يبدو أن الحكومة التركية لن تتنازل عن إنشاء “المنطقة العازلة” التي تمتد على طول 30 كيلو مترا داخل الأراضي السورية بمحاذاة حدودها، والتي أعلن الرئيس التركي أردوعان أنه سيبدأ بعملية عسكرية قريبا لإتمامها.
ومن جديد عند كل تحرك عسكري ميداني في سوريا لأحد الأطراف الفاعلة بالملف السوري، أو إطلاق إي عملية سياسية تحرك المياه الراكدة، نكتشف يوما بعد يوم غياب دورنا كسوريين في إي قراريتخذ، وتحولنا لمشاهدين مترقبين لما ستؤول إليه الأحداث، ولكن هذه الحقيقة التي نعيش نتائجها الكارثية لسنوات على كافة المستويات لا تقودنا لطرح الأسئلة الجوهرية حول مصلحتنا من كل مايحدث في نقاشاتنا التي تتصدرصفحات الفيس بوك، الذي على مايبدو أصبح المنصة الوحيدة التي تجمعنا، وتتيح لنا أن نقيس مجرى النقاش وحدته، وماهو المتفق والمختلف عليه في مأساتنا المستمرة.
ولأن وسائل التواصل الإجتماعي ليست المكان الصحي لخوض هذه التجربة في الإختلاف وتبادل وجهات النظر والتفكيرعميقا بالحلول، نرى النقاشات تذهب بعيدا في تكريس الخلافات العميقة التي لم يتح لنا مجال لحلها وجها لوجه، نتابع ونقرأ آراء عاطفية تارة وأخرى مناطقية وقومية تبعدنا أكثر وأكثر عن فهم مصحلتنا الوطنية في مايحدث على أرضنا.
ونعيش واقع غياب جهة شرعية تمثل مصالحنا على اختلاف توجهاتنا السياسية ومناطقنا وقومياتنا، بحيث لم نعد نتلمس الأساس الذي يجب أن يكون هو السقف الذي نعمل جميعا تحته، والذي يتمحور حول طرح السؤال الجوهري، أين هي مصلحة الشعب السوري؟
وبالعودة للحدث الحالي كمثال والذي لن يكون للأسف الأخير، بات واجب على كل سوري/ة أن نعرف ما هي مصلحة الحكومة التركية في إكمال “المنطقة الآمنة” وماهي مصلحتنا إن وجدت، وفي التفكير عميقا بكل تحرك يحدث يمكننا على الأقل بالتدريج أن نضع خطوطا عريضة للمتفق عليه بيننا، لعل وعسى في قادم الأيام يمكننا أن نؤطر لمجموعة من الثوابت التي تقف سدا منيعا أمام صعود الأفكار العبثية غير الوطنية التي تكرس الخلافات القائمة، والتي لا تصب بالتأكيد في مصلحتنا جميعا بوطن حر وذي سيادة وينعم كل المواطنيين/ات فيه بحقوق عادلة.
يمكننا أن ننطلق من التجربة الحالية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، ونسأل أنفسنا عدة أسئلة حول الواقع الأمني والإقتصادي والإجتماعي للسوريين/ات، في هذه المناطق والتي ستنسحب بالتأكيد على كافة المناطق التي ستضمها تركيا في العملية العسكرية القادمة.
ربما يمكننا أن نتفق على الأقل أن الأغلبية العظمى من السكان خاب أملهم بين المأمول والواقع المعاش، ولا تختلف هذه المناطق بالتجاوزات الأمنية عن غيرها في مناطق النفوذ المختلفة في سوريا، ولا يشعر معظم السكان بالأمان، حتى تحول القائد العسكري”أبوعمشة” لمادة للتندر بين السوريين/ات، ولم تنفع كل محاولات إزاحته عن المشهد نتيجة تجاوزاته الكبيرة هو وعناصره بسبب أساس الولاء الذي بني عليه “الجيش الوطني” للحكومة التركية منذ البداية بديلا عن التحالف الذي يضمن بالحد الأدنى مصالح أهل البلد.
وعند التعمق أكثر بالحياة الإجتماعية وخصوصا في المناطق ذات الأغلبية الكردية كعفرين مثلا، والتي أصبحت ملاذا للمهجرين قسريا من مدن وبلدات سورية كحمص والغوطة ودرعا، لا يمكننا أن نتوقف عن توثيق الانتهاكات التي واجهها أهالي عفرين على يد عناصر الجيش الوطني والتي كرست حالة انقسام واضحة للعيان بين السوريين أنفسهم بحيث تحول المهجر قسريا والهارب من خطر الموت على يد نظام الأسد إلى مغتصب لمنزل وأرض أخيه السوري دون إرادة منه، ولا يمكننا تحميل المدنيين السوريين مسؤولية التغيير الديموغرافي الذي ستتسع رقته عند توسيع الدائرة أكثرعندما نرصد بشكل واضح تململ الشارع التركي من التواجد طويل الآمد للاجئيين السوريين في تركيا، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية أصبحت الحكومة التركية معنية أكثر بتقديم آدلة على جديتها في إعادة السوريين لبلادهم لتقطع الطريق على المعارضة التي جعلت قضية اللاجئين أهم ورقة انتخابية، وكما قال اردوغان وأعلن أكثر من مرة فهو عازم على تهيئة البنية التحتية لإعادة مليون سوري على الأقل، فهو يحتاج لرقعة جغرافية أكبر لجعل هذه الخطة قابلة للتحقيق.
وإن تجاوزنا استخدام اللاجئيين السوريين كورقة ضغط للحصول على مكتسبات خلال السنوات الماضية، لا يمكننا أن نتجاوزتوقيت الإعلان عن العملية العسكرية لصالح إتمام المشروع التركي الذي تعتبره أنقرة مصلحة قومية عليا في الحفاظ على حدودها آمنة بإبعاد خطر الpkk الذي تخوض ضده حربا منذ سنوات طويلة.
ويبدو أن الظروف الدولية الحالية وإنشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية جعلت هذا الهدف قابلا للتحقيق أكثر من ذي قبل من وجهة نظر الحكومة التركية، ولكن هذا الحدث المفاجئ ذاته لم نستطع أن نستفيد منه بسبب انقسامنا وغياب من يمثلنا وفقدان كل أوراق التفاوض مع المجتمع الدولي في تحقيق هدفنا الأسمى بإزاحة الأسد والبدء بانتقال سياسي حقيقي يعيد لنا الأمل برؤية سورية حرة تحتضن جميع أبنائها.
وبالنظرإلى كل المعطيات السابقة هل مازال مقبولا لنا كسوريين الاستمرارفي حالة التشرذم والإقصاء الحالية، على أسس مذهبية اوقومية أومناطقية، هل نملك الترف لتكريس الواقع الحالي ومراقبة كل فئة كيف تحقق أهدافها الآنية الضيقة على حساب شعب كامل؟
قد يتبادر لذهن القارئ أننا بالنهاية لا نملك أي قدرة على رفض أي مشروع قادم وأظن أن أغلب السوريين باتوا على يقين من هذا، وخصوصا بعدما فشلنا بالتخلص من النظام بعد كل هذه التضحيات، ولكننا على الأقل يجب أن نقف عند مسؤوليتنا كجماعات وأفراد ونبدأ بالتفكير يالاتجاه الصحيح الذي يصب في مصلحتنا العليا في وطن واحد يجمعنا، وليس فتات بقع جغرافية تقع تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع القائمة بدعم من دول همها الأول تحقيق أهدافها ومصالحها والتي لا تتفق بالضرورة مع مصالحنا.
ربما لا نملك الكثير لفعله في الوقت الراهن ولكن التحولات التاريخية حولنا علمتنا أن هناك فرصا متاحة لا نعلم متى تأتي، والكارثة الحقيقة تكمن عندما تأتي الفرصة ولا نكون مستعدين لها، لذلك ليس أمامنا طريقا نسلكه سوى لملمة شتاتنا وتكثيف خبراتنا والعمل جميعا لهدف واحد سقفه سوريا للجميع، وحتى نكون قادرين على تحقيق هذا الهدف، يجب أن نسأل أنفسنا في كل موقف أين هي مصلحة سورية وشعبها مما يجري؟؟
Sorry Comments are closed