عائشة صبري
رهف، تُواجه خطر التشرّد بعد إمهال صاحبة المنزل لها بإخلائه خلال مدة عشرة أيام رغم دفعها للزيادة المطلوبة، وهي واحدة من آلاف النساء السوريّات اللواتي يتعرضن لمواقف عنصرية في بلد اللجوء تركيا نتيجة الشائعات التي يتداولها الأتراك بحقّ اللاجئين السوريين.
تقيم رهف أم محمد (33 عاماً) المنحدرة من محافظة دمشق في إحدى ضواحي مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، قادمة كـ لاجئة من ريف حلب الشمالي حيث كانت تملك منزلاً في مدينة حريتان مكان إقامة زوجها، واليوم أمهلتها صاحبة المنزل التي تنتمي إلى “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، عشرة أيام لنهاية حزيران/يونيو الفائت، بأن تخلي المنزل وإن لم تنفذ فستقوم برميها في الشارع.
وتقول رهف لصحيفة “صدى الشام”: “أصابني مرض رهاب وأتلقى جلسات نفسية للعلاج منه، نتيجة المواقف العنصرية التي تعرّضت لها، وكان آخرها عندما زارتني صاحبة المنزل وصرخت بوجهي مهدّدة بطردي من المنزل إن لم أخرج بالوقت المحدد رغم دفعنا لزيادة 300 ليرة وأصبح الإيجار الشهري 1100 ليرة تركية، وذلك بذريعة أنَّ ابنها ذهب للقتال في سوريا ونحن نسكن في بلدهم، وفي حال طردتنا ولم نجد منزلاً سأقوم بتصوير أثاث منزلي في الشارع وأنشر الفيديو عسى أحد ينظر لحالتنا، وعندي رغبة بالتوجه إلى غرفة الحماية التابعة لدائرة الهجرة، لكن أخاف من أن تكون النتيجة عكسية ويتم ترحيلي إلى سوريا”.
ورغم أنَّ المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تؤكد على أنَّ لكلّ إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاً أو موضوعاً تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعاً لأي قيد آخر على سيادته”.
إلا أنَّ الكثير من السوريين يواجهون مصاعب في إيجاد منزل يأوون إليه بعد تدمير منزلهم في سوريا بفعل قصف النظام السوري، وفي هذا الصدد، تؤكد أم محمد، أنَّ رفض بعض الأتراك تأجير منازلهم للبعض بسبب جنسيتهم السورية “أمر محزن جداً”، ومن يقبل بتأجيرهم يطلب ثلاثة أو أربعة أضعاف القيمة، مضيفة: “أنا حامل في الشهر الخامس ولدي توأم (صبي وبنت 13 سنة) وهما متفوقان في المدارس التركية، وأجريت عملية جراحية بالظهر بسبب انزلاق فقرات نتيجة حادث سيارة منذ خمس سنوات”.
وتشير رهف إلى توقفها عن العمل منذ ثلاثة أشهر حيث كانت تساعد زوجها كعاملة استقبال في فندق، وهي تجيد اللغة التركية، ومن المواقف العنصرية، تذكر: “كان معي موظف من الحزب المعارض يضايقني بكلامه عبر لماذا أنت هنا اذهبي لبلدك!، وأنا كنت أبكي ورغم محاولتي إقناعه بأني مجبورة لكنه لا يفهم عليي”، مضيفة: “في إحدى المرات التي ذهبت فيها إلى مستوصف لمراجعة الحمل، استوقفتني عند خروجي سيّدة تركية، وقالت لي: الدولة تنظر للسوريين أكثر مننا وحاولت التهجم علي، وعندما هدّدتها بالشرطة ذهبت لكن لم يذهب موقفها المسيء من ذاكرتي”.
