أكدت الجزائر أن دعمها لعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية لن يكون على حساب التوافق العربي الذي ترغب في تحقيق الحد الممكن منه خلال القمة التي تستضيفها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
هذا الموقف جاء على لسان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ليحسم الجدل الذي رافق زيارة وزير خارجية بلاده رمطان لعمامرة إلى دمشق في 25 يوليو/تموز الماضي.
وجدد تبون، في حوار تلفزيوني مع وسائل إعلام محلية بُث الأحد، تأكيده أحقية سوريا في مقعدها بالجامعة باعتبارها “عضوا مؤسسا للهيئة”، لكنه كشف أن القرار النهائي بشأن رجوعها من عدمه لم يُحسم بعد.
وحظيت زيارة لعمامرة إلى سوريا، ضمن جولة قادته أيضا إلى العراق، بتأويلات عديدة تتعلق تحديدا بخلفيات ثبات الجزائر على موقفها المؤيد لنظام الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
وفي مارس/ آذار 2011 اندلت في سوريا احتجاجات شعبية مناهضة لبشار الأسد طالبت بتداول سلمي للسلطة، لكنه لجأ إلى الخيار العسكري لقمعها ما زج بالبلاد في حرب مدمرة.
** لمّ الشمل العربي
وحين زار العاصمة السورية، التقى لعمامرة مع نظيره فيصل المقداد، ونقل بعدها رسالة خطية من تبون إلى الأسد الذي استقبله في قصر الرئاسة.
وزار لعمامرة العراق وسوريا حاملا صفة “المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية الجزائرية”، بهدف “تعزيز التعاون الثنائي ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك خاصة القمة العربية المقبلة”، بحسب بيانات للخارجية الجزائرية.
فيما نقلت الإذاعة الرسمية الجزائرية عن نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والسياسية والأمن القومي في البرلمان العربي عبد الكريم قريشي (جزائري) قوله إن “التحركات الدبلوماسية الجزائرية من خلال زيارات الرئيس تبون أو زير خارجيته إلى الدول العربية تستهدف غاية واحدة هي لمّ الشمل العربي”.
وأضاف قريشي الأسبوع الماضي أن “العالم العربي يعيش حالة تشرذم تجعله عاجزا أمام التهديدات الدولية، بينما يفترض به مواجهتها بتحالفات مثلما هو حال الاتحاد الأوروبي”.
وتعتبر زيارة لعمامرة ثاني زيارة لمسؤول جزائري رفيع المستوى إلى دمشق منذ اندلاع الأزمة السورية قبل 11 عاما.
وتبادل البلدان زيارات في 2016، حين حّل وزير خارجية نظام الأسد آنذاك وليد المعلم بالجزائر، في مارس/ آذار، ليزور بعدها وزير الخارجية الجزائري حينها عبد القادر مساهل سوريا في أبريل/نيسان.
ومن دمشق، صرح مساهل يومها بأنه بلاده “تدعم الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب، حفاظا على استقرار وأمن سوريا ووحدة وتماسك شعبها”.
وآنذاك، كانت الأزمة السورية تمر بأحلك فتراتها، حين بلغ العنف والتقتيل مستوى مروعا.
وقبل ذلك، تحفظت الجزائر في 2011 على قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.
وأبقت الجزائر على علاقاتها القوية مع نظام الأسد حتى اليوم، عكس كثير من الدول العربية التي وصلت إلى حد قطع علاقاتها نهائيا مع دمشق، بسبب ما تعتبره “جرائم” يرتكبها نظام الأسد ضد المدنيين السوريين.
ومن أبرز مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية رفض تغيير الأنظمة بالوسائل غير الدستورية.
وقال المحلل السياسي خلف الله إسماعيل للأناضول إن موقف الجزائر من الأزمة السورية “كان واضحا وصريحا منذ البداية وظل ثابتا إلى غاية اليوم”.
