تنذر المواجهات المحدودة التي شهدتها مدينة البصرة جنوبي العراق، ليل الأربعاء، بين عناصر من ميليشيات سرايا السلام وعصائب أهل الحق بمزيد من التصعيد بين الطرفين، الذين انخرطا في “حرب غير معلنة” خلال السنوات الماضية عبر موجة اغتيالات متبادلة.
ولعدة ساعات اندلعت اشتباكات بين عناصر سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من جهة، وعناصر ميليشيا عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، بعد مقتل عنصرين من سرايا السلام.
وحاولت السلطات الأمنية العراقية التهدئة عبر نشرها بيانا، الأربعاء، قالت فيه إن ما جرى “هو عبارة عن وجود حادث جريمة قتل في مركز المحافظة وإصابة آخر”.
وأضافت، في بيان نشرته خلية الإعلام الأمني، أن “القوات الأمنية ألقت القبض على عدد من المشتبه بهم وتقوم بواجباتها والتحقيق في هذا الحادث”، مشيرة إلى أن “الأوضاع الأمنية مسيطر عليها.. وهناك هدوء أمني وانتشار تام للقوات الأمنية في المحافظة”.
الموقف “سيئ وقد يتصاعد”
لكن مصدرا أمنيا أبلغ وكالة فرانس برس أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل أربعة مقاتلين، اثنان من “سرايا السلام” ومثلهما من “عصائب أهل الحق”.
وقال المصدر، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إن عنصرين من سرايا السلام قُتلا على أيدي عصائب أهل الحق، ما أدى إلى اندلاع مواجهات.
وأضاف أن السيارة التي كان يستقلها عنصران من سرايا السلام، استُهدفت فيما كانا يتجولان على مقربة من مقر عصائب أهل الحق، أحد الفصائل الأكثر نفوذا في قوات الحشد الشعبي التي تشكل جزءا من القوات العراقية الحكومية.
وأوضح أن مواجهات اندلعت بين الفصيلين وأدت إلى مقتل عنصرين من عصائب أهل الحق.
وصباح الخميس، أكد محافظ البصرة، أسعد العيداني، في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن “الوضع في محافظة البصرة تحت السيطرة وآمن، والقوات الأمنية منتشرة”.
في المقابل نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمني، طلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مصرحا له الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، قوله إن الموقف الأمني في البصرة سيئ وقد يتصاعد.
وذكرت رويترز أن مسلحين هاجموا صباح الخميس بنايات حكومية في البصرة، حيث توجد قوات أمنية وجماعات شبه عسكرية لها صلات بإيران.
وأضافت أن المسؤولين لم يتمكنوا من التعرف بعد على المسلحين الذين أطلقوا النار على المباني الحكومية، لكنهم قالوا إنهم يعتقدون أنهم من أنصار الصدر.
“خنجر في خاصرة الصدر”
وتنذر أحداث البصرة بمزيد من التصعيد بين الطرفين، اللذين تربطهما عداوة متأصلة منذ عدة سنوات، حيث استنكر صالح محمد العراقي المقرب من الصدر، بشدة مقتل عنصرين من سرايا السلام وشن هجوما علنيا غير مسبوق ضد زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.
ونشر العراقي تغريدة على تويتر قال فيها “أحذرك يا قيس، إذا لم تكبح جماح مليشياتك الوقحة، وإذا لم تتبرأ من القتلة والمجرمين التابعين لك أو تثبت أنهم لا ينتمون إليك، فأنت أيضا وقح”.
ورد قيس الخزعلي على نفس المنصة مطالبا أنصاره بغلق مكاتب “عصائب أهل الحق”، وعدم الرد على “الإساءات” التي توجه إليه بهدف تجنب تصعيد العنف.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية، هيثم الهيتي، إن “الطرفين على عداء عميق منذ سنوات، وإن كان هذا العداء صامتا، لكنه اليوم بات علنيا”.
ويضيف الهيتي، لموقع “الحرة”، أن “الصراع بين الصدريين وعصائب أهل الحق ربما يتحول لحرب صامتة مجددا، لكنه لن ينتهي أبدا لصعوبة بناء صلة وتواصل بين الطرفين”.
ويرى الهيتي أن “حركة الخزعلي تمثل خنجرا في خاصرة الصدر، لعدة أسباب منها، أن زعيم العصائب لا يمتلك تاريخا دينيا أو سياسيا أو عائليا مثل الصدر وإنما هو كان أحد أتباع الصدر البسطاء ومن ثم انشق من داخل التيار الصدري لتشكيل مجموعة مسلحة معادية لتوجهات الصدر”.
ويقول الهيتي إن هذه الخطوة كانت “أشبه بالخيانة للعائلة الصدرية والتيار بشكل عام كما يعتقد الصدر”.
ويبين الهيتي أن “التيار الصدري هو تيار اجتماعي ولديه علاقات وثيقة مع تيارات من طوائف أخرى مثل السنة والكرد وعانى ما عانى من النظام السابق، بالمقابل الخزعلي كمجموعة نفذت عمليات قتل على أساس طائفي مما ساهم بتشويه صورة التيار الصدري وبث الخلاف بينه وبين المجموعات الأخرى”.