من المواقف أيضاً، تذكر رهف: “عندما أصعد لحافلة ينظرون لي نظرات غريبة، ودائماً يتردد على لسانهم أنتم هنا وأولادنا يقتلون في سوريا، وأصبحت لا أجلس في الحافلة أقف بجانب النافذة، وإذ بسيدة تقول لي لماذا أنت حامل وواقفة لماذا لا تذهبين بلدك، فتجاهلتها كوني لم أعد أرغب بالحديث والرد، فبعد أن كنت أحبّ الأتراك أصبحت انطوائية لا أرغب بالاقتراب أبداً بسبب مواقفهم العنصرية التي يمكن أن يتجاهلها البعض، لكن هناك أناس لديهم أمراض لا يتحملون المضايقات، وتختم بالقول: “أحاول الخروج من تركيا بأيّ وسيلة”. حسب قولها.
ووفقاً للمادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنَّ “جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”.
لكن لا يرى السوريون هذا التعامل من بعض الأتراك الذين يعاملونهم على أنَّهم “حمل ثقيل عليهم” رغم أنَّ السوريين من أكثر الأجانب في تركيا عملاً وتطبيقاً للقوانين، ومن أكثر الشائعات تداولاً هي أنَّ “السوري يدخل المستشفى دون موعد مسبق ويتلقى علاجه على حساب الدولة التركية“.
وعن هذا تقول أمينة إسماعيل: “منذ فترة ستة أشهر كان عندي معاينة صحية وطلب مني الطبيب إجراء صورة إيكو ملون قبل عملية تنظير معدة، فأخذت دوراً في مستشفى بشاك شهير بمدينة إسطنبول، فكان موعدي بعد أسبوع من قطع الموعد، وكانت أخرى تركية تقطع موعداً لإجراء تصوير مختلف عن تصويري، فأعطيت موعداً بعد أسبوعين، ما أثار غضبها وصرخت في وجه الموظفة قائلة: إنَّ (السوريين يأخذون دورنا ويتعالجون مجاناً)”.
وتضيف أمينة لـ”صدى الشام”، أنَّ الموظفة أخبرتها بأنَّ تصويريها مختلف عن السورية، لكن التركية العنصرية التفتت إلي وقالت لي: “قدمتم إلى بلدنا وتعيشون من أكتافنا وتأخذون راتباً شهرياً قدره 1500 دولار، وتتعالجون مجاناً”، فأخبرتها بأن العلاج للسوريين من الأمم المتحدة وليس من الحكومة التركية، وأنا تصويري إيكو بطن بينما أنت ماموغرافي للثدي، لكنّها استمرت بالصراخ. وفق وصفها.
وفي هذا الصدد، أوضح وزير الصحة التركي، فخر الدين كوجا، في حسابه على تويتر في 24 آذار/مارس الفائت، أنَّ تصريحاته حول افتتاح 185 مركزاً صحياً للاجئين السوريين في 29 ولاية، وتوظيف ما يقرب من أربعة آلاف سوري في الرعاية الصحية، قد حُرّفت عن جوهرها من قبل بعض الأتراك، مؤكداً أنَّ تنفيذ هذا المشروع الإنساني، في إطار اتفاقية المنحة المباشرة الموقعة بين وفد مفوضية الاتحاد الأوروبي في تركيا ووزارة الصحة التركية، وهو مشروع مستمر منذ عام 2017.
من مخاطر الشائعات.. الترحيل إلى سوريا
تنصّ المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على بندين: “1. لكلّ فرد حقّ التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد. 2. لا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها”.
وفي تركيا، يواجه سوريون مخاطر الترحيل إلى بلادهم لعدة أسباب، وأهمها هو عدم احتيازهم لبطاقة كملك أو تواجدهم بولاية تختلف عن الولاية الصادرة عنها البطاقة، وبدأت إجراءات ضبط حالة اللجوء تأخذ مساراً أكثر فعالية وجدّية مع بداية حزيران/يونيو الجاري.
وكانت تركيا شهدت ترحيل عدد من السوريين، بعد حملة كبيرة لفاكهة الموز على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية انتقاد سوريين لكلام امرأة ورجل أتراك ظهرا في تسجيل مصوّر بمدينة إسطنبول في 17 / 10 / 2021 يصرخان على شابة سورية بقولهما: “أنتم السوريون تشترون الموز بالكيلوغرامات بينما نحن لا نستطيع شرائه، ونساؤكم لا يخرجون من محلات تصفيف الشعر، فلترحلوا من بلادنا”، وبعد انتشار مقاطع ساخرة لسوريين ينتقدون هذه الشائعات، قرّرت دائرة الهجرة ترحيل عدد منهم إلى سوريا، ومن بينهم الصحفي ماجد شمعة.
