معركة النقاب الفيسبوكية.. حرية أم إقصاء؟

عائشة صبري8 سبتمبر 2022آخر تحديث :
عائشة صبري

ليس بجديد، في كلّ آونة وأخرى يُطلُّ علينا أحد/إحدى مدعيي الثقافة والثورة في سوريا بنشر صورة لنساء منقبات في الداخل السوري، وهنَّ إمّا في حفل تكريم لحفظ القرآن الكريم، أو في حفل تخرّج من الجامعة، منتقصاً/ة منهنَّ بطريقة أو بأخرى.

كذلك الأمر كلّما تم نشر صورة لأطفال حفظوا القرآن في الشمال السوري، لا يتوانى/تتوانى عن إعادة نشرها مرفقة بتعليق مجحف بحق الأطفال استهزاءً بالأمر، ليُري/تُري الناس بأنَّه/ها من المتحضرين المثقفين/ات، فأنتَ بزعمهم لا تكون كذلك إلا إذا هاجمت الإسلام والمسلمين، وهي أيضاً فرصة لتصدُّر قائمة الترند على مواقع السوشيل ميديا لا سيما برنامج “فيسبوك”.

هذا وينقسم الجمهور لذلك الشخص، ما بين داعم له/ا بتعليقات ساخرة لا تنمُّ إلا عن انعدام الأخلاق واحترام الأديان والمقدسات، أو منتقد لتصرفاته/ا المسيئة  للمسلمين/ات ومقدساتهم. وهناك الكثير من الأخطاء يقع فيها الطرفان.

منها: الفريق الداعم يستصغر ويحتقر الفريق المنتقد، ويصفه بأبشع الصفات ليس أقلها (جاهل/ سفيه/ منحط/ ذبابة/ وغيرها من الكلمات النابية)، ويدعو الشخص المهاجم للإسلام إلى الغرور والتكبّر والتعالي على كلّ من ينتقده، وبالتالي يقومون (المهاجم وداعميه) بشتم وحظر أو إلغاء صداقة كلّ من ينتقدهم حتى لو حاول مناقشتهم بالحسنى والمنطق. وبدلاً من نصح المهاجم بأنَّه مخطئ بحقّ تلك النسوة المنقبات أو الأطفال الحفاظ وذويهم ومطالبته بالاعتذار منهم.. يتعالون أكثر فأكثر وينكرون بأنَّه خطأ.. والمضحك أنَّهم يستشهدون بآيات قرآنية، أو بقصص بعيدة تماماً عن المجتمع السوري، ربّما يرونها على مقاسهم لتخدم مآربهم.

أمَّا الفريق الثاني المنتقد، من أخطائه أنَّه يُقللّ من قيمة المهاجم وينسف تاريخه مهما كان، فالواجب أن ينتقد تصرفه/ا المحدد فقط وينصحه، وليس لشخصيته/ا وحياته/ا دخلاً بالموضوع.. والأسوأ فعلاً هو من يعتمد على الشتائم بحقّ المهاجم وشرفه وعائلته، فيأتي لإزالة ما يراه منكراً ليقع في محظور وحرام شرعاً “وجادلهم بالتي هي أحسن”[النحل:125]، لذلك لا تقلب الحقّ باطلاً بتلك الشتائم.. من المؤسف أنَّه قلَّما ما يستجيب أحدهم للنصيحة التي باتت بمثابة الشتيمة هذه الأيام حتى أصبح الكثير منّا يغضّ الطرف وينأ بالنصح لما يراه من ردٍ قاسٍ أو حظر فوري.

لنأخذ محاور النقاب.. يقولون: إنَّ المرأة مجبرة على ارتدائه طلباً من عائلتها سواء (أب/ أخ/ زوج/ ابن)، ولكن هل فعلاً كلّ النساء والفتيات مجبرات؟ بالطبع لا. لكنَّها سياسة التعميم لا أكثر.. مع العلم الحجاب مهما كان شكله في محافظة إدلب هو إجباري من قبل حكومة الأمر الواقع، بينما في مناطق حلب الحجاب غير إجباري، لكن النقاب ليس إجبارياً في أيّ منطقة كانت. باستثناء فترة سيطرة “داعش”.

