واضح ما المقصود. قيل لنا جميعاً إن هناك فانوساً قديماً، يعيش فيه جنّي منذ ألف سنة، وإنك لو عثرت على الفانوس ومسحت عنه الغبار، كما فعل علاء الدين، فسيخرج لك الجني الأزرق ويلبي لك كل مطالبك لأنك أنقذته من الأسر الطويل، بساط ريح وذهب وقصور وقصص أخرى.
وقد حرصتُ مثلما حرص غيري على اقتناء فانوس، منذ تلك الأيام البعيدة، لعل الجني يخرج منه يوماً ما، وكلما أنستني الأيام الموضوع عاد الفانوس الفضي الجالس أمامي على المكتبة ليدعوني إلى مسحه، فقد يخرج الجني، من يدري!
أسطورة علاء الدين وفانوسه وجنيّه الأزرق ليسوا من قصص التسلية والترفيه وحسب، إنما هناك حكمة وراء الموضوع؛ فحين تضيق الدنيا وتنغلق الدروب، لا بد من أن يأتي أحد يملك قوة خارقة ليُسلّك الطرقات ويحقّق الأماني المستعصية.
أكبر ظلم تعرّضت له الأجيال الجديدة هو الواقعية التربوية التي ترفض القصص السحرية وتتعالى على الخيال، وتقول فيها المعلمات للأطفال إنكم لن تجدوا أقزاماً في الغابة إذا بحثتم عنهم، وإن بينوكيو حكاية لا يمكن أن تحدث، فكيف بوسع اللعبة الخشبية أن تتحول إلى إنسان حي! والذئب لا يمكن أن يبتلع جدة ليلى وتبقى حية قبل أن يخرجوها مع حفيدتها الحمراء من بطنه.
لماذا يفعلون ذلك؟
إلى أي درجة ينحسر فيها خيال الطفل أو الطفلة إذا قلنا لهما هذا الكلام؟ ألم يقل ألبيرت أينشتاين إن الخيال أهم من المعرفة؟
المجتمع العلمي الذي وضع مثل هذه القواعد مجتمع رهيب، لا قلوب لديه ولا رحمة ولا رقة، وقد قرأت أن الخفاش، حسب ما برهن علماء الأحافير، كان من القوارض، مثل الفئران وغيرها، لكن رغبته في الطيران أنبتت له جناحين ونجح في ذلك. كان لديه خيال دفعه إلى تقليد الطيور، وظل يحاول ويطوّر جسده حتى حقّق ما يريد. هذا تعلّم قادم من الخيال.
ولهذا جرى التأسيس لعلم رائع يدعى “محاكاة الطبيعة” وينسبونه إلى دافنشي على الرغم من فشله في صناعة آلة الطيران. هناك العديد من الأمثلة، مثل صناعة السترات الواقية من الرصاص اعتماداً على طريقة العنكبوت في نسج خيوطه الحريرية، وكذلك محاكاة الكائنات البحرية، وتقنيات الغوص لديها. وأهم من تم تقليده هو “أبوبريص”، وهو سحلية صغيرة منتشرة بشكل واسع، ويسمى أحيانا “البريعصي”، أما ما تم تقليده به فهو طريقته في المشي على الجدران والأسطح الملساء، وصولاً إلى النانو والهيكل الخاص للأسطح. كيف يمكن أن يحصل هذا لو لم يتخيل الإنسان نفسه في مكان هذا “البرص”! وهي في كل الأحوال فكرة طفولية تقوم على الخيال.
لن أصدّق أنه لا يوجد أحد في الفانوس، ولا بد أن يخرج في يوم من الأيام ونتفاهم.
عذراً التعليقات مغلقة