خواطر حول مجزرة حي التضامن 

حسان الأسود30 أبريل 2022آخر تحديث :
خواطر حول مجزرة حي التضامن 

لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي ارتكاب أفراد من أحد أجهزة مخابرات الأسد أو جيشه أو شبّيحته مجزرة مثل ما شاهدنا في حي التضامن. بل إنّ قناعتي راسخة بأنّ الظاهر لنا والمكتشف حتى الآن ليس سوى قمة جبل الجليد، فرغم صور قيصر ومجازر نهر قويق والغوطة وخان شيخون والجديدة وحي الجورة في دير الزور والتريمسه والحولة، وعشرات المجازر غيرها، إلا أننا سنكتشف مع مرور الأيام ما هو أفظع وأشدّ هولاً. 

الخواطر التي تثيرها مشاهدة الفيديو المصور أكثر من أن تُحصى، والمشاعر التي تنتاب المرء أعقد من أن توصف، والهمجية التي أظهرها سلوك القائمين على المجزرة أحطّ من أن تُقارن حتى بما حصل في الهولوكوست، لكن لا بدّ من التطرق لبعضها هنا وهناك، مع قناعتي بأنّ مقالة أو بحثاً أو حتى كتاب لا يكفي لتناول هذه القضايا كلها بما يفيها حقها من التأمل والبحث والدرس. 

من المهمّ بداية التأكيد على أنّ نظام الأسد هو أسّ الطائفية وأساسها، وكان قد سلك سلوكاً طائفياً منذ انقلاب حافظ الأسد على الأقل، وقام بتفتيت المجتمع السوري طائفياً، واستثمر في الطائفية أيّما استثمار، ونهج وريثُه بشار منهجه هذا أيضاً، وتعزّز هذا السلوك الممنهج منذ بداية الثورة، وكان تسريبُ الفيديوهات التي تحمل نفساً طائفياً منذ الفيديو المشهور الذي وثق بكاميرا عناصر مخابرات الأسد الدعس على أجساد الثوار في البيضا من أعمال بانياس، واستهزائهم منهم: بدكين حريييه؟ هاي الحريييه… أعطيهن حريييه، كان مقصوداً لاستثارة ردة فعلٍ طائفية لدى الثوار. 

ما فعله النظام أكثر من ذلك بكثير، فقد مارس القتل على الهوية، ومارس كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان المعروفة في تاريخ البشرية، وهدفه النهائي كان البقاء في السلطة، ولأجل ذلك أعطى لهؤلاء المجرمين من أمثال أمجد يوسف وياسر سليمان ونجيب الحلبي وهواش حمدان وحسام عباس الذين قيلَ إنهم شاركوا في المذبحة، أعطاهم السلطة المطلقة لارتكاب ما يحلو لهم بحق السوريات والسوريين. لقد أطلق لهؤلاء الهمج العنان وفكّ أسر حقدهم وجهلهم وتخلفهم. 

لا يمكن معرفة الرعب الذي عاشه الضحايا خلال الدقائق أو الساعات التي فصلت بين اعتقالهم وبين اقتيادهم معصوبي الأعين مربوطي الأيدي مكمومي الأفواه إلى حتفهم. لا يمكن تصوّر الألم الذي خلّفه غيابهم عن أهلهم دون معرفة مصيرهم، لا يمكن تخيّل مقدار الحقد والساديّة في سلوك هؤلاء الهمج الذين شاركوا في الجريمة، لا يُعقل هذا كله، ولا يمكن تصوره إلا في مزرعة الأسد، إلا في سوريا الأسد التي باتت عنواناً للقمع والإرهاب والجريمة والحقد. 

لكن المتتبع لنهج الأسد ومن قبله أبيه، والباحث في سلوك أجهزته الأمنية والعسكرية، بعرف أنّ ما تمّ ليس صدفة ولا حالات شاذة أو فردية، ولا حتى مجرد سلوك قمعي عابر ارتبط بمحاولة وقف الثورة ووأدها. هذا نهجٌ متكاملٌ قائم على عقيدة راسخة في عقله المريض وفي العقل التشغيلي لمنظومته الكريهة. لقد دأب النظام بماكينته الهمجية المبرمجة على العنف السافر والقمع اللامحدود، دأب على ممارسة أقصى أنواع التنكيل، بداية بهدف إرهاب الأفراد والجماعات وكل المجتمع، ونهاية بهدف المتعة وإشباع الغرائز البدائية الدموية لديه ولدى عناصره وأفراده ومؤيديه. 

سيكون السكوت عن هذه الجريمة التي تشكل حلقة من سلسة طويلة من جرائم ممنهجة واسعة النقاط، فعلاً شائناً يصل إلى مستوى المشاركة فيها. لقد بات واضحاً للعالم أجمع أنّ الإفلات من العقاب لا يمكن أن يستمر، وأنّ ما كان يمكن الاستفادة منه كدرس في سورية، يجب أن يُعمم على كل العالم. العجز عن القيام بالواجب لما كان يمكن وقفه في سورية أمس، سبّب ما نشهده اليوم في أوكرانيا. 

أنّ المجتمع الدولي مسؤول عن هذا الموقف السلبي الذي اتخذه تجاه مأساة السوريات والسوريين، ولهذا عليه الآن أن يكفّر عن خطيئته، هذه وأن يُعيد الاعتبار للضحايا من خلال السير في طريق واضح لإنهاء نظام الاستبداد الأسدي والتخلص منه إلى الأبد، وملاحقة كل من ارتكب انتهاكات بحق الشعب السوري المعذّب ولمصلوب على مذبح الحرية منذ أحد عشر عاماً. 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل