مع احتدام الحرب الروسية في أوكرانيا، استضاف الاتحاد الأوروبي المؤتمر الدولي السادس للمانحين لسوريا التي مزقتها الحرب، حيث حذر منسق السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل من “نسيان سوريا”، وقال: “الآن أصبحت أوكرانيا تتصدر عناوين الأخبار.لكن لا تستسلموا فيما يتعلق بسوريا”، مشيراً إلى أن 11 عاماً من الحرب في البلاد دمرت حياة الشعب السوري وأدت إلى أن يصبح 90 بالمائة من السوريين تحت خط الفقر. وأضاف بوريل أن “الحرب الروسية ستزيد أسعار الغذاء والطاقة وسيزداد الوضع سوءاً في سوريا”.
شاركت 55 دولة و22 منظمة دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في مؤتمر المانحين الذي جمع 6,7 مليار دولار لسوريا والدول المجاورة المستضيفة للاجئين، مقارنة بـ 6,4 مليار دولار العام الماضي. لكن لم تتم دعوة روسيا، التي تعد لاعباً رئيسياً في الصراع بسوريا، إلى المؤتمر. وقال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا، دان ستوينيسكو، لـDW: “لقد دعا الاتحاد الأوروبي الشركاء الذين لديهم مصلحة حقيقية في المساهمة في السلام العالمي. وقد أثبتت روسيا أنها ليست كذلك، مع غزوها غير القانوني لأوكرانيا”.
وتعد روسيا أقوى حلفاء بشار الأسد منذ بداية الصراع عام 2011، ولا تزال تدعم العمليات العسكرية للنظام السوري. وبينما قالت موسكو مراراً وتكراراً إن أعمالها تستهدف “الأنشطة الإرهابية فقط” في سوريا، اتهمتها الأمم المتحدة بالتورط المباشر في قصف مناطق مدنية وارتكاب جرائم حرب، إلى جانب النظام السوري. وشدد بوريل على أن مؤتمر المانحين في بروكسل هو رسالة لروسيا والنظام السوري معاً، ليفهما أن جميع الدول المشاركة في المؤتمر لن تخفف العقوبات أو تطبع العلاقات حتى تكون هناك “التزامات ذات مصداقية للإصلاحات السياسية” في سوريا.
“شريان حياة”
لكن المنظمات الإنسانية تخشى من أن يؤدي استبعاد روسيا من المؤتمر إلى الإضرار بجهود المساعدات الإنسانية، خاصة في شمال غرب سوريا. وفي اجتماع للجنة فرعية لمجلس النواب الأمريكي في آذار/ مارس من هذا العام، عبر ممثلو المنظمات الإنسانية التي توصل المساعدات إلى سوريا عن مخاوفهم من إغلاق روسيا المعبر الوحيد الباقي لإيصال المساعدات لسوريا بتفويض من الأمم المتحدة، كرد فعل على علاقاتها المتأزمة مع الغرب بشأن الحرب في أوكرانيا.
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد منح تفويضاً لإدخال مساعدات إنسانية إلى سوريا عبر أربعة معابر عام 2014. لكن روسيا والصين استخدمتا حق النقض “الفيتو” لإيقاف إدخال المساعدات عبر 3 من هذه المعابر، وأكدت موسكو على ضرورة وقف المساعدات الإنسانية التي تمر عبر معابر لا يسيطر عليها النظام السوري. وحالياً، يسمح بإدخال المساعدات، وفق تفويض الأمم المتحدة، فقط عبر معبر باب الهوى في شمال غرب سوريا، ويستمر التفويض حتى تموز/ يوليو 2022.
ويسيطر على هذا المعبر الواقع في إدلب السورية فصائل المعارضة السورية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي تتبنى الفكر السلفي الجهادي. ويعيش في المنطقة نحو 4 ملايين شخص و2,6 مليون من النازحين داخلياً، ويعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة ومنظمات أخرى مدعومة من الأمم المتحدة في تركيا.
تقول المديرة الإقليمية للإعلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “اليونيسيف”، جولييت توما، إن المعبر شريان حياة لما يقرب من مليون طفل يعيشون في شمال غرب سوريا ويعتمدون (بشكل كامل تقريباً) على المساعدات عبر الحدود. وتضيف توما لـDW: “الشيء الأساسي ليونسيف هو أن تكون قادرة على الوصول إلى كل طفل يحتاج المساعدة، أينما كان، وبغض النظر عمن يسيطر على المنطقة”.
“لا بديل آمن”
ووسط مخاوف من إغلاق موسكو لهذا المعبر في تموز/ يوليو المقبل، أكدت منظمة “هيومن أبيل” الدولية غير الحكومية أيضاً أنه لا توجد قناة بديلة “آمنة” لإيصال المساعدات في شمال غرب سوريا. وتابعت المنظمة: “لا يوجد حالياً بديل عملي للمساعدات الإنسانية التي تصل إلى ملايين الأشخاص المستضعفين في شمال غرب سوريا. يمكن الوثوق بالنموذج الحالي العابر للحدود من قبل كل من المانحين والمستفيدين”، وحذرت من أنه: “إذا لم يتم تجديد هذا النموذج في تموز/ يوليو، فسوف يترك ملايين المدنيين السوريين”. وقالت مديرة التمويل في “هيومن أبيل”، ريا حمصي، في بيان: “لا يوجد بديل آمن لممر المساعدات”.
لكن بوريل بدا متفائلاً وقال إن روسيا لن تفكر في وقف عبور المساعدات، لأن ذلك سيعرض حياة أكثر من مليون شخص للخطر، وأضاف: “أعتقد أن روسيا لن تفعل ذلك. لا ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك”. من جهته قال ستوينيسكو: “سيواصل الاتحاد الأوروبي الدعوة إلى استثناءات إنسانية، وفتح الطريق لعمليات المساعدة عبر الحدود وإلغاء تسييسها”.
في غضون ذلك، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفيلد، إنها ناقشت مع نائب وزير الخارجية التركي سبل المضي قدماً في تمديد التفويض الأممي بإدخال المساعدات عبر المعبر في إدلب، وأضافت أنها تعتزم تركيز اهتمام مجلس الأمن الدولي على إصدار قرار بهذا الشأن قبل 10 تموز/يوليو. وأوضحت توماس-غرينفيلد للصحفيين: “يعتمد ملايين السوريين على هذه المساعدات عبر الحدود، وبينما دعمنا إدخال المساعدات من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، فإن ذلك لن يكون كافياً لتلبية الاحتياجات الأوسع للسوريين”.
تمكين المجتمعات المحلية
وإلى جانب معالجة المخاوف بشأن معابر المساعدات الإنسانية والتعهد بالدعم المالي لسوريا، أكد المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، عمران رضا، أنه يجب على الدول تحقيق التوازن بين المساعدة المنقذة للحياة وبرامج التعافي لمساعدة السوريين.
وقال رضا لـ DW: “يجب أن نحاول مساعدة الناس على إنتاج غذائهم ليكونوا أقل اعتماداً على المساعدة، ودعمهم ليتحكموا هم في حياتهم بأكبر قدر ممكن”، وأضاف: “الشيء الرئيسي الذي لا نزال نسمعه من الناس، هو أنهم بحاجة إلى وظائف وسبل عيش لإعالة أنفسهم ورعاية أسرهم. لذا يجب أن تركز المساعدة على تمكين المجتمعات المحلية”.
عذراً التعليقات مغلقة