تنطوي مسألة طرح العلاقة بين حركة حماس ونظام بشار الأسد على إشكالية كبيرة، إذ كثيراً ما يجري استثمار الأمر في سياق التهجّم على الموقف الفلسطيني عموما من الثورة السورية، وهو رأي غير صحيح، كما قد يفتح الباب للتهجّم على الإخوان المسلمين، وبالتالي يُصار إلى حرف الموضوع بعيدا عن فهم خلفياته ومعرفة مساراته.
كان السبب الرئيسي لقطع “حماس” علاقاتها مع الأسد، رفض الحركة، بشكل قطعي، المشاركة في قتل السوريين. هذا ليس تحليلاً ولا معلومات بقدر ما هو مشاهدة عينية للأحداث التي شهدها مخيم اليرموك والحجر الأسود وبقية المخيمات الفلسطينية.
كان نظام الأسد يحتاج هذا الأمر معنويا أكثر منه عملياً، كان يريد الإيحاء بأن الثورة مدعومة من إسرائيل، بدليل أن الفلسطينيين يشاركون في الحرب ضدّها، لذا لم يكن غريبا أن الجبهة الشعبية – القيادة العامة انشق عنها أغلب الفلسطينيين، ما اضطرّ نظام الأسد إلى رفدها بعشرات الشبّيحة من السوريين لاستمرار هياكلها والحفاظ عليها من الانهيار الذي كان سيعتبر مؤشّراً عن انهيار النظام نفسه.
لا يعني ذلك أنه لم يقف مع النظام فلسطينيون، بدليل وجود لواء القدس والصاعقة وسواهما، ولكن هؤلاء لا يُقارنون بحجم الكتلة الفلسطينية التي وقفت مع الثورة، بدليل مقتل آلاف الفلسطينيين واختفاء مثلهم ووضع النظام أسماء عشرات آلاف الفلسطينيين على قوائم المطلوبين لانخراطهم في الثورة، سواء بالتظاهر أو الإغاثة، أو تقديم شكل من الدعم للمنشقّين عن النظام.
سورية باتت منفصلة تماما عن فلسطين وقضيتها وأهلها، وإسرائيل لا تضربها بسبب دعمها الفلسطينيين غير الموجود أصلاً، بل بسبب الوجود الإيراني
تعرف “حماس” كل تلك الوقائع جيداً، مثلما تعرف حقيقة إجرام نظام الأسد، فعشرات، إن لم يكن مئات، من عناصر وكوادر قيادية يتبعون للحركة جرى قتلهم تحت التعذيب وإخفاؤهم، لكن الأخطر من ذلك أن “حماس” شاهدت الوجه القبيح للنظام، عندما غلب على سلوكه البعد الطائفي، وتقهقرت شعارات القومية والممانعة وسواها من كليشيهات كان يلوكها النظام مثل نصوص محفوظات طلبة المدارس.
لا يبدو أن نظام الأسد، وبعد أن تكشّفت الوجوه، بحاجة لـ”حماس”، ولا حتى مرحب بالعلاقة معها، رغم ضغط إيران وحزب الله عليه، فالحركة بصفتها فاعلاً فلسطينياً محلياً لن تمنح نظام الأسد أي ميزة، وهذا النظام الذي يتعامل بحياد مع إسرائيل، ويتمنّى على الإيرانيين أن يخففوا من نشاطهم المعادي لها، يدرك أن علاقته مع “حماس” لن تفيده بشيء، بعد أن تراجع خطر الثورة، ورفضت الحركة التصديق على روايته لها.
كما أن النظام لم يعد معنياً بوجود ورقة فلسطينية يهدّد بها إسرائيل، وهو يرى كيف أن وجود حزب الله وكل من يقول إنه مقاوم، لم يمنع إسرائيل من ضرب سورية متى ما أرادت، وأن لـ”حماس” حساباتها الخاصة في أي مواجهةٍ مع إسرائيل، ولن يكون الانتقام لنظام الأسد من هذه الحسابات.