ويقول ماجد شمعة لصحيفة “صدى الشام”: “لا يخفى على أحد الهجمة العنصرية الكبيرة التي قامت بها المعارضة التركية لاتخاذها ورقة ضد الحكومة من أجل مكاسب في السلطة، خاصة أنَّ المعارضة استغلّت موضوع الموز، ما أحرج الحكومة ودفعها لقرار ترحيل سوريين شاركوا بترند الموز، وبعد تصويري لاستطلاع رأي عبر برنامجي في قناة أورينت حول الموز جاءت الشرطة إلى منزلي في إسطنبول”.
ويتابع: “بعد كتابة إفادتي، عُرضت في اليوم التالي على القاضي الذي حكم ببراءتي، ثم نقلتني إدارة الهجرة إلى المخفر ثم إلى سجن توزلا الواقع بالقسم الآسيوي في إسطنبول، ثم نُقلتُ إلى مركز الترحيل في غازي عنتاب، وفيه أرادوا توقيعي على ورقة العودة الطوعية، فرفضت كوني مهدّد بالاعتقال من نظام الأسد أو حتى من الفصائل التي انتقدتها في فيديوهات سابقة، فتم إجباري على التوقيع من قبل خمسة عناصر، وبعد تسعة أيام تم الإفراج عني في 08 /11 / 2021 بعد الحملة الإعلامية والشعبية تحت وسم (لا لترحيل ماجد شمعة)، وأنا مَدين لكلّ من أنقذني بصوته”. لافتاً إلى تجريده من بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) بعد خروجه من السجن، حيت يتطلّب منه التوقيع في توزلا كل شهر مرة كي يحصل على كملك جديد ما اضطره لتحريك ملفه في السفارة الفرنسية، والذي تقدّم به قبل ثلاث سنوات.
وحول أسباب الشائعات، يوضح شمعة، أنَّ الكثير من الأطراف لديهم مصلحة بتأجيج الفتنة بين الشعبين التركي والسوري، وأولهم النظام السوري الذي يريد عودة اللاجئين إلى سوريا، وذلك بتحريض من المعارضة التركية، مضيفاً: “يتوجب على الحكومة التركية تبيان الحقيقة للشعب التركي لتخفيف حالات العنصرية التي تؤدي لاعتداءات وجرائم قتل، ورسالتي للحكومة بالتخفيف من الترحيل القسري فظروف قاهرة يعيشها السوري، وأطالب بملاحقة ومحاسبة العنصريين سواء سوريين أو أتراك”.
استطلاع رأي حول الشائعات في تركيا
أجرت “صدى الشام” استطلاع رأي حول تعرّض اللاجئين السوريين لموقف مسيء بسبب شائعات تداولها أتراك، ومن أبرزها “أخذ السوريين لحقوق الأتراك، في الخدمات الصحية وفرص العمل، وأنَّ الحكومة تُعطيهم رواتب شهرية وتدفع لهم الفواتير”، وشمل عينة من ألف و36 مشاركاً، حيث أكد 80 في المئة (837 شخصاً) من المصوّتين على الاستطلاع تعرّضهم لمواقف عنصرية بسبب شائعات ضدّهم، وصوّت 20 في المئة (199 شخصاً) على أنَّهم لم يتعرّضوا لشيء من هذا القبيل.
وفي استبيان آخر، شمل 70 سورياً في تركيا، صوّت 80 في المئة بينهم 34 في المئة إناث، أنَّهم تعرضوا لموقف مسيء بسبب شائعة متداولة، فيما صوّت 20 في المئة أنَّهم لم يتعرضوا لذلك، (7 % منهم أجابوا “ربما” لم يتعرضوا)، في حين أكد 94 في المئة من المشاركين بالاستبيان أنَّ نشر الشائعات التي تُحرّض على خطاب الكراهية تستوجب التجريم في القانون، كما يؤكد 95 في المئة منهم أنَّ نشر خطاب الكراهية لا يدخل ضمن حرية الرأي والتعبير.
