قد يملئ أحدهم فمك بالبحص و يجبرك على أن تلوكه، ستلوكه لكن بحذر و بدون أن تؤذي أضراسك و أسنانك، لكن في حال كنت تأكل طعامك و تأتيك بحصة معه ستؤذيك و تؤلمك و ربما تكسر لك ضرساً أو سناً.
تستطيع أن تمشي على طريق وعرة مليئة بالبحص و الأحجار و الحفر حتى لو كنت حافياً، لكن بحصة واحدة داخل حذائك كافية لإيقاف تقدمك و ستؤذيك و تجرحك.
اليوم ظهر لدينا تيار كبير من أصحاب البحصة الواحدة، و الذين لا يهنأ لهم العيش و هم يرون أحداً يمضغ لقمة بهناء فيلقفوا في فمه ببحصة لكي يفسدوا عليه طعامه، و إذا رأوا أحداً يمشي بأي خطوة إلى الأمام يرمون في حذائه ببحصة لكي يوقفوا تقدمه.
و الموضوع ليس بهذه البساطة و هذه الخصوصية ، بل يتعدى إلى التأثير السلبي و الإضرار بحياة و مصير شعوب مظلومة و مقهورة و مسلوبة من أدنى حقوقها في الحياة.
بالأمس استشهدت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص المحتل الإسرائيلي، و استطاع أصحاب البحصة الواحدة أن يميعوا الجريمة النكراء وحرف البوصلة من صراع بين حق و باطل إلى صراع فارغ بين يجوز و لا يجوز، من جريمة قتل متعمد لإنسانة بريئة إلى قضية سجال و جدال بالقيل و القال.
و استطاع هؤلاء أن يؤكدوا لنا مرة أخرى أننا نحن مبدعون في اختراع أعدائنا و متميزون في تصغير دائرة الحق من حولنا على حساب توسعة دائرة الباطل التي لا تتوانى يوماً عن قتلنا و تهجيرنا و إذلالنا و …. و هم لا يدركون تماماً أبسط المبادئ التي ارتكز عليها ديننا الحنيف، و كيف استطاع أن يحتوي الآخرين و كيف عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم على توسيع الدائرة من حوله من خلال أقواله الجميلة و أفعاله الرحيمة.
فالرسول صلى الله عليه و سلم كان يعلم المنافقين بالإسم لكنه لم يقتلهم لأنه يريد أن يستقطب الناس و لا يريد أن ينفرهم و قال كلمته المشهورة ” لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه” و القرآن الكريم يقول في المنافقون ” إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار”، نعم كلمة لا إله إلا الله كانت كلمة فصل في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و الصحابة لأنها كانت الخط الفاصل الحقيقي في معركة الحق و الباطل بين المسلمين و غيرهم.
لكن في معركتنا اليوم لم تعد شهادة لا إلا الله هي كلمة الفصل بين معسكر الحق و معسكر الباطل، فهناك الكثيرين ممن يدعون الإيمان و الإسلام و هم يقفون إلى جانب الطاغوت قولاً و فعلاً. فكلمة الفصل اليوم بين معركة الحق و الباطل بين من يقول “بالروح بالدم نفديك يا أسد” و بين من يقول “يلعن روحك يا حافظ”، إذا أردنا أن نضع ميزاناً للقول بعيداً عن الأفعال و الأعمال.
حتى عام ٢٠١٣م كانت الثورة السورية المباركة تحظى بتعاطف شعبي عالمي كبير، قبل أن يخترقوها بالدواعش الذين استطاعوا أن ينفروا القريب و البعيد، عن الثورة السورية خصوصاً و الاسلام و المسلمين عموماً، علماً أنهم أبعد ما يكونون عن الثورة و المسلمين. و ذلك بسبب أعمالهم و أقوالهم فهم يريدون أن يفتحوا روما و لم يفتحوا عقولهم الصدئة بعد.
و على العكس تماماً نجد اليوم الرئيس الأوكراني في كل يوم يخرج لنا في خطاب ما بإتجاه ما يستعطف الصديق و العدو فخاطب إسرائيل بما يدغدغ مشاعرها، و خاطب في نفس الوقت المسلمين بما يستعطف مشاعرهم و خاطب غيرهم و غيرهم، و كل بما يستهويه و يحببه، و هو الذي يتلقى دعماً غير محدود من الغرب.
فهل من المعقول أن يجوز أن نترحم على شيخ كنا نظنه جليلاً أمثال البوطي و الحسون و قد وقفا إلى صف الطغاة و المجرمين، و لا يجوز أن نترحم على شيرين أبو عاقلة أو مي اسكاف إ غيرهما و قد وقفتا إلى جانب الحق.
القضية هنا قضية دماء و الدماء هي الأكثر حرمة في دين الله الحنيف. أكل الميتة محرم في الإسلام لكن عندما تتهدد حياة الإنسان بالموت تصبح مباحة. ” إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)سورة البقرة و في أية ثانية ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
[ سورة المائدة: أية ٣
هذا الاستثناء جاء عندما تتهدد حياة الفرد فما بالك بحياة شعب و أمة؟.
عندما يستطيع أصحاب البحصة الواحدة أن يحموا الشعب الفلسطيني المسلم من الإسرائيلين و يخلصوا الشعب السوري من الأسد و نظامه يحق لهم عندها أن يترحموا على من يشاؤوا و يلعنوا من يشاؤوا. أما اليوم و نحن مستضعفون مستباحون فكل من يقف معنا فرحمة الله عليه في الدنيا و الآخرة، كائناً من كان. و من يقف إلى جانب الطغاة و المجرمين فلعنة الله عليه إلى يوم الدين، كائناً من كان.
و في الختام نستذكر الآية الكريمة في كتابه الحكيم “و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين…”
عذراً التعليقات مغلقة