وليد أبو الهمام – حرية برس:
لا يمكن لمن عاصر سنوات الثورة السورية ضد نظام الأسد أن يتناسى ما قدمته بعض المناطق من دعم بكافة الوسائل، وخاصة تلك المناطق التي شدد النظام قبضته الأمنية عليها لمعرفته التامة بقدرتها على تغيير الموازين، سواء لموقعها الجغرافي أو خصوصيتها الديموغرافية في سورية.
وتعتبر مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماة من المدن التي نشطت بشكل واضح في بداية الثورة من خلال المظاهرات التي كان يشارك فيها عدد كبير من سكانها بالإضافة الى سكان القرى المجاورة لها، وهذا ما جعل نظام الأسد يضعها على قائمته السوداء كباقي المناطق التي خرجت عن سيطرته.
كيف فعل النظام دور الميليشيات في المنطقة؟
نظراً للخصوصية التي تتمتع بها مدينة السلمية كون غالبية سكانها من الطائفة الإسماعيلية فقد حرص النظام على إظهار نفسه كمدافع عن الأقليات، وإيهام سكان المدينة بوجود خطر كبير يهدد وجودهم، لذلك بدأ باستقطاب ضعاف النفوس من أبناء مدينة السلمية وقراها ليكونوا حطباً للنار التي سيحرق بها أعداءه. إلا أن الأمر الذي لا يمكن أن يساوم عليه النظام هو بقاء السلطة بيد أشخاص موثوقين، لذلك عمل على إسناد سلطة الأمر والنهي إلى بعض الأشخاص من أبناء الطائفة العلوية ممن يسكنون أطراف المدينة أو القرى المجاورة، بمساعدة من أقربائهم داخل السلطة.
من هم هؤلاء الشبيحة؟
أبرز المسؤولين الذين أشرفوا على تشكيل المليشيات في مدينة السلمية هو اللواء المجرم أديب سلامة معاون مدير المخابرات الجوية، والمشرف على العديد من عمليات القتل والتعذيب، من سكان حي ضهر المغر الواقع في الطرف الجنوبي الغربي لمدينة السلمية، وعن طريقه وبدعم واسع منه تم إعطاء الصلاحيات غير المحدودة لشقيقه مصيب سلامة الذي شكل وقاد مليشيا من الشبيحة وعمل بكل قوة لقمع المظاهرات في السلمية في البداية ثم وسع نشاطه الإجرامي ليصبح كابوساً تعاني منه منطقة السلمية وقراها بل وحتى كل من يقدّر عليه المرور من هناك. جند مصيب سلامة مجموعة كبيرة من الأشخاص تحت إمرته، وأوكل قيادة هذه المجموعات لأشخاص من أبناء طائفته بالإضافة لمشاركة أبنائه بذلك.
ركز مصيب سلامة قوته على الطرقات الرئيسية التي تربط بين المحافظات حيث نصب الحواجز على مداخل المدينة، لكن أفعال عناصره الإجرامية كانت تقع على الحواجز البعيدة عن المدينة، وخاصة الحاجز الواقع على طريق حمص السلمية عند قرية خنيفس والذي كان تحت إمرة محمود عفيفة وهو من سكان قرية خنيفس ومن أصحاب السوابق الإجرامية ولم يدخر وسيلة لإظهار النزعة الإجرامية لديه، ويشهد بذلك كل سكان المنطقة وكل من قدر له النجاة من يده.
أما طريق الرقة الذي يمر غربي مدينة السلمية، فقد جعله مصيب سلامة تحت سلطة ولده فراس سلامة، حيث كان يمارس تشبيحه على المسافرين من المحافظات الشمالية من خطف وقتل وفرض الإتاوات، وحسب ناجين فإنه كان يضع المخطوف في أحد البيوت في ضهر المغر ثم يطلب مبالغ كبيرة للإبقاء على حياته.
أما شرقي مدينة السلمية، فقد كان غزوان السلموني هو من يمارس صلاحياته فيها، وهو من قرية الصبورة (سكانها من الطائفة العلوية) وشكل قوة تشبيحية كبيرة من أبناء قريته، وركز نشاطه في المنطقة الشرقية وعمل كسابقيه على ممارسة القتل والسلب والنهب والخطف لأبناء القرى الشرقية، وارتكب العديد من المجازر وخاصة بحق النساء والأطفال الفارين من القصف على مدنهم وقراهم باعتبار أن الطريق الآمن كان يمر من تلك المنطقة.
جميع هؤلاء وغيرهم كانوا مكلفين من قبل مصيب سلامة بالقيام بجميع الأفعال الإجرامية التي تعود ثمارها عليه من مبالغ مالية أو سيارات، أما أصحابها فقد كان ينتهي بهم الأمر مقتولاً في أحد الآبار، وكل ذلك كان يتم بمعرفة أجهزة الأمن، حيث كانت تتلقى العديد من الشكاوى، إلا أن قادة هذه الأمنية كانوا يتذرعون بعدم قدرتهم على مواجهة مصيب سلامة.
كيف انتهى بهم الأمر؟
خلال السنوات العشر الماضية زج النظام بكل إمكانياته في سبيل إسكات الحقيقة، ومنها إطلاق يد الأشخاص الأكثر إجراماً، وهؤلاء كانوا أكثر فاعلية من قواته الأمنية باعتبار أنهم لا يخضعون لقانون أو سلطة تحاسبهم وشكلوا كابوساً يجثم على صدور المدنيين سواء كانوا معارضين أم مؤيدين وهذا ما جعلهم يتجاوزون السلطات الأمنية وحتى مقاومتها إذا لزم الأمر.
لكن عندما بدأ النظام باستعادة السيطرة على المناطق وتهجير السكان منها، ظل شبيحته الذين صنعهم يمارسون دورهم وسلطاتهم، إلا أن إجرامهم أصبح يطال الموالين بهدف الحصول على الأموال، وهذا ما شكل عبئاً كبيراً على أجهزة النظام نظراً لكثرة الشكاوى التي قدمت ضدهم، ولأن الحالة التي كانت تدعو لوجودهم قد انتهت، أصبح من الضروري تقييد صلاحياتهم وهذا ما أدى لوقوع الكثير من حالات الصدام بالسلاح وسقوط قتلى من القوات الأمنية، فعمل النظام على اصطيادهم بشكل غير مباشر على الحواجز الأمنية وكان محمود عفيفة أول من تخلى عنه النظام حيث تم اعتقاله على أحد حواجز مدينة القطيفة في عام 2018 وتم إعدامه منذ عدة أشهر، أما رأس التشبيح في المنطقة مصيب سلامة فقد تم اعتقاله في بداية هذا العام لتصدر نعوه من أقربائه بعد عدة أيام تعلن وفاته دون ذكر الأسباب، ويرجح ارتباط وفاته بوفاة محمود عفيفة نظراً لوفاتهم في فترة متقاربة.
أما فراس سلامة فقد توفي أيضاً بعد فترة قصيرة من وفاة والده دون ذكر الأسباب، إلا أن المؤكد أنه كان موقوفاً في أحد الأفرع الأمنية، وبذلك تخلصت المنطقة من أبرز رموز الإجرام الذين طال إجرامهم حتى أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية نتيجة مرورهم الإجباري في تلك المنطقة.
ولا يخفى على أحد وجود بعض الأسماء المتورطة بالعمل مع تلك الفئة سواء من مدينة السلمية أم من قراها وهؤلاء كان عملهم يقتصر على الدعم المالي ومعظمهم من التجار أو السياسيين الذين يسعون لزيادة ثرواتهم ومناصبهم بكافة الطرق والوسائل، وهؤلاء لا يشكلون خطراً على النظام بل العكس، فهو يعتبرهم من أكثر الداعمين له.
عذراً التعليقات مغلقة