هل بات السوريون أمام فصل آخر من سنوات الضياع؟

فهد القاضي12 نوفمبر 2021آخر تحديث :
هل بات السوريون أمام فصل آخر من سنوات الضياع؟

فيما يبدو بأن تقاعس إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عن القضية السورية منتهجاً ذات المسار الغربي بذلك والذي يكتفي عقب كل مجزرة ترتكب بحق أطفال المدارس والمشافي والبنى التحتية المدنية بنيران عصابات الأسد وحلفائه بإصدار بيانات الإدانة والتنديد الإعلامية الخجولة مشددين بذلك على تنفيذ العدالة بسورية ومحاسبة الأسد.

في الوقت الذي حددت فيه الولايات المتحدة الأمريكية معالم سياساتها الاستراتيجية في سورية والتي أعلنت عنها بصراحة وعلى لسان أرفع المسؤولين بالإدارة الأمريكية وبشكل متكرر والمتضمنة قتال تنظيم الدولة (داعش) والعمل على تعديل سلوك نظام الأسد والضغط عليه للانخراط في العملية السياسية وتقديم الدعم الغير محدود لتنظيمات قنديل الإرهابية.

وبالتالي فإن ذلك التقاعس والتماهي وتلك السياسة المعلنة والواضحة المعالم شجعت الكثير من المنظمات الدولية والأنظمة العربية بإعادة تطبيع علاقاتها مع حكومة دمشق فيما يبدو أنها خطوة أولى سيتبعها خطوات لاحقة ذات شأن أعلى تدريجياً لعودة نظام الأسد المجرم إلى الحظيرة الدولية وخاصة بعد الخطوة الخطيرة والتي اتخذتها منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) بعودة نظام الأسد والسماح له بالوصول إلى بيانات تلك المنظمة وإعادة تفعيل عضويته المجمدة فيها منذ مطلع عام 2012.

ويرى بعض المراقبين المختصين في الشأن السوري بأن الاستراتيجية الأمريكية تجاه سورية ورغم الالتواءات التي رافقتها منذ عام 2011 وحتى الآن فإنها سياسة واضحة المعالم ولم تصب بأي ارتباك نتيجة تعاقب الإدارات السابقة والحالية على البيت الأبيض وإنما الارتباك كان بجزئيات فقط. وهي غير مؤثرة على خطوط السياسة العامة الأمريكية.

وبالتالي فإن تغول نظام الأسد وحلفائه وإسرافهم في الإجرام وقتل الناس المدنيين وهم نيام في عام 2013 عندما قصف منطقة الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي وقصفه للمدارس والمشافي والمخابز واستخدام حصار التجويع لكثير من المدن والبلدات والذي استمر لسنوات من أجل تركيع السكان الذين انتفضوا ضده.

واستخدام أفران الصهر لحرق الجثث لإخفاء جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها عصاباته وميليشياته بحق نزلاء السجون إضافة إلى المقابر الجماعية المختلفة التي قمنا بتوثيق بعضها بواسطة صور الأقمار الصناعية.

كل ذلك العنف والوحشية والانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد بحق السوريين المدنيين وكل الملفات والأدلة التي تمتلكها الإدارة الأمريكية على إجرام هذا النظام ووحشيته التي فاقت النازية في قسوتها، كل ذلك لم يشكل أي دافع لدى الإدارة الأمريكية للقيام بواجبها الأخلاقي في وضع أي قيود أو القيام بأي إجراءات جدية حيال تلك الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها نظام الأسد وحلفاؤه في سورية.

وإنما عقب كل مجزرة كانوا يحذرونه من أجل عدم استعمال السلاح الكيماوي مع ذلك ورغم كل تلك التحذيرات الجوفاء والإعلامية فقط، فإن نظام الأسد قد داس على كل تلك التحذيرات وتجاوز الخطوط الحمراء وقام باستخدام تلك الأسلحة الكيماوية المحظورة بعنف مفرط وسقط فيها آلاف القتلى من الأطفال والنساء سواء في الغوطة أو في سراقب أو خان شيخون، ورغم ذلك فإن ردة الفعل الأمريكية كانت عبارة عن عقاب بمنتهى اللطف والنعومة والأناقة.

إذ أن الضوء الأخضر كان ممنوحاً له لقتل السوريين بجميع آلات القتل الجوية والبرية والبحرية إضافة للحرق داخل أفران الصهر وأساليب التعذيب في السجون والمعتقلات حتى الموت.

وكما هو واضح فإن أحد أهم الاستراتيجيات الأمريكية والتي سارت عليها في سورية من بعