بعد سبع سنوات من موجة لجوء السوريين، يشهد صيف هذا العام موجة لجوء من السوريين باتجاه أوروبا، شبيهة بموجة 2015، وإن كانت بأعداد أقل نظراً لصعوبات الطريق ومشاق رحلة التهريب خلافاً لسياسة “الباب المفتوح” التي أدخلت نحو مليون لاجئ سوري تقريباً إلى دول الاتحاد الأوروبي.
تشير الإحصائيات التقريبية إلى أن عشرات الآلاف من السوريين، سواء من تركيا أو من داخل سوريا، خاضوا تجربة تهريب البشر وصولاً إلى أوروبا، وهذا الرقم ناتج عن مطابقة أرقام من خاضوا التجربة.
وفي حزيران/يونيو الماضي، نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريراً يرصدُ الاتجاهات العالمية العامة للاجئين والمهجرين، والذي يؤكد أن استمرار عدم الاستقرار في الجمهورية العربية السورية أدى إلى مئات الآلاف من عمليات النزوح الجديدة.
وتصدرت سوريا قائمة الدول الخمس التي يأتي منها 68% من مجموع اللاجئين والمهجّرين وطالبي اللجوء في الخارج، وفقاً لتقرير المفوضية.
بلغ عدد السوريين المتقدمين بطلبات لجوء 124.050 طلب لجوء منذ بداية عام 2021 ولغاية شهر أيار من العام الجاري 2022.
وكانت لدول الاتحاد الأوروبي النسبة الأعظم في استقبال طلبات اللجوء.
وأكدت وكالة مراقبة حدود الاتحاد الأوروبي “فرونتكس”، ازدياد عمليات الدخول غير النظامي إلى الاتحاد الأوروبي، بنسبة زيادة بلغت 82% بين شهري كانون الثاني/يناير وأيار/مايو من العام الجاري، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وقد تم توثيق 86.420 حالة دخول غير شرعي خلال هذه الأشهر الخمسة.
40 ألفاً منهم دخلوا عبر طريق البلقان وهم من السوريين والأفغان، و13 ألفا اختاروا الدخول عبر جزيرة قبرص جميعهم من السوريين والنيجيريين والكونغوليين.
في قبو الباخرة إلى إيطاليا
التقى موقع “تلفزيون سوريا” بمجموعة من الشباب السوريين، عددهم 9 يافعين أعمارهم ما دون العشرين سنة، جميعهم مهجرون من حمص وريفها ويقيمون في مخيمات شمال إدلب، ينوون السفر تهريباً إلى أوروبا.
يقول يزن الجاسم (اسم مستعار)، أحد أفراد المجموعة، وصلت المفاوضات مع المهرب حتى الآن، إلى مبلغ 9500 دولار عن كل شخص، على أن يتكفل المهرب بإخراجهم من سوريا باتجاه تركيا، عن طريق إذن وإن كلفة هذه المرحلة 1800 دولار عن كل شخص.
ويضيف، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، بعد الدخول إلى تركيا سيتسلّمنا شريك المهرب في مدينة الريحانية ليتولى نقلنا إلى إزمير.
بحسب الاتفاق مع المهرب، من أزمير ستركب المجموعة في سفينة من ست طوابق لكن مكانهم في قبوها، لتبحر بهم إلى إيطاليا، كما أكد لهم المهرب مظهراً لهم المحادثات مع زميله على الطرف الآخر من الحدود.
ومن السواحل الإيطالية سيتوجهون براً إلى مدينة جنوة شمالي إيطاليا، ومنها عبر الحدود إلى سويسرا ثم ألمانيا.
المدة المتوقعة للرحلة تستغرق ما بين شهر وشهر ونصف، والأمر مرهون، بحسب المهرب، بعدة عوامل أهمها موعد تحرك الباخرة.
كثيرة هي الوعود التي يتلقاها الراغبون بالسفر تهريباً إلى أوروبا، بأن الطريق آمن وضمن وسائل نقل مريحة، إلا أنها وفق مصادر متواترة تكون مجرد وعود، والطريق يكون أخطر مما هو متوقع.
عدد من أفراد المجموعة وصل الخميس، 1 أيلول/سبتمبر الجاري إلى الحدود الصربية المجرية، ولكن ليس عن طريق الباخرة كما كانوا يخططون بل عبر البر من تركيا، وهم الأن بانتظار دخول دول أوروبا الغربية، والقسم الآخر لا يزال في الشمال السوري ينتظر دوره.
الأسباب: انسداد الأفق
عن الأسباب التي تدفع الشباب في شمال غربي سوريا، يقول الشاب أحمد، أحد أفراد المجموعة، إن انسداد الأفق والبحث عن مستقبل مستقر هي التي دفعتنا لسلك طريق الهجرة غير الشرعية.
ويضيف أحمد، في الشمال لا يوجد عمل إلا ضمن الفصائل برواتب لا تكفي حتى المصروف الشخصي، نحن شباب في مقتبل العمر لا نملك مسكناً فأهلنا يعيشون في مخيمات بائسة، لا يمكن تأمين المسكن ومصاريف الزواج في سوريا.