إعادة حماس العلاقة مع نظام الأسد ليست سوى تلبية لطلب إيراني ملحّ
والواقع أن سورية باتت منفصلة تماما عن فلسطين وقضيتها وأهلها، وإسرائيل لا تضربها بسبب دعمها الفلسطينيين غير الموجود أصلاً، بل بسبب الوجود الإيراني، بل تعتبر إسرائيل الأسد ضحية لهذا الوجود، بدليل أنها ما انفكّت ترسل تطمينات إلى الأسد بأنها لن تقترب منه، وأنه ليس هو المقصود من الضربات التي تقوم بها في سورية. والحال، أنه لا حاجة للنظام السوري لا لـ”حماس” ولا لفلسطين. عينه على الخليج، يريد أموالا وعلاقات تجارية وسياحة واعترافا بالشرعية، والعلاقة مع “حماس” تضرّه أكثر مما تفيده.
ولن تستفيد الحركة الإسلامية من النظام بشيء. والواضح أن إعادة العلاقة مع نظام الأسد ليست سوى تلبية لطلب إيراني ملحّ، فلو افترضنا أن “حماس” استفادت سابقا من الساحة السورية عبر تدريب كوادرها من غزة على صناعة تقنيات بعض الأسلحة، فهي اليوم غير قادرة على إعادة التجربة، لأن النظام فقد الثقة بها ويصعب إشراكها في برامجه. ومن جهة أخرى، لأن المواقع الإيرانية المختصة بهذا المجال كلها تحت العين الإسرائيلية.
وتدرك “حماس” أن بيئتها في سورية قد تحطّمت، ويصعب إعادة بنائها، ولن يسمح نظام الأسد وأجهزته للحركة بنشاط بين الفلسطينيين في سورية، كما كان الأمر في السابق. وفي الأصل، لن يُسمح بوجود فلسطيني متركّز في مناطق معينة بعد تدمير مخيم اليرموك، كما أن الجزء الأكبر من فلسطينيي سورية غادرها أو نازح في مناطق بعيدة عن المخيمات، أي بمعنى أنه لم تعد هناك بيئة فلسطينية في سورية، كما كان قبل الثورة.
تدرك “حماس” أن عدم تطبيع النظام السوري مع إسرائيل ليس سببه حرصه على المقاومة الفلسطينية، ولا القضية الفلسطينية، إنما نتيجة رفض إسرائيل دائما التجاوب مع شروطه
وإذا كانت لإيران مصلحة في إقامة علاقات مع “حماس” لاعتبارات خاصة بها، فإن الأسد، الذي باتت تسيطر على مفاصل نظامه قوى ذات نزوع طائفي ليس لديها أدنى استعداد للتعامل مع “حماس”، وهي لا تثق بها، وستبقى تنظر إلى هؤلاء جزءا من مشروع معاد يستحيل التصالح معه. ولذا، كثيراً ما يصف إعلام الأسد، وحتى الأسد نفسه، “حماس” بالغدر والخيانة، وهي النعوت نفسها التي يطلقها على جميع معارضيه من السوريين، مدنيين وعسكريين.
تدرك “حماس” أن عدم تطبيع النظام السوري مع إسرائيل ليس سببه حرصه على المقاومة الفلسطينية، ولا القضية الفلسطينية، إنما نتيجة رفض إسرائيل دائما التجاوب مع شروطه، وخصوصا لجهة الانسحاب الكامل من الجولان، حيث ترى أن لا شيء يغريها لتقديم تنازلاتٍ بهذا الحجم لنظام ضعيف، هذا موقفها قبل الثورة، وترى في الجولان أهمية أكبر من سيناء.
فات زمان علاقة نظام الأسد بحركة حماس. هذا النظام الذي احترقت جميع أوراقه لن تعيد له هذه العلاقة جزءاً من فاعليته المحطّمة، كما تدرك “حماس” أن نظام الأسد ليس سوى دمية لإيران، تفرض عليها الظروف مجاملتها.
عذراً التعليقات مغلقة