تنعكس الاغتيالات التي تشهدها محافظة درعا جنوبي سوريا بوتيرة متزايدة منذ بدء اتفاق التسوية منتصف العام 2018، على تحرّكات الأهالي وحياتهم اليومية، إذ تسود المحافظة مخاوف كبيرة تُعيق المدنيين عن ممارسة حياتهم الطبيعية، ويتفق معظمهم على أن المستفيد الأكبر من هذه العمليات هو النظام السوري وإيران.
أحد سكان ريف درعا الغربي يروي ل”المدن”، كيف تتحول أغلب مدن وبلدات درعا بعد مغيب الشمس إلى “مدن أشباح” نظراً لخوف المدنيين من الخروج من منازلهم بسبب حالة الفلتان الأمني السائدة، فيما زادت التسويات التي وقّعها معارضون للنظام مقابل سيطرته على المنطقة، من الاغتيالات بدل أن تخفف منها.
عواقب المخاوف
مطلع العام الحالي وثّق “تجمع أحرار حوران” في تقرير لإحصائيات عام 2021 بعنوان “سقوط التسوية”، 291 عملية ومحاولة اغتيال أسفرت عن 226 قتيلاً بينهم 131 مدنياً على اختلاف توجهاتهم السياسية، وكانت النسبة الأعلى خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس، إذ شهدت أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيمات بالمدينة حصاراً وعمليات قصف، انتهت باتفاق تسوية جديد.
ويوضح الناطق باسم تجمع أحرار حوران أيمن أبو نقطة ل”المدن”، أن “انعدام الحركة عند ساعات المساء الأولى، هي من أبرز مظاهر الخوف لدى الأهالي، والذي بلغ حداً جعل البعض يتخلّى عن مصدر رزقه مقابل السلامة”، إذ يضطر الأهالي لملازمة منازلهم، تاركين أعمالهم وباقي شؤون الحياة، ما ينعكس بشكل سلبي على أوضاعهم المعيشية.
ويؤكد أحد سكان درعا ل”المدن”، أن الأهالي يغلقون محالهم التجارية عند الغروب بسبب انتشار الخوف من التنقل بين الأحياء “بشكل كبير” ما أثّر على مصالحهم الشخصية، خاصّة الصيدليات والبقاليات، مضيفاً “اليوم إذا احتاج الشخص دواءً بشكل عاجل، أو طعاماً أو مستلزمات أخرى في ساعات الليل، يجد المحلات مغلقة أمامه”.
وفي السياق، تُؤكد إحدى نساء حي درعا البلد ل”المدن”، أن “الخوف نسبته كبيرة”، وحالياً أغلب الشباب يسافرون خارج المنطقة، لعدم وجود الأمان مع تزايد انتشار خلايا تابعة للنظام تستهدف المعارضين السابقين، خاصة المنشقين عن الجيش السوري سابقاً، فهم لا يستطيعون التحرُّك رغم توقيعهم اتفاق التسوية، ومنهم من وصل إلى لبنان وهناك يبحث عن أيّ فرصة للسفر.
لذلك يشير أبو نقطة إلى أنه من الواضح أن هناك عملاً ممنهجاً على نشر ظاهرة الخوف من أجل دفع أكبر عدد ممكن من الرجال والشباب إلى الهجرة خارج المنطقة، وذلك بهدف إحكام القبضة الأمنية للنظام وإيران عليها.
التخلّص من فئة الشباب
تعاني محافظة درعا من مشاكل أمنية واقتصادية على خلفية عدم التزام النظام بتطبيق بنود التسوية في تموز/يوليو 2018، ويقول الباحث بالشأن السوري والمتحدر من درعا، حسام البرم ل”المدن”، إن أهم البنود كان “استقرار الحالة الأمنية مقابل تأمين الخدمات”، لكن بعد تسليم السلاح تدريجياً من الثقيل حتى الخفيف، تفاقمت الحالة الأمنية والاقتصادية سوءاً، وازدادت معدلات الاغتيال بنسبة 35 في المئة في عام 2020 و15 بالمئة في عام 2021.
وحول اتباع النظام لاستراتيجية الاغتيال، يؤكد البرم أن المنهجية الجديدة تُعفي النظام نظرياً من “أيّ مسؤولية قانونية وسياسية قد تترتب على سياسة الاعتقال”، فيما تنعكس عمليات الاغتيال بالتهجير مجتمعياً، حيث قام النظام بتصفية معظم المشاركين بالثورة سابقاً، وبدأ بالتخلّص من العسكريين عامي 2018 و2019 ثم الوجهاء والنشطاء عامي 2019 و2020 لينتهي بأصغر الوحدات المدنية عام 2021 ما دفع الشباب إلى الهجرة.
ويشير البرم إلى تسهيلات قدَّمها النظام، منها انخفاض تكلفة السفر غير الشرعي إلى لبنان (دون المرور على حواجز النظام) من 1800 دولار أميركي عام 2018 إلى 150 دولاراً عام 2021 وهي تعادل أجرة المواصلات فقط.
ويهدف النظام من ذلك إلى “تفريغ المنطقة من الشباب حتّى لا يشهد حراكاً شعبياً جديداً ضده، والتخلّص من خبرات أولئك الشباب السياسية والعسكرية، في التعامل معه، خاصة قدرتهم على تحريك الشارع عبر المظاهرات المحتملة ضد النظام، وبالتالي يريد خلق جيل جديد يسهل السيطرة عليه، وتجنيده في صفوفه وصفوف حزب الله لتحويل الجنوب السوري لما يشبه الجنوب اللبناني”، حسب البرم.
بدوره، ينوّه أبو نقطة إلى أنه لا يمكن الجزم بمعرفة الجهة التي تقف خلف كل عملية، لكن الفئة الأكبر من المستهدفين “مدنيون”، ومنهم رؤساء بلديات وأعضاء في اللجان المركزية، والفئة الثانية هم عناصر سابقون بالمعارضة، منهم الذين أجروا تسوية ولم ينتسبوا لأيّ تشكيل عسكري فأصبحوا مدنيين، إضافة إلى المتعاونين مع النظام وإيران وحزب البعث.
عذراً التعليقات مغلقة