وبحسب أحمد، كل المؤشرات تؤكد أن الحل في سوريا يحتاج عدة سنوات، “يكون حينها قطار الشباب قد فات”.
بدوره محمد، يحلم بدراسة هندسة الحاسبات، التي اضطر لتركها بعد وصوله إلى السنة الثانية في “جامعة حلب الحرة”، لعدم قدرته على تأمين تكاليف الحياة والدراسة.
ويقول محمد، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، والدي متوفى وأجد صعوبة في تأمين عمل أجمع من خلاله أقساط جامعتي، لأن ما هو متوافر من عمل يكون عادةً بأجور يومية زهيدة بالكاد تكفيني لمصروفي الخاص.
ويضيف، قمنا ببيع منزلنا ومحل تجاري في حمص لكن حصتي من الميراث لا تساوي المبلغ الذي طلبه المهرب، لذلك نحاول مفاوضته لتخفيف المبلغ قدر المستطاع.
استغلال عصابات تهريب البشر
المهرب الذي تتفق معه المجموعة “م.أ”، سوري الجنسية من أهالي منطقة الراعي شمالي حلب ويقيم في أعزاز، يقول في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، نحن نؤمّن طريقاً للشباب ليخرجوا من “هذا الجحيم”.
ويضيف المهرب، أنا أول من أرسل أبناءه إلى أوروبا، فأبنائي الثلاثة الآن في ألمانيا، ولم يمض على سفرهم إلا أربعة أشهر، أرسلتهم سويةً، وكان الأمر مخاطرةً كبيرة فطريق التهريب محفوف بالمخاطر، لكني اخترت لهم الأكثر ضماناً رغم أن الكلفة كانت كبيرة.
ويتابع حديثه، دفعت 30 ألف دولار، رغم حصولي على امتيازات في السعر باعتباري مهرباً، مشيراً إلى أنه باع أرضاً من ممتلكاته لتأمين المبلغ.
ويقول المهرب، لا يخلو الأمر هناك شبكات تهريب تمارس الاحتيال والنصب، وأنا أسمع قصصاً كثيرة من شباب تعرضوا للاحتيال والضرب على يد حرس الحدود التركي، ولكن ليس كل المهربين الذين لولاهم لما تمكن مئات آلاف الشباب من بلوغ أوروبا.
ويوضح المهرب جانباً من علميات النصب التي يتعرض لها الراغبين بالهجرة غير الشرعية، بأن هناك شباب يريدون العبور مقابل مبالغ زهيدة فيجعلهم بعض المهربين طعماً ينشغل به حرس الحدود لحين تمرير مجموعات دفعت مبالغ أكبر.
ويشير إلى أن هناك عصابات تهريب البشر تستغل الشبان وتتركهم في غابات صربيا أو يضعونهم في البلم بأعداد كبيرة، فإن لم يغرقوا نتيجة الحمولة الزائدة، أمسك بهم خفر السواحل نتيجة جهلهم بالطرق الواجب اتباعها عبر الجزر اليونانية الكثيرة.
هل تستحق المغامرة؟
نواف الضميري، من مهجري ريف دمشق ومقيم في الدانا شمالي مدينة إدلب، لم يوافق على سفر ابنه إلى أوروبا تجنباً لمخاطر المغامرة التي قد تؤدي إلى الموت.
ويقول نواف، لم أوافق على سفر ابني حين رغب بمرافقة أصدقائه، الذين سافروا منذ شهرين، واستطعت إقناعه بأن افتتح له محلاً لبيع العصير والقهوة والبوظة على أحدث طراز، بالمبلغ المطلوب ذاته لسفره وهو 12 ألف دولار.
ويضيف، أستغرب ممن يملك مثل هذا المبلغ ويسمح لابنه بالسفر لأوروبا عبر طرق بلغت فيها المخاطر حدّ الموت على يد حرس الحدود، أو غرقاً في البحر أو جوعاً في الغابات والجبال.
يكمل نواف حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، مقابل كل ألف شاب مهاجر ندفع من أموالنا عشرة مليون دولار، هي ثمن أراضي وبيوت وذهب الأمهات، ولو فكر الأهل لوجدوا عدة أفكار لمشاريع يعمل بها أبناؤهم، دون الدخول في مغامرات خطيرة، يكون ختامها الموت أحيانا، أو الفراق بين الشباب وأهلهم إلى الأبد في أحسن الأحوال.
ويستدرك نواف قوله، لا أنكر أن الظروف في شمال غربي سوريا باتت صعبة جداً نتيجة انعدام وجود أي أمل في المدى المنظور، وأعلم أيضاً أن أغلب الأسر تعجز عن افتتاح مشروع كالذي افتتحته لابني، وهؤلاء يرسلون أبناءهم عبر طرق التهريب الأقل كلفة والأكثر خطورة، وأسمع كثيرا عن شباب غادروا منذ أشهر ويجهل أهلهم مصيرهم حتى الآن، علينا أن نفكر كثيراً قبل إرسال أولادنا إلى الموت.
عذراً التعليقات مغلقة