وأضاف أن الجزائر تتطلع إلى عقد قمة عربية “ناجحة” وليس قمة “شكلية”، وذلك لن “يكون إلا بتوحيد الصف العربي”.
وتابع: الجزائر تعتقد أن التحديات التي يشهدها العالم حاليا وبتباعتها الخطيرة على العالم العربي، “لا يمكن مواجهتها إلا بلمّ الشمل العربي، من هذا المنطلق تريد عودة سوريا على الجامعة العربية”.
** انقسام وبدايات تطبيع
زيارة لعمامرة لدمشق أثارت آنذاك غضب المعارضة السورية، التي جددت الإعراب أسفها على احتفاظ الجزائر بعلاقات جيدة مع نظام الأسد، وعبَّرت عن رفضها محاولات إعادة هذا النظام إلى الجامعة العربية، بحسب ما نقلته وسائل إعلام سورية معارضة.
وجدد لعمامرة من دمشق التذكير بموقف بلاده الداعم لعودة سوريا إلى “الحضن العربي”، لكنه ربط ذلك بحدوث توافق عربي.
وقال في مؤتمر صحفي مع المقداد: “غياب سوريا عن جامعة الدول العربية مُضر بالعمل العربي المشترك”، و”الأمر (العودة) مرتبط بحدوث توافق عربي”.
ومنذ قرابة عام ونصف، ارتبطت مسألة مقعد سوريا في الجامعة العربية بالقمة الحادية والثلاثين التي تحتضنها الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وجرى تناول المقعد السوري في الجامعة على أنه من الملفات الأساسية التي تسبق القمة بل ومن المحددات الرئيسية لنجاحها من عدمه.
وتصطدم رغبة الجزائر بتحفظ دول عربية ورفض أخرى لمنح المقعد إلى النظام السوري برئاسة الأسد.
لكن الفترة الأخيرة شهدت اختراقات لافتة في اتجاه التقارب بين عواصم عربية ودمشق.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، زار وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان سوريا.
وقالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، في تقرير لها نهاية يوليو/ تموز الماضي، إن “البحرين أعادت سفيرها إلى دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2021، وفتحت الأردن حدودها الشمالية مع سوريا بينما أعادت السعودية خيوط التواصل مع الأسد بطريقة غير رسمية، أما مصر فتضاعف جهودها لعودة سوريا إلى الجامعة العربية”.
وأمام حالة الانقسام العربي حيال سوريا، أوضح المحلل الساسي خلف الله إسماعيل أن الجزائر “لا تنكر وجود الأزمة والتمزق بين العديد من العواصم، لكن مقاصدها حل هذه الأزمات”.
** وحدة الصف
تعتقد الجزائر أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية يدخل في إطار تحقيق وحدة الصف العربي، لكنها تدرك أن هذه العودة لن تتم إلا بتقارب الصف العربي.
وفي السياق، قال الرئيس تبون، في مقابلته مع الإعلام المحلي، إن “مقصد الجزائر من احتضان القمة المقبلة هو لمّ الشمل العربي وهي (الجزائر) أولى بلمّ الشمل”.
وأضاف بأن بلاده “لن تقوم بما يؤدي إلى التفرقة بين العرب”، ليؤكد أن عودة سوريا لشغل مقعدها لم تُحسم وقيد التفكير.
وتابع: “السوريون أنفسهم يقولون إنهم لا يريدون أن يكونوا سببا في إذكاء مزيد من الفرقة بين العرب، وأخذوا مهلة للتفكير، وكذلك الدول العربية تفكر ونحن أيضا نفكر”.
وألمح تبون بذلك إلى أنه لا يوجد إصرار من الجانب السوري على العودة إلى الجامعة العربية.
وسبق لبشار الأسد أن تفادى الحديث عن رغبته في العودة إلى الجامعة العربية، وقال في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” (رسمية) في يونيو/ حزيران الماضي إن “أهم ما في القمة العربية المقبلة هو أنها ستقام في الجزائر”.
عذراً التعليقات مغلقة