أصدر القضاء الألماني أمس الخميس (13 كانون الثاني/يناير 2022) حكما بالسجن مدى الحياة على ضابط سابق في المخابرات السورية بعد إدانته بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، في قرار وصف بانه “تاريخي” ،وجاء في سياق أوّل قضية في العالم مرتبطة بفظائع منسوبة إلى نظام بشار الأسد، وفق وصف الإدعاء الألماني.
وقضت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلنس (غرب ألمانيا) بأن السوري أنور ر. (58 عاما) مسؤول عن مقتل 27 معتقلاً وتعذيب أربعة آلاف آخرين على الأقل في معتقل سرّي للنظام في دمشق وذلك بين 2011 و2012.
ولمحاكمة هؤلاء السوريين، تطبّق ألمانيا المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية الذي يسمح لقضائها بمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطرة، بغضّ النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجرائم.
الحكم التاريخي في القضية علقت عليه صحف ألمانية وأوروبية، نستعرض جزء منها.
صحيفة “فرانكفورتر ألغيمانيه تسايتونغ” الألمانية كتبت اليوم الجمعة (14 كانون الثاني/يناير 2022):
إن “مبدأ القانون العالمي” هو تطور، ومن المنطقي والجيد أن ألمانيا كانت ملتزمة هنا بشكل خاص – في إنشاء محكمة قضائية جنائية دولية وكذلك في تنفيذها على الصعيد الوطني، (…) ومع ذلك: جريمة القتل تبقى جريمة؛ التعذيب ممنوع في كل مكان”.
وأضافت الصحيفة الألمانية:” لا توجد حماية من الدولة لعمليات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الخطيرة. وتم الحديث عن ذلك. لكن ما زلنا بعيدين عن القانون العالمي الحقيقي. القتلة الأقوياء ليس لديهم ما يخشونه طالما لديهم قوات وسقوطهم يكلف تكلفة باهظة. ولكن عندما تتآكل قوتهم، يمكن أن تأتي ساعة العدل والعدالة. لا يمكن لأي مجرم أن يشعر بالأمان بعد الآن”.
وقالت صحيفة “نيو تسوريخر تسايتونغ” السويسرية:
إن محاكمة كوبلنتس سجلت سابقة في التاريخ القانوني، تتجاوز قيمتها ألمانيا إلى الصعيد الدولي. لكن إنه أمر غير مفهوم أن المحكمة رفضت السماح بتسجيل الفيديو أو الصوت لجلسات الاستماع، والتي كانت ستسمح للرأي العام الأوسع وللأجيال القادمة بتتبع الإجراءات بالتفاصيل.
ونوهت الصحيفة السويسرية إلى “أهمية احترام الحقوق الشخصية للمتهمين – خاصة في الإجراءات الجنائية العادية التي ليست ذات أهمية كبيرة للمصلحة العامة”، لكنها أشارت إلى أنه “في المحاكمات التاريخية مثل ما جرى في محكمة كوبلنتس، فقد حان الوقت لكي يغير القضاء الألماني من إجراءاته”. وذكرت الصحيفة أنه على الأقل، أدركت الحكومة الاتحادية الجديدة هذه المشكلة. لذا ورد في اتفاق الائتلاف: “المرافعات الرئيسية يجب أن تسجل بالصورة والصوت”.
صحيفة “لاكروا” La croix الفرنسية كتبت في افتتاحيتها معلقة على قرار محكمة كوبلنتس: “العدالة الألمانية طبقت مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للدولة بمقاضاة مرتكبي أخطر الجرائم بغض النظر عن جنسياتهم ومكان ارتكابهم لتلك الجرائم”. وتساءلت الصحيفة “هل يمكننا أن نرفع سقف الهدف إلى أعلى؟”.
وسجلت “لاكروا” كيف يستفيد نظام بشار الأسد من التوازنات الدولية للإفلات من المحاسبة، “لقد ظل خبراء الأمم المتحدة يجمعون الأدلة منذ سنوات. لكن القضية سياسية أيضا. وتوجيه اتهام للنظام يتوقف على التوازنات الدولية، ولاسيما روسيا والصين اللتين تعترضان على ذلك. بينما تريد فرنسا ذلك، وهذا شرف لها. وهو موقف معظم الدول الغربية أيضا”.
لكن الصحيفة الفرنسية أبدت أسفها لمآل الأوضاع في سوريا، وقالت: “لسوء الحظ، فإن رفض تطبيع الأوضاع وطي صفحة الحرب الأهلية، له ثمن باهض على السكان الذين يغرقون في مأساة إنسانية. وأبشع استهتار من بشار الأسد السعيد بسيطرته على حقل من الخراب”.
صحيفة “لا ستامبا” “La Stampa” الايطالية الصادرة من تورين اليوم الجمعة كتبت:
“هذه محاكمة “تاريخية” وفريدة من نوعها لسببين. إنها أول محاكمة دولية على التعذيب في سوريا ضد ممثل آخر عن نظام دمشق، ولأنها أول محاكمة على جرائم في سوريا تجري على أساس الاختصاص القضائي العالمي”.
وأشارت الصحيفة إلى أن حكم المحكمة لقي ترحيباً واسعاً، وهو “حكم يمثل خطوة نحو نقطة تحول في السعي لملاحقة قضائية للجرائم الكبيرة التي لم تلاحق بعد”.
أما صحيفة “دي فيلت” الألمانية فذكرت في تعليقها:
“إن إدانة سفاحي الأسد وجلاديه وفقًا لمبدأ الولاية القضائية العالمية في الدول الديمقراطية هي طريقة اعتباطية إلى حد ما وكذلك عشوائية لتحقيق العدالة للضحايا، لكنها أفضل من ترك المجرمين السوريين يفلتون من العقاب. لهذا السبب يجب على أكبر عدد ممكن من الدول الغربية أن تحذو حذو محكمة كوبلنتس. أيضا لإرسال إشارة رادعة للصراعات المستقبلية”.
Sorry Comments are closed