واعتبر الصدريون هذه التحركات “طعنة في الظهر” لتيارهم الذي يقدم نفسه كمجموعة بتوجهات وطنية عراقية قبل أن تكون مجموعة شيعية، وفقا للهيتي.
وكان الخزعلي، المولود في عام 1974 بمدينة الصدر الفقيرة في بغداد، متحدثا باسم الصدر، لكنه انشق عن جيش المهدي (سرايا السلام حاليا) في أواخر عام 2005 ليشكل ميليشيا عصائب الحق.
ونفى الخزعلي مرارا تورط جماعته في الاقتتال الطائفي الذي أودى بحياة الآلاف في عامي 2006 و2007.
لكن الصدر كان قد أشار، في رد نشر على موقعه على الإنترنت في 2012 على سؤال بشأن التكهنات الخاصة بانضمام عصائب الحق إلى الحكومة، أن “أياديهم جميعا مخضبة بدماء العراقيين ويجب تحميلهم المسؤولية واستئصال شأفتهم”.
ومنذ انفصال الخزعلي، الذي كان دائم الظهور خلف مقتدى الصدر، بدأ زعيم التيار الصدري بتوجيه نقد لاذع للفصائل الشيعية المسلحة المقربة من إيران، وأطلق عليها مرارا وصف “الميليشيات الوقحة” في إشارة إلى ميليشيا “عصائب أهل الحق”.
وفي ديسمبر 2017، ظهر الخزعلي في لقطات تلفزيونية وهو يستهزئ بتوصيفات الصدر، وقال “نعم نحن الميليشيات الوقحة، لكن وقاحتنا مع الحق ضد الباطل”.
وترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، لهيب هيجل، أن “عمليات القتل الانتقامية والاشتباكات التي وقعت في مدينة البصرة الجنوبية هي استمرار لما حدث في بغداد، لكنها أيضا مؤشر على صراع شخصي” بالمقام الأول.
وتضيف هيجل، في تغريدة على تويتر، أن محافظة ميسان، على سبيل المثال، شهدت بعد الانتخابات الماضية التي جرت في أكتوبر، اغتيالات متبادلة بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق.
الجنوب ساحة للاغتيالات المتبادلة
ويشهد العراق منذ عدة أشهر، عقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في أكتوبر، توترات سياسية حادة رافقتها أعمال عنف.
وزادت تصفية الحسابات السياسية الوضع تعقيدا في بلد ترتبط فيه غالبية التيارات السياسية بفصائل مسلحة. ففي يناير الماضي، عثر على قيادي في التيار الصدري مقتولا.
وتعرض في الشهر التالي حسام العلياوي، وهو مسؤول في الشرطة، للاغتيال. وقتل قبل ذلك شقيقاه في العام 2019، أحدهما قيادي في عصائب أهل الحق.
وإثر ذلك، دعا الخزعلي، في تغريدة، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى “إعلان البراءة من هؤلاء القتلة”.
ودعا الصدر إلى وقف العنف ووجه بتشكيل لجنة من قياديي تياره للتفاوض مع أطراف من عصائب أهل الحق لإعادة الهدوء.
ويرفض المحلل السياسي عدنان السراج فكرة ربط ما جرى بالبصرة وبين الأحداث والاشتباكات التي شهدتها المنطقة الخضراء ببغداد قبل ذلك بيومين.
ويقول السراج، لموقع “الحرة”، إن “هناك فارق كبير بين ما حصل في بغداد وما جرى في البصرة، الأولى كانت محاولة من قبل سرايا السلام للسيطرة على الخضراء على خلفية صراع سياسي، بينما في البصرة الحادث جنائي”.
ويضيف السراج أن “الأمر تطور بعد ذلك لتصادم بين سرايا السلام والعصائب في منطقة محدودة تم تطويقها بشكل سريع”.
يبين السراج أن “الصراع بين الطرفين سياسي، وهو ليس بجديد”، مضيفا “نحتاج لضبط النفس وعدم الإنجرار للتصعيد، وهو ما يحاول الخزعلي القيام به عندما أمر بغلق مكاتب عصائب أهل الحق”.
ويؤكد السراج أن “جميع القوى السياسية، بما فيها قوى الإطار التنسيقي، لا تريد التصعيد في المرحلة الحالية، والتيار الصدري أيضا يجب أن يخطو نفس الخطوة لإن الوضع حساس”.
ويحذر السراج من أن جنوب العراق “منطقة حساسة وبؤرة ملتهبة وهناك أطراف عدة إقليمية وداخلية لن تسمح بتحولها إلى ساحة صراع، منها المرجعية الدينية في النجف والقوى العشائرية إضافة لإيران التي تعتبر المنطقة الجنوبية عمقا استراتيجيا لها”.
لكن الهيتي يبدو أكثر تشاؤما إذ يرجح أن الصراع بين الصدر والخزعلي متجه نحو ما وصفه بعمليات “القتل الناعم”.
ويتوقع الهيتي استمرار عمليات القتل والانتقام بين الطرفين على الرغم من استبعاده تحولها لمواجهة مباشرة ومفتوحة.
ويختتم بالقول “الفترة المقبلة ستشهد المزيد من عمليات الصراع الناعم ولفترة طويلة، وقد يعاني الجنوب من وضع صعب وقد نواجه أزمات فيما يتعلق بتصدير النفط”.
عذراً التعليقات مغلقة