أمام المبنى التاريخي لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وقف سوريون وناشطون يوم الأربعاء 22 حزيران/يونيو في ساحة “السلام”، حاملين صورا لأبنائهم وأحبائهم بعدما فقدوهم تحت التعذيب في سجون النظام السوري إثر مشاركتهم في المظاهرات التي نادت بإسقاط الحكم عام 2011.
كل صورة مرفوعة تحمل وجه معتقل فارق الحياة، تعرّف عليه أقاربه بعد تسريبات صور قيصر، التي وثقت جزءا من واقع السجون السورية وضحايا التعذيب. وتكريما لذكراهم، وُضعت ورود بيضاء إلى جانب كل صورة، وكُتب على كل منها رسائل وجهها الأقارب لأحبائهم المتوفين والمغيبين.
“ابني الحبيب، يا أجمل النعم التي منحني إياها الله. كان قلبي خافتا بعد أن غادرت حاملا معك كل قصصنا. ورغم أن العالم فقد جماله ولمعانه لكني أعدك بأنني لن أستسلم حتى تتحقق العدالة”.
رسالة وجهتها مريم الحلاق إلى ابنها المتوفى في سجون النظام.
نظمت هذه الوقفة جمعيات سورية ومنظمات هولندية، منها رابطة عائلات قيصر ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وPAX وغيرها.. بالتزامن مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، في محاولة للضغط على المجتمع الدولي من أجل تبني آلية لدعم الإفراج عن المعتقلين والبحث عن المفقودين، آملين بتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات المصنفة جرائم ضد الإنسانية. كما شارك في هذه الوقفة عائلات لا تزال تنتظر أخبارا عن أقربائها المغيبين في السجون منذ سنوات عدة.
فرح سعد، اعتقلت على يد السلطات السورية في محافظة اللاذقية، وبقيت في “ظلمة الزنزانة” كما تقول، مدة تسعة أشهر، “فور خروجي من المعتقل هربت إلى الخارج”. وبعد وصولها إلى هولندا أخيرا حصلت على وضعية اللجوء لكن “الجرح لا يزال مفتوحا”، فأخوتها الثلاثة مصطفى وإبراهيم وعبد الله مغيبون قسرا منذ العام 2012. “رغم مرور السنوات لا أزال بانتظارهم، ووالدتي أيضا تنتظرهم.. كلما تحدثت عنهم شعرت وكأن قلبي يبكي”. لكن فرح وبعد وصولها إلى دولة اللجوء لا تزال تواصل نضالها آملة بتحقيق العدالة ولو بعد حين.
ياسمين مشعان، من منظمي الوقفة التضامنية وعضوة في رابطة قيصر، علمت بمقتل أخيها قتيبة في المعتقل بعد أن تعرفت على صورته التي كانت من ضمن تسريبات قيصر. وبعد لجوئها إلى ألمانيا، واصلت القتال من أجل ملف المعتقلين السوريين ودعم عائلات المغيبين، “نأمل اليوم أن تتحرك الدول لمساءلة النظام عن هذه الجرائم المرتكبة بأوامر منه، وكنا أطلقنا ميثاق الحقيقة والعدالة في العام 2021 لوضع خطة لعملية المحاسبة والعدالة”.
يوم الجمعة الماضية 17 حزيران/يونيو، دعت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا إلى إنشاء آلية ذات ولاية دولية، “يجب أن تضمن مشاركة عائلات المفقودين”. لا سيما وأن الكثير من العائلات تقع عرضة للاستغلال والابتزاز من أجل الحصول على معلومات عن أحبائها، وتبحث عنهم في كل مرة تُنشر صور من ضحايا المعتقلات، كما حصل في أيار/مايو الماضي بعد نشر فيديو يوثق ارتكاب النظام السوري مجزرة في حي التضامن الدمشقي.
تقدر الأمم المتحدة أن “ما لا يقل عن 100 ألف شخص في سوريا ضمن عداد المفقودين أو من الذين اختفوا على يد أطراف النزاع – من القوات الحكومية والجهات المسلحة غير التابعة للدولة”. ومنذ العام الماضي طلبت هولندا وكندا على التوالي إجراء مفاوضات رسمية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب لمحاسبة سوريا، من الممكن أن تؤدي إلى دعاوى أمام محكمة العدل الدولية، ما قد يمثل سبيلا جديدا محتملا للمساءلة.
Sorry Comments are closed