حين وصلت الدبابات الروسية إلى مشارف العاصمة الأوكرانية كييف، كان الخوف والذعر يتملك السكان، فيما اندلع قتال في الشوارع، وتقدم رتل مدرع روسي، توغل في المدينة، إلى مسافة ميلين من مكتب الرئيس، فولوديمير زيلينسكي.
في تلك الأيام الأولى المتوترة من الحرب، توقع الجميع تقريبا، على جانبي الصراع، أن تنكسر القيادة الأوكرانية، وبدلا من ذلك، قرر زيلينسكي البقاء في العاصمة، وتصوير مقاطع فيديو أثناء مروره في شوارع كييف لطمأنة شعبه. وأمر كبار مساعديه والعديد من أعضاء مجلس الوزراء وموظفين من حكومته بالبقاء في مكاتبهم، على الرغم من المخاطر.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن هذه كانت لحظة حاسمة بالنسبة لحكومة زيلينسكي، حيث ضمنت استمرار مجموعة واسعة من الوكالات في العمل بكفاءة وتنسيق، فيما وضع كبار السياسيين جانبا الاقتتال الداخلي الحاد الذي ميز السياسة الأوكرانية لعقود من الزمن، وبدلا من ذلك خلقوا جبهة موحدة إلى حد كبير لا تزال مستمرة حتى اليوم.
ولم ينشق أي من كبار المسؤولين الأوكرانيين أو يفروا.
ونقلت الصحيفة عن، سيرغي نيكيفوروف، المتحدث باسم زيلينيسكي، إنه “في الأيام الأولى من الحرب، كان الجميع في حالة صدمة، وكان الجميع يفكرون فيما يجب القيام به، البقاء في كييف أو الإخلاء”.
وأضاف المتحدث أن “قرار الرئيس في ذلك الوقت هو أن أحدا لا يذهب إلى أي مكان، سنبقى في كييف ونقاتل”.
وقال زيلينسكي في مقطع فيديو نشر على فيسبوك في اليوم الثاني من الغزو الروسي “لن نلقي أي أسلحة، وسندافع عن دولتنا”.
وبالنسبة لكثير من أنحاء العالم، يشتهر زيلينسكي بظهوره عبر الفيديو مع رسالة يومية من الشجاعة والتحدي، لحشد شعبه وحث حلفائه على توفير الأسلحة والمال والدعم المعنوي.
والأحد استحوذ على الاهتمام العالمي مرة أخرى في اجتماع في كييف مع اثنين من كبار المسؤولين الأميركيين هما وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، اللذين تعهدا بتقديم مزيد من الدعم العسكري وقالا في خطوة ذات أهمية رمزية إن الولايات المتحدة ستسعى لإعادة فتح سفارتها في كييف.
تنظيمات إدارية
ولكن خلف الكواليس، فإن نجاح زيلينسكي حتى الآن يعود أيضا إلى قدرة الحكومة على العمل بسلاسة واتخاذ تدابير لمساعدة الناس على التأقلم، مثل إلغاء القيود التنظيمية بشكل واسع للحفاظ على الاقتصاد واقفا على قدميه، وتوفير السلع والخدمات الأساسية.
فعلى سبيل المثال، من خلال تخفيف القواعد المتعلقة بنقل البضائع، تمكنت الحكومة من معالجة خطر نقص الغذاء في العاصمة كييف في الأيام الأولى من الحرب. وفي مارس، خفضت الحكومة الضرائب التجارية إلى 2 في المئة، ثم جعلتها متوقفة على رغبة البائعين في الدفع.
وقال زيلينيسكي وقتها “ادفع إذا استطعت، ولكن إذا لم تستطع، فلن نطرح أسئلة”.
والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أنه جمع بين ست محطات تلفزيونية تنافست في السابق ضد بعضها البعض في منفذ واحد للأخبار، وفيما قال إن الاندماج ضروري للأمن القومي، فإنه أحبط المعارضين السياسيين والمدافعين عن حرية التعبير.
كما أقام هدنة مع خصمه السياسي المحلي الرئيسي، الرئيس السابق، بيترو بوروشينكو، الذي كان على خلاف معه حتى بداية الحرب.
