أخذت قيمة الليرة التركية بالانحدار المتسارع مع إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على سياسات خفض الفائدة، لتخسر أكثر من نصف قيمتها عما كانت عليه مطلع العام الجاري، ما ينذر بواقع معيشي صعب على المواطنين والمقيمين في البلاد.
وتراجعت قيمة الليرة بنسبة 55 في المئة منذ بداية العام الحالي حسب وكالة روتيرز، بينها 37 في المئة خلال الأيام الثلاثين الماضية.
وسجلت الليرة التركية أكثر من 17 مقابل الدولار الأميركي يوم أمس الجمعة، ليتدخل البنك المركزي التركي للمرة الخامسة من خلال عمليات بيع الدولار الأميركي لضبط ما وصفه بالتقلبات غير الصحية في أسعار الصرف، وبعدها استقرت الليرة التركية عند حدود الـ 16.5، بانتظار كم سيكون سعر صرفها عند افتتاح التداول يوم الإثنين المقبل.
وانتقد رئيس غرفة صناعة إسطنبول يوم أمس إجراءات المركزي التركي في بيع مخزوناته من الدولار لضبط سعر صرف الليرة التركية.
وقال إنه يشعر بالدهشة من قيام المصرف المركزي بتخفيض سعر الفائدة ثم بيع احتياطاته من العملة الصعبة في اليوم التالي لمنع انهيار الليرة أكثر.
كيف سينعكس سعر الصرف على الأوضاع المعيشية؟
تقر الحكومة التركية بأن التضخم في البلاد بلغ 20%، إلا أن خبراء اقتصاديين يراقبون ارتفاع الأسعار في الأسواق يرون أن التضخم تجاوز الـ 50%، حيث تغير المحال التجارية أسعار المواد الغذائية الأساسية يومياً تقريباً.
ويتداول الأتراك على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة تظهر تبديل لافتات الأسعار المعروضة بجانب المواد، ويبدو أن معظم المواد أصبح سعرها أكثر من ضعف السعر السابق.
وبعد إعلان أردوغان رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا بنسبة 50% وهي نسبة لم تشهدها البلاد من قبل، اتجه الأتراك لقياس المبلغ المحدد بالدولار الأميركي ومقارنته عما كان عليه سابقا بالدولار.
وبلغ الحد الأدنى للأجور 4250 ليرة تركية شهرياً (275 دولاراً) لكنه فعلياً أقل مما كان قبل عام (380 دولاراً).
ويتخوف خبراء اقتصاد من أن هذه الزيادة في الأجور والتي تشمل نحو ستة ملايين من موظفي الدولة، ستؤدي إلى مزيد من التضخم وبالتالي تراجع قيمة الليرة التركية أكثر.
سياسة غير تقليدية
ويعزو الخبراء سبب انهيار الليرة التركية إلى سياسة أردوغان الاقتصادية غير التقليدية المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة لتعزيز النمو الاقتصادي في تركيا، وزيادة الإنتاج المحلي من خلال تقديم قروض بنسب فائدة منخفضة تشجع المصنعين والتجار لزيادة وتيرة ونسبة أعمالهم، وبالتالي تحسين العمالة والأجور وزيادة نسب تصدير السلع التركية وإدخال القطع الأجنبي إلى البلاد.
ويرى أردوغان أن ارتفاع أسعار الفائدة “شرٌ من شأنه أن يزيد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً”.
وبحسب قوانين النقد والاقتصاد، فإن أي خفض لنسب الفائدة سينتج عنها انحدار في سعر صرف العملة، وهو ما لا يمكن كبحه إلا من خلال تدخل البنك المركزي عبر بيع الدولار من مخزونه.
تم تخفيض أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية واحدة خمس مرات منذ سبتمبر/ أيلول الماضي وخلال تلك الفترة انخفضت قيمة الليرة التركية إلى النصف مقابل الدولار وارتفع التضخم إلى 21 في المئة حسب البيانات الرسمية، أي أكثر من أربعة أضعاف الهدف الرسمي البالغ 5 في المئة.
وتدخل المركزي التركي خمس مرات في سوق الصرف خلال الأسبوعين الماضيين وباع ما يعادل أكثر من 4 مليارات دولار من مخزونه من العملات الصعبة.
ومن أبرز التحديات أمام هذه السياسة النقدية غير التقليدية، هو أن تركيا تضطر لاستيراد كثير من المواد الأولية التي تدخل في إنتاج السلع التركية، وهذه المستوردات تكون بالعملة الصعبة وبالتالي تزداد كلفة الإنتاج بسبب تدهور سعر الليرة التركية.
وبدأ انخفاض الليرة التركية منذ عام 2016 حيث كان سعرها في بداية العام 2.92 مقابل الدولار وفقدت خلال ذلك العام 17 بالمئة من قيمتها لتبلغ في نهاية العام 3.53 ليرة مقابل الدولار وتراجعت أكثر في أوئل عام 2017 لتصل إلى 3.779 ليرة مقابل الدولار. واستمر تدهورها خلال الأعوام التالية لتصل يوم أمس الجمعة إلى 17 ليرة مقابل الدولار وعادت واستقرت عند 16.3 ليرة.
Sorry Comments are closed