جنح الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن الدولي لرغبة روسيا بمنع تمديد نقل المساعدات الإنسانية إلى سورية، عبر معبر “باب الهوى” لعام كامل، وانصاع “الأعضاء” لموسكو التي استخدمت الفيتو سابقاً، وقبلوا بالتمديد المشروط لستة أشهر فقط.
ثمة سؤال يتوثب على شفاه السوريين، بل وكل من سمع وعايش مهزلة المشاورات الأممية منذ ثلاثة أيام، للسماح بتقديم الغذاء والدواء لسوريين شردتهم آلة حرب نظام الأسد وروسيا، وأسكنتهم بمخيمات على الحدود السورية التركية: “ترى لماذا ينتظر الأقوياء والمتحضرون الموافقة الروسية، ويخشون حق النقض “الفيتو” بقضية إمداد النازحين السوريين، بإكسير بقائهم على قيد الحياة، في حين لم ينتظر، الأقوياء والمتحضرون، الموافقة الروسية ولم يخشوا الفيتو حينما يمدون أوكرانيا بالغذاء والسلاح لمحاربة روسيا نفسها؟”.
وما العبرة، يتابع المتسائلون، من اشتراط موافقة 9 دول أعضاء بمجلس الأمن على إدخال ما يبقي السوريين أحياء، شريطة عدم اعتراض أي من الدول دائمة العضوية، في الوقت الذي يتسابق فيه الأعضاء الدائمون والمؤقتون لمدّ كييف بصواريخ ومليارات الدولارات.
وهل، يتخوف السوريون، حيث سيلاقي قرار مدهم بالمساعدات الدولية، بعد ستة أشهر، المشاورات والخلافات ذاتها، ليضاف البرد واقتلاع الخيم والغرق بمياه الأمطار إلى جوعهم وقتذاك، على اعتبار انتهاء الرحمة الروسية، التي ستصادف بيناير/كانون الثاني، في عز فصل البرد والأمطار.
قصارى القول: يأتي كلام مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد: “عملنا طوال عطلة نهاية الأسبوع مع أعضاء مجلس الأمن للتوصل إلى حلّ وسط” أوجع من كلام روسيا وخيبة أيرلندا والنرويج، اللذين تقدما بمشروع قرار التمديد لعام كامل، ليثير تتمة تصريح السيدة المندوبة (سنواصل القتال من أجل استمرار التفويض العابر للحدود)، القرف بواقع الازدواجية والاتفاق على إبقاء السوريين ممسوكين من أمعائهم، بعد تحويل قضيتهم، من الحرية والكرامة، إلى الجوع والمساعدات والتسوّل.
بيد أن السؤال هنا، ما هو العذر الذي تتسلح به روسيا الاتحادية، خلال وقوفها الوقح بوجه إيصال الطعام للجياع والدواء للجرحى ومصابي الحرب؟!
تسعى روسيا، بعد ادعائها بوجوب إدخال المساعدات عبر نظام الأسد وإيصالها للمناطق المحررة، عبر “خطوط التماس”، إلى إيجاد شرعية للأسد أولاً، بأنه الرئيس لكامل سورية، وهو المسؤول عن كفاية شعبها، أو توزيع المساعدات وما تجود به المنظمات والمانحون.
وتسعى، بالآن ذاته، لتأمين مورد، يستر عورة من تدعم وقتلت وشردت لبقائه، من خلال سرقة المساعدات وبيع ما يفيض عن إطعام الجيش والمليشيات، بالأسواق للمستهلكين.
وليس ثمة اتهام أو تجن بذلك، فمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) على سبيل الذكر لا الحصر، أكد خلال تقرير أخيراً، أن نظام بشار الأسد يتلاعب بالمساعدات الإنسانية في سورية بشكل متكرر من خلال منعها عن معارضيه ومنحها لآخرين.
وأشار التقرير، بعد استناده لمقابلات ووثائق، أنه بالوقت الذي تساهم الحكومات الغربية المانحة بنحو 2.5 مليار دولار سنويا من المساعدات الإنسانية، تستمر الاحتياجات في الارتفاع.
بالإضافة إلى ذلك، تلاعبت حكومة الأسد بالمساعدات لأكثر من عقد من الزمان، حيث منعت المساعدة عن المعارضين ووجهتها إلى الحلفاء.
وأما عذر روسيا بنقل المساعدات عبر ما يسمى “خطوط التماس”، فرد التقرير- لا المعارضين السوريين- أن المساعدات عبر خطوط الصراع في كل من شمال غرب وشرق سورية، والمعروفة باسم الشحنات العابرة للحدود: “كانت هناك سرقات وتم توزيع المعدات الطبية بشكل عشوائي”، فإلى جانب تحويل طعام الأمم المتحدة إلى جيش النظام السوري، يستفيد الأشخاص المسؤولون مباشرة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
كما، ومن منطلق شاهد من أهلهم، قالت رئيسة بعثة منظمة “أطباء بلا حدود” في سورية، كلير سان فيليبّو، إن آلية عبور المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الخطوط “تواجه قيوداً هائلة طوال فترة النزاع”، مؤكدة أنه “لا يمكن لعبور المساعدات عبر الخطوط أن يحل محل عمليات عبور المساعدات عبر الحدود تحت أي ظرف كان”، محذرة من أن تعطيل إدخال المساعدات “سيفاقم الوضع الإنساني غير المستقر في هذه المنطقة”.
نهاية القول: بدأ ربط جوع السوريين وعلاجهم بقرار العضو الروسي الدائم، منذ عام 2014 عبر ما سميّ “تفويض مجلس الأمن رقم 2585” ليتم استخدام سلاح الطعام والدواء في تموز 2020 وقت استخدمت، روسيا والصين الفيتو، ضد قرار الأمم المتحدة، لتبقيا على إدخال المساعدات من معبر واحد، ليستمر التساهل الأممي أمام روسيا وبحق النازحين السوريين، في تموز 2021، وقت تم التمديد لستة أشهر مشروطة، لنصل إلى ما رأيناه منذ أسبوع، من متاجرة ومشاورات، زادت من يقين السوريين، بأن العالم المتفق على إبقاء نظام الأسد، متفق أيضاً على الاستمرار بإذلالهم، ولو عبر قوتهم، حتى يعودوا صاغرين إلى حضن الأسد.
Sorry Comments are closed