ومما لا شك فيه أن التأثير الهائل للالتفاف حول الوطنية في زمن الحرب خفف من صعوبة عمل زيلينيسكي، بحسب فولوديمير يرمولينكو، رئيس تحرير مجلة “أوكرانيا وورلد”.
ونقلت الصحيفة عن يرمولينكو قوله إن “الشيء الغريب في السياسة الأوكرانية هو أن الشرعية تأتي من المجتمع، وليس من القادة السياسيين”. زيلينسكي هو من هو بسبب الشعب الأوكراني، الذي يقف وراءه، ويظهر شجاعته”.
وأضاف أن “هذا لا يعني تقويض جهوده”.
في هذه الأيام، يعمل زيلينسكي في شارع بانكوفا هو مكان مظلم ومظلم مزدحم بالجنود.
وأحاط الزعيم الأوكراني، وهو ممثل كوميدي سابق، نفسه بمجموعة من الموالين له من أيامه في التلفزيون، وهي علاقات أثارت اتهامات بالمحسوبية في الماضي، لكنها خدمته بشكل جيد خلال الصراع من خلال إبقاء فريق قيادته متفاهما.
وقال مساعدون ومستشارون إن زيلينسكي يتلقى إحاطات هاتفية فردية من الجنرال فاليري زالوجني، قائد القوات المسلحة، عدة مرات في اليوم وغالبا ما يكون أول شيء في الصباح.
ويلي ذلك مؤتمر صباحي عبر الفيديو مع رئيس الوزراء، وأحيانا أعضاء آخرين في مجلس الوزراء، وقادة الجيش ووكالات الاستخبارات في شكل يجمع بين صنع القرار العسكري والمدني، وفقا لنيكيفوروف، المتحدث باسمه.
الخطابات والدائرة الداخلية
وتقول الصحيفة إن من المؤكد أن خطابات زيلينسكي المصورة– أمام الكونغرس الأميركي والبرلمان البريطاني والكنيست الإسرائيلي والحكومات الأخرى – لا تزال العنصر الحاسم والأكثر فعالية في دوره في زمن الحرب.
ولا يزال الجيشان الأوكراني والروسي في معارك ضارية في السهول الشرقية، ولكن كييف فازت بوضوح في حرب المعلومات.
وقد حشدت خطابات زيلينسكي، التي ألقاها بشغف ظاهر مواطنيه وحشدت الدعم الدولي.
ومن الناحية السياسية، اتخذ زيلينسكي بعض الخطوات المبكرة التي سمحت له بالحد من أي صراع داخلي قد ينتقص من المجهود الحربي.
وكان من بينها التقارب مع بوروشينكو، الذي انتقد بشدة زيلينسكي منذ خسارته أمامه في انتخابات عام 2019. واستمر الخلاف بينهما حتى مع حشد روسيا للقوات على الحدود، حينما وضع المدعي العام زيلينسكي بوروشينكو تحت الإقامة الجبرية في العديد من القضايا ذات الطابع السياسي.
ولكن في اليوم الذي غزت فيه روسيا، توصل الزعيمان إلى تفاهم.
وقال بوروشينكو في مارس “التقيت بالسيد زيلينسكي ، تصافحنا”، مضيفا “قلنا إننا نبدأ من الصفر، يمكنه الاعتماد بقوة على دعمي، لأن لدينا الآن عدو واحد، واسم هذا العدو بوتين”.
وحظر زيلينسكي فصيلا معارضا رئيسيا آخر، وهو حزب سياسي ذي ميول روسية.
وقد ساعد ذلك في فوز حزب زيلينسكي السياسي، خادم الشعب، بأغلبية المقاعد في البرلمان في عام 2019، مما سمح له قبل الحرب بتعيين حكومة من الموالين له.
وكانت الحكومات الأوكرانية السابقة مقسمة بين الرؤساء المتناحرين والحكومات التي تسيطر عليها المعارضة.
ونقلت الصحيفة عن إيغور نوفيكوف مستشار السياسة الخارجية الأوكراني السابق قوله “كل شيء فريق واحد وكبير، ليس على الورق فقط، ولكن في الواقع “، مضيفا أن الحكومة “متماسكة للغاية.”
Sorry Comments are closed