ويرى بعض السوريين الذي شاركوا بالاستطلاع، أنَّ هناك سوريين حصلوا على الجنسية التركية، يعادون وجود السوريين بتركيا، وأحدهم يقوم بحملة لترحيل السوريين من تركيا، ويعتقد الأتراك أنَّ الحرب انتهت في سوريا ما يعني عودة السوريين دون أن يدركوا تفاصيل وحساسية مقاربة النظام مع الشعب السوري واعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم في السجون.
وذكر البعض محاولاتهم بإقناع الأتراك الذين يتهمونهم بأخذ راتب بأنَّ السوري لا يتقاضى سوى مبلغ 155 ليرة تركية من الأمم المتحدة وفق شروط ومعايير محدّدة لا تنطبق على جميع العائلات السورية، لكن الطرف العنصري لا يقتنع ويعتقد بأنَّ هذا الراتب من الحكومة ويستمر بالصراخ على السوري حتى يذهب من أمامه.
فيما يُحاول آخرون الردّ على الشائعات بالسخرية منها، ويقول أحدهم عندما يسألني الأتراك عن راتبي أجيبهم تهكماً على الكلام، بأنَّ “كل سوري يتقاضى 350 يورو والمبلغ بالأصل 500 لكن الحكومة التركية تأخذ 150 يورو”، وذكر آخر أنَّ أتراك يسألونه في أحد المعامل التي يعمل فيها هل تريد العودة إلى سوريا؟، فيجيبهم “لا.. كوني هنا أتمتع في الحياة مجاناً”، وسوري آخر ذهب لصاحب عمل فرفض توظيفه بحجة أنَّه يتقاضى راتباً من الحكومة، فردّ عليه متهكماً بأنَّه “يريد التسلية في العمل”.
وعن شائعة دفع الفواتير، يقول عبد الله أحد المشاركين باستطلاع الرأي: “استوقفتني إحدى جاراتي التركيات وأنا على باب المبنى الذي أقطن فيه منذ أربع سنوات، وكنت أسحب ورقة فاتورة الكهرباء التي يضعها حارس المبنى، وسألتني متفاجئة هل أنت تدفع الفواتير مثلنا، قلت لها نعم، فأجابتني لا بل الحكومة تدفع لكم الفواتير، ولم تصدق حتى ذهبت معي إلى مركز الدفع ورأت كيف دفعت الفاتورة”.
وأكد أحد السوريين أنَّه سمع مسنة تركية تقول لأخرى بالترامواي في إسطنبول “السوريين يأخذون رصيد هواتفهم من الدولة مجاناً، ويشير آخر إلى أنَّ تصرفات مسيئة لبعض السوريين في المدارس جعلت الأتراك يأخذون نظرة سلبية تجاه الجميع”.
حلول للحدّ من الشائعات
يؤكد حقوقيون وناشطون سوريون أنَّ الشائعات لا يمكن أن تتوقف أو تخف حدتها إلا حال قام الإعلام التركي والساسة الأتراك بتفنيدها للشعب التركي، ويوضح الناشط أسامة البوشي، لـ”صدى الشام”، أنَّ الإعلام التركي عندما يدحض الشائعات من جهة، ويتحدث عن حقيقة الأوضاع في سوريا من جهة ثانية، سيُغيّر الأتراك من نظرتهم للسوريين على أنَّهم “عالة على المجتمع التركي”.
ويردف: إنَّ تسليط الضوء على ما يعيشه الشعب السوري عبر الإعلام التركي، وأنَّ السوريين صمدوا أمام آلة القتل والحصار الجائر لسنوات، ولم يكن خيار اللجوء في تركيا عن رغبة منهم بل مجبرين للحفاظ على حياتهم، فلم يأتوا للسياحة، ويعمل السوريون ساعات طويلة وبأجر قليل ليحافظوا على كرامتهم، وفئة قليلة منهم تحصل على مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي عبر الهلال الأحمر التركي وهي لا تكفيهم مقابل ارتفاع الأسعار المتواصل.
