تقرير: حلب تحت سيطرة نظام الأسد.. دمار ومليشيات في الشوارع

روسيا وإيران لم لهما مصلحة في ابتزاز الميليشيات للسكان وسرقة الممتلكات

فريق التحرير20 مايو 2022آخر تحديث :
عنصر من قوات الأسد على حاجز جبرين في مدينة حلب – حرية برس©

بعد نحو ست سنوات من استعادة نظام الأسد السيطرة على حلب، أضحت المدينة مجرد ظل لما كانت عليه في الماضي. إذ ما تزال عدة أحياء مدمرة جراء قصف الجيش السوري والغارات الجوية الروسية. وتتجول الميليشيات في الشوارع، ويزدهر اقتصاد غير منظم، وبالكاد هناك شيء آخر.

وبحسب تقرير أعدته مجموعة الأزمات الدولية “International Crisis Group”، فإن مدينة حلب تعكس الواقع القاتم لسورية ما بعد الحرب. فقد كانت أكبر مدن البلاد ومحركها الاقتصادي قبل أن يحول قصف المدفعية السورية والغارات الجوية الروسية أحياء كاملة فيها إلى ركام، ويتسبب في تهجير معظم سكانها. لم يعد كثيرون إلى المدينة ولم تتعافَ الشركات والأعمال الأخرى، في الوقت الذي توسع فيه الميليشيات المرتبطة بالنظام السوري حضورها، وتنهب المنازل، وتطلب الرشى وتنخرط في أشكال أخرى من نهب أولئك الذين ظلوا في المدينة.

ويضيف تقرير المجموعة الصادر في 9 أيار مايو، أن نظام بشار الأسد وحلفاؤه لا يفعلون شيئاً يذكر لإنهاض المدينة على قدميها مرة أخرى. ويشعر قادة قطاع الأعمال بالاستياء من الحكم العشوائي للأجهزة الأمنية وعملاء النظام الذين ينشطون في ظلها؛ ويغادر كثيرون مع استمرار مناخ اقتصادي غير صحي. ورغم أن روسيا وإيران لم تظهرا رغبة تذكر حتى الآن في استخدام نفوذهما لمنع الميليشيات غير المنضبطة من ابتزاز السكان وسرقة الممتلكات، فإن لهما مصلحة في فعل ذلك. إذ من شأن تلك الخطوات أن تساعد في إعادة إحياء المدينة.

وأشار التقرير إلى أن النظام تمكن بدعم قوة النيران الجوية الروسية والمشورة والدعم البري الإيرانيين، من إخراج المعارضة المسلحة من حلب في أواخر عام 2016 واستعاد المدينة بأكملها. إلا أن هزيمة المعارضة المسلحة لم تعنِ العودة إلى الاستقرار، ناهيك عن تحقيق الرخاء، لسكان حلب. فما تزال مناطق كبيرة من المدينة مدمرة، وما من دليل يذكر على رؤية منسقة للدولة أو جهد من قبلها لإعادة بنائها، باستثناء إجراء تقدير لعدد المباني المدمرة.

ويؤكد التقرير أن الوضع الأمني ما زال هشاً؛ وتفرض قوات النظام سيطرة رئيسية لكن ليست حصرية على المدينة، بالنظر إلى أن الميلشيات، ورغم تحالفها الاسمي مع النظام، تنخرط في صدامات متفرقة مع جنود النظام ومع بعضها بعضاً وتضايق السكان. وأن المعارضة المسلحة مبعدة، وليس لطرف فاعل أجنبي مصلحة في تجديد التدخل لتحدي النظام، والسكان استنزفتهم وأفقرتهم سنوات الحرب، وهم منشغلون بتلبية احتياجاتهم الأساسية بشكل لا يمكّنهم من الخروج في انتفاضة أخرى. علاوة على ذلك، فإن معظم سكان المدينة الذين هُجِّروا إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو إلى الخارج لم يتمكنوا من العودة، بشكل رئيسي لأنهم يخشون التجنيد الإجباري أو الانتقام بسبب مشاركتهم المحتملة في الثورة.

وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، يوضح التقرير أن حلب الآن لا تشبه ما كانت عليه قبل الحرب. حيث تنشط الميليشيات المتحالفة مع النظام وبدعم من إيران وروسيا علناً في جميع أحياء المدينة، فتنهب الممتلكات وتضايق السكان كما تشاء. كما أن القوى الأمنية تفرض ضرائب كبيرة على الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في المدينة، وتتاجر بالمنتجات المتدفقة من الخارج وتحتكر عمل المولدات المربح في تكملة الكميات الشحيحة من الكهرباء التي توفرها الدولة. هذه الظروف تجعل صناعيي حلب، الذين نقل كثيرون منهم عملياتهم إلى الدول المجاورة في السنوات الأولى للحرب، يترددون في المخاطرة بالعودة إلى الاستثمار في مدينتهم الأصلية. كما أن عدداً كبيراً من العمال المهرة الذين كانوا يعملون لديهم في الماضي غادروا أيضاً، ويجعل التهديد الدائم بالتجنيد الإجباري الذي يواجهه جميع الشباب الذكور من توفر العمالة أمراً غير مؤكد. هذا الوضع يجعل حتى احتمالات العودة الجزئية إلى الحيوية الاقتصادية التي كانت تتمتع بها المدينة قبل الحرب ضئيلة.

ويشير التقرير إلى أن النظام السوري لا يمتلك خطة شاملة، ناهيك عن امتلاكه القدرة على إعادة إعمار المدينة؛ وما من شيء يشير إلى احتمال تقديم مساعدات دولية لهذا الغرض. ولم تعبر داعمتا النظام، روسيا وإيران، عن عزمهما إنفاق مبالغ كبيرة من المال على إعادة الإعمار. وتبقى الجهات الفاعلة الغربية ملتزمة بعملية انتقال سياسي على مستوى البلاد، اعتقاداً منها أنه دون هذه العملية فإن الاستثمارات الكبيرة ستفضي فقط إلى تعزيز الحكم القمعي للنظام وبذلك تفاقم الصراع. لقد أشارت بعض دول الخليج العربية، خصوصاً الإمارات العربية المتحدة، إلى أنها قد تكون مستعدة لدعم إعادة الإعمار، ربما على أمل إخراج سورية من الفضاء الإيراني ووقف التجاوزات التركية في الشمال، لكنها قلقة من مخالفة العقوبات الثانوية الأمريكية المفروضة على التعاون مع النظام. لقد وسعت المنظمات الدولية عملها الإنساني لكنها تصارع للعمل في متاهة القيود غير المتناسقة في كثير من الأحيان المفروضة على تفويضها. كما أنها تواجه تشككاً في أوساط المستفيدين الذين يشكون في كثير من الأحيان بنواياها تحديداً لأن النظام وافق على وجودها.

عنصر من قوات الأسد يفتش سيارات المدنيين على حاجز جبرين في مدينة حلب – حرية برس©

ويؤكد التقرير أنه ليس هناك آفاق محتملة لعودة حلب – أو أي مدينة سورية أخرى تضررت بشكل كبير خلال الحرب – إلى مستويات الرخاء أو الرفاه الإنساني التي عرفتها قبل عام 2011. فتجربة هذه المدينة وأجزاء أخرى من سورية تشير إلى أنه بدلاً من ضبط وتقييد الميليشيات والأجهزة الأمنية التي تستغل المواطنين العاديين وقطاع الأعمال، فإن النظام تحرك لتعزيز قوة هذه العناصر من أجل السيطرة على المجتمع من خلال موزاييك من الاقطاعات. ويكمن في جوهر هذا الشكل من الحكم تحولاً من الافتراس العشوائي البحت للسكان المحليين خلال الحرب إلى نهب ما بعد الحرب الذي يترافق أحياناً بشكليات الإجراءات القانونية دون أن يخضع للمساءلة، بل إنه يمنع حدوث حتى شكل متواضع من التعافي.

ويوضح التقرير أن الخطوة التي يمكن أن تحدث أثراً أكبر تتمثل في قيام النظام السوري، وروسيا وإيران بكبح جماح السلوك الافتراسي للميليشيات والأجهزة الأمنية، وأيضاً عملاء النظام الذين يعملون في ظل حاملي الأسلحة، أو بالتواطؤ معهم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل