالب المدنيين، حتى اللحظة، “وسيزيد من رصيده الشعبي”، وفق وائل علوان، الباحث في مركز جسر للدراسات بتركيا، فإن هذا التحرك “قد يعزز الحالة الفصائلية المسيطرة في المنطقة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
وأضاف علوان: “الكشف عن المجرمين ومعالجة الموضوع بهذه الطريقة لا يعني تشكيل الرادع على مستوى المجتمع”، معتبراً أن الحل يكون في “تقوية المؤسسات الأمنية العامة ومؤسسات القضاء، وتنظيم الفصائل ضمن فيالق تابعة لوزارة الدفاع” التابعة للحكومة السورية المؤقتة.
ومع أن أنقرة طرف أساسي من وجهة نظر المدنيين، سواء على صعيد الانفلات الأمني أو ضبطه، إلا أنه “لا وجود لأي دور واضح من الأتراك حتى الآن”، بحسب الناشط أبو محمود، الذي تداعى إلى مسامعه أن “الجانب التركي بدأ اليوم تحركاته، ولكن في اتجاه الضغط على الفيلق الثالث من أجل وقف العملية العسكرية”.
أما عن مصير فرقة الحمزة، قال علوان إن “مطلب تفكيكها وإنهائها ليس هدف الفيلق الثالث فحسب، وإنما مطلب لمجموعة من الفصائل، ناهيك عن كونه مدعوماً من الناحية الشعبية”، إذ تملك فرقة الحمزة سجلاً حافلاً من الخلافات مع الفيلق الثالث والفيلق الثاني وحركة ثائرون.
ومع أن المؤشرات تسير نحو تفكيك فرقة الحمزات، التي طردت من الباب وخسرت عدداً من مقراتها الرئيسية، إلا أن ذلك لا يتحقق بناء “على تدخلات الوساطة التي من المتوقع أن تحصل، وبناء على قوة فرقة الحمزة وقدراتها على المقاومة خارج مدينة الباب”، أما في الباب يعتقد علوان أن مصير الحمزات “التفكيك الكامل”.
عذراً التعليقات مغلقة