ويلفت البوشي، إلى أنَّ الحدّ من الشائعات يتطلب شرحاً مقنعاً من الإعلام التركي كي يتم إهمال تلك الشائعات، إضافة إلى إنشاء إعلام سوري ناطق باللغة التركية، وحراك على مستوى المؤسسات والمنظمات، وعلى سبيل المثال حالة اللجوء خلال حرب أذربيجان، رحب الشعب التركي بالأذربيجانيين، ليس لأنَّهم يحملون ذات العرق القومي، وذات اللغة فتركمان سوريا أيضاً يحملون ذات الدم واللغة، لكن الأتراك مطلعين على ما عاشه الشعب الأذربيجاني وهذا ما عزّز لديهم حُبَّ استقبالهم.
من جهته، الباحث السياسي التركي، طه عودة أوغلو، يقول لـ”صدى الشام”: إنَّ معلومات مغلوطة ضد السوريين وصلت إلى الإعلام التركي خلال السنوات الماضية، وهذا الإعلام لعب دوراً كبيراً خاصة فيما يتعلّق بمحاولات التحريض والعنصرية ضد السوريين لا سيما في إسطنبول ومدن أخرى.
ويشير عودة أوغلو، إلى أنَّ الحكومة التركية لها دور كبير في تفنيد الشائعات خاصة فيما يتعلق بالأحزاب المعارضة التي قامت بتوظيف ملف اللاجئين السوريين، ونجحت في انتخابات 2019، في كسب أصوات على حساب السوريين، وكان آخرها تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو ضد العنصريين المطالبين بترحيل السوريين، حيث نقل صوتهم في لقاء تلفزيوني في أيار/مايو الماضي، وانتقد أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر المعارض، واتهم صويلو بعض المسؤولين بالمعارضة بتأليب الشعب التركي ضد السوريين واستخدامهم كورقة لأجل أهداف انتخابية بحتة، كذلك أكد وزير الدفاع خلوصي آكار في أيار/مايو الماضي، أنَّ “الحالة الإنسانية للسوريين لا ينبغي أن تكون موضوع نقاش سياسي، فتركيا عبر التاريخ كانت دائماً مع المظلومين والضحايا”.
وفيما يتعلّق بالإجراءات القانونية حول مخاطر الشائعات على السوريين، يعتقد عودة أوغلو، بأنَّ الحكومة التركية تدخلت بشكل واضح لمنع المحاولات من قبل بعض المتطرفين الأتراك إذ تم سجن بعضهم وتوجيه اتهامات لآخرين، مستدركاً: “لكن المشكلة كبيرة وجاءت بعد تراكمات خلال السنوات الماضية، وهناك ضغوط من قبل المعارضة، ما انعكس على أوضاع السوريين في تركيا، التي تزامنت مع أزمة اقتصادية تمرّ بها البلاد واقتراب موعد الانتخابات، فالسوري هو المتضرر الأكبر من الشائعات”.
في سياق متصل، يقول المنسق العام لطاولة الحلول للاجئين السوريين في تركيا د. مهدي داوود لـ”صدى الشام”: إنَّ الشائعات تبنى على أفكار غير صحيحة، وأمور غير دقيقة، وتخلق حالة من التوتر، وتزيد العدائية داخل الأشخاص، لذلك من الممكن أيّ تصرف بسيط يكون في الحالة العادية لا يُعطيه أيّ طرف أهمية نجد له ردة فعل غير متوقعة في حالة الاحتقان الداخلي، وهذا ما يحصل في تركيا.
ويتابع داوود: من الواجب على الطرفين سواء ناشطين سوريين أو أتراك، تبيان الحقيقة للناس، عبر تسليط الضوء على مواقع التواصل الاجتماعي، فالتصرّفات العنصرية للبعض لا يُمكن تعميمها على 84 مليون تركي بأنَّهم يوافقون عليها، وهناك بعض التصرُّفات لأتراك لديهم أخطاء موجودة مثل أنَّه يمنع شخص سواء سوري أو تركي، من أن يصف سيارته في مكان محدّد، أو أنَّه يقطع الطريق خلال قيادته السيارة.
ووفقاً للمنسق العام، فإنَّ أغلب المواقف العنصرية نجدها ضد الشباب السوري حول العمل والدراسة، فهؤلاء الشبان السوريون يتعرَّضون لحالات تنمر من قبل بعض الأتراك، إضافة إلى الضغوط على العوائل السورية بسبب دراسة أولادهم في المدارس التركية، حيث سُجلت حوادث تنمر لفظي أو اعتداء جسدي على طلاب سوريين نتيجة خطاب الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين.
بدوره، الناشط في قضايا حقوق اللاجئين السوريين في تركيا، طه الغازي، يؤكد لـ”صدى الشام” ازدياد حدّة الشائعات المتعلقة باللاجئين السوريين مع اقتراب فترة الانتخابات الرئاسية لعام 2023، لافتاً إلى أنَّها لم تقتصر على الأحزاب وأطياف المعارضة، بل ترافق معها ادعاءات غير صحيحة من قبل شخصيات في الحكومة التركية.
ويوضح أنَّ الشائعات التي كانت متداولة من قبل المعارضة تتمحور حول تقاضي اللاجئين السوريين راتب شهري من الحكومة التركية جميعهم وليس فقط منحة الهلال الأحمر، ودخول الطالب السوري للجامعة دون خضوعه لامتحان تحديد مستوى، وأيضاً على المستوى الصحي يعتقد أتراك أنَّ السوري لا يأخذ موعد مسبق، ورغم تفنيد الحكومة لها إلا أنَّها في ذات الوقت قدمت “ادعاءات غير منطقية”.
ويضيف الغازي: إنَّ أبرز ادعاءات الحكومة التركية، كانت تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنَّ حكومته أنفقت على اللاجئين السوريين مبلغاً قدره 40 مليار دولار، بينما الاتحاد الأوروبي لم يقدّم للسوريين في تركيا سوى ثلاثة مليارات يورو، وهذا الادعاء كان له تأثير كبير على الشارع التركي، خاصة أنَّ طرحه في نهاية العام 2019 حين بداية أزمة كورونا الاقتصادية. كما صرّح وزير الدفاع خلوصي أكار في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 بأنَّ بلاده تؤمن احتياجات تسعة مليون سوري، أربعة منهم في تركيا وخمسة بالشمال السوري، ما أثار استياء الشعب التركي.
فالشائعات للمعارضة والادعاءات للحكومة، كان لها التأثير الأبرز في تنامي خطاب الكراهية والعنصرية، وبالتالي تصاعدت الاعتداءات العنصرية على السوريين، ما أدى لمقتل عدد منهم وآخرهم في مدينة إسطنبول: سلطان جبنة/ 21 سنة في 14 حزيران/يونيو الماضي، سبقه بأسبوع “شريف الأحمد/ 21 عاماً”، وتعرُّض آخرين لحوادث اعتداء جسدي أو لفظي، آخرها حادثة الاعتداء في مدينة غازي عنتاب على السبعينية ليلى محمد التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي نهاية أيار/مايو الماضي، وبعدها اعتداء على منزل لشبان سوريين طالبهم المهاجمون بمغادرة منطقة بيرم باشا في إسطنبول، إضافة لحوادث تكسير محلات تجارية لبعض السوريين، نتيجة تأثر الشارع التركي بخطاب الساسة الأتراك (معارضة وحكومة).
ويُشدّد الغازي، أنَّه يقع على عاتق كلّ الأطراف في تركيا التوقف عن تقديم هذه الشائعات، فقضية الاكتفاء بالردّ على الآخر لن تجدي نفعاً إلا في حال تحييد ملف اللاجئين السوريين عن الصراعات الداخلية، فالجميع يستغل ملف اللاجئين السوريين الذي كان ومازال “أداة سياسية” للطرفين، لافتاً إلى لقاءات أجراها مع سياسيين أتراك آخرها مع رئيس “حزب المستقبل” أحمد داوود أوغلو الذي أكد على رفضهم خطاب الكراهية والعنصرية الذي يستهدف اللاجئين السوريين، ويعملون على إلزام أحزاب تحالف المعارضة على تحييد ملف اللاجئين السوريين عن ميدان النزاعات والتباينات السياسية، وذكر أوغلو أنَّ ربط ارتفاع التضخم في تركيا والواقع المعيشي لدى المواطن التركي باللاجئين السوريين، “غير منطقي” فاللاجئون السوريون ليسوا عبئاً على الاقتصاد الوطني أو سبباً بما آلت إليه الأمور في البلاد.
ويشير الغازي، إلى أنَّ ما آل إليه واقع اللاجئين السوريين في تركيا من تنامي خطاب الكراهية والعنصرية ضدهم هو بسبب شخصيات وتيارات في تحالف المعارضة التركية التي كانت وما زالت تحرّض على هذا الخطاب وفق منهجية ونسق محدّد، لكن في المقابل الحكومة أيضاً مدانة في هذا المقام، فغياب دور الحكومة في مساءلة ومحاكمة الشخصيات ذات الخطاب العنصري كان دافعاً لتنامي هذا الخطاب وانتقاله في الآونة الأخيرة إلى “خطاب شعبوي”.
ونوّه الغازي، إلى أنَّه شارك خلال شهر حزيران في لقاءات ومؤتمرات عديدة حول تنامي خطاب الكراهية والعنصرية، وكان أبرزها مع البروفيسور محرم قيليج، رئيس هيئة حقوق الإنسان والمساواة التركية “TİHEK” حيث تم التوافق على أحقية أيّ لاجئ سوري في التقدّم بشكوى رسمية في حال تعرضه لأي تصرف عنصري أو سلوك تمييزي من قبل أيّ موظف حكومي في أيّ دائرة رسمية من دوائر الدولة، ويتم تقديم الشكوى من خلال رابطين إلكترونيين.
https://ebasvuru.ombudsman.gov.tr
https://ebasvuru.tihek.gov.tr/Giris.aspx
نستنتج مما سبق، أنَّ المواقف العنصرية في ازدياد، وهناك هوّة كبيرة بين الشعبين التركي والسوري جعلت العنصريين يتمادون في عنصريتهم ضد السوريين، وحتى يتم ردم هذه الهوّة يجب على جميع الأطراف العمل على تفنيد الشائعات ونشر الحقائق. وهذا ما شهدناه بدأ مؤخراً حيث نفى مدير الاندماج والتواصل في رئاسة إدارة الهجرة التركية غوكتشي أوك، القول المتداول حول مجيء الشبان السوريين وعدم حمايتهم لوطنهم، بأنَّه “كلام ليس صحيحاً”.
وقال على قناة (100TV) التركية منتصف أيار/مايو 2022: إنَّ “اللاجئين السوريين يتعيَّن عليهم دفع تكاليف خدمات الرعاية الصحية الثانوية، ولا توجد معاملة خاصة لأيّ شخص، وخدمات الرعاية الصحية الأولية هي التي يتم تنفيذها فقط”. وبيّن أنَّ عدد السوريين المقيمين بموجب إقامة عمل أو سياحة يبلغ مليوناً و414 ألفاً و776 شخصاً، أمَّا السوريون الخاضعون للحماية المؤقتة فعددهم 3 ملايين 762 ألفاً و899 شخصاً، وعدد الخاضعين للحماية الدولية هو 320 ألفاً و68 شخصاً.
كما دفعت حوادث العنصرية منظمات المجتمع المدني السوري، لعقد مؤتمر في إسطنبول للردّ على ما يطولُهم من شائعات، وأوضح بيانهم الذي حمل توقيع أكثر من مئتي جهة سورية، أنَّ “السوريين ملتزمون بسياسة النأي بالنفس تجاه القضايا التركية، ومتمسكون بمطالبهم التي ما زالوا يقدمون التضحيات في سبيلها، مترقبين لحظة تحقيقها ليعودوا إلى بلادهم بمحض إرادتهم”. كذلك، أطلق ناشطون أتراك مناهضون للعنصرية، مبادرة تحت اسم: “نريد أن نعيش سوية” لمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية بمشاركة أعضاء برلمانيين وممثلين منظمات تركية ودولية، وكانت أمام دار الأوبرا في كاديكوي بإسطنبول في 18 حزيران/يونيو 2022.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” “صحفيون من أجل حقوق الإنسان”
Sorry Comments are closed