الكثير من التعليقات تقول: إنَّ الفتيات لا يُصلين ولا يعرفنَ شيئاً عن الإسلام سوى وضعهنَّ للنقاب. وهذا أيضاً تعميم مُجحف بحقّ المرأة نظراً لنسبة المتعلّمات وتهافتهنّ على المعاهد والجامعات رغم ظروفهنّ السيئة جداً مع تكرار عمليات التهجير القسري والنزوح هرباً من القصف، وتجاوز نسبة العائلات دون خط الفقر في الشمال السوري الـ91 في المائة، لكنّهنّ يُصرِرْنَ على التعلُّم ومحاربة الجهل، مقارنةً بنسبة من يضربنَ المثل بهنَّ بالجهل.

مَنْ الجاهل ومن المثقف، وما هو مفهوم حرية الرأي والتعبير والحرية الشخصية؟ نُلاحظ اختلافات في هذه المعايير، والمؤسف أنَّ مدّعي الحرية والليبرالية التي قوامها “حرية التعبير، حرية الدين، الحفاظ على الحقوق المدنية، بالإضافة إلى المساوة بين الجنسين”، عندما يتعلَّق الأمر بالمسلم/ة نجدهم من أكثر الناس قمعاً وتوبيخاً، لتكون الحرية لديهم مقتصرة على غير الملتزمين دينياً، فبازدواجية المعايير، يؤيدون المرأة العارية ويدافعون عن حريتها، ويُحاربون المرأة المتسترة ويمنعون حريتها انتقاصاً من قيمتها الإنسانية، فيتبعون سياسة الإقصاء والاستهزاء لمن لا يوافق أهواءهم، بالمقابل يلهثون وراء أيّ شخص مهما كان دينه وجنسيته وسياسته يرون فيه ملاذاً أو داعماً لهم.

أيضاً أودُّ التطرّق إلى من يدّعي عدم فرض الحجاب على المرأة وأنَّ النقاب ليس من الإسلام، ومن التعليقات لإحدى النساء ادّعت تحريم الإسلام للنقاب. أقول: المسلم/ة يعلم تماماً أنَّ الحجاب فرض على الفتاة عند سن البلوغ، مثل فرض الصلاة، وللجميع حرية الالتزام أو عدمه بأيّ فريضة كانت، ويحتجّ من يرى عدم فرضيته بأنَّه عادة جرت عبر الزمن وليس عبادة. لكن في النقاب الحكم بعدم وجوبه وجواز كشف الوجه والكفين من المرأة المسلمة أمام الرجل الأجنبي غير المحرم لها، هو قول جمهور فقهاء الأئمة، منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا. بينما هو واجب وفقاً لفقهاء المذاهب الأربعة “عند خوف الفتنة وفساد الزمن”. مع التأكيد على أنَّ النصوص الواردة في حكم الحجاب، ظنية الدلالة وتحتمل الخلاف ولا ينكر على المخالف.

لغوياً المعنى من الحجاب: المشتق من فعل حجب هو الستر، وهو الساتر المادي غير مرتبط باللباس ممكن أن يكون باباً أو ستارة، “وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن” [الأحزاب:53]. والخمار: هو الذي يغطي الشعر والرقبة والصدر، “ولا يُبْدينَ زينتَهُنَّ إلَّا ما ظهرَ منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن” [النور:31].  بينما النقاب: هو القناع الذي يغطّي الوجه كاملاً أو يظهر منه العينان. ويُقال: كشف النّقاب عن كذا، أيّ: أبرزه وأظهر خفاياه. أمّا الجلباب: هو الذي يغطّي جسد المرأة ومتعارف عليه باسم عباءة ومانطو. “يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُل لِّأَزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ” [الأحزاب:59].

أخيراً.. هل سيكفُّ معادو حقوق المسلمين/ات، عن شيطنة المسلمين وإظهارهم على أنَّهم متخلفّون جاهلون؟، وهل ستنتهي صراعات السوشيل ميديا؟ بالطبع لا. فكيف للمسلمين/ات أن يدافعوا عن حقوقهم المشروعة ومنها اللباس وممارسة الطقوس الدينية، رغم أنَّهم يُصفقون لأيّ لباس وطقوس أخرى حتى لو كانت في قبيلة بجزيرة نائية.. يكون الدفاع بالتأكيد والإصرار على أنَّها حقوق مشروعة بالدليل القاطع والكلمات الدامغة بعيداً عن الكلمات النابية، فصاحب الحقّ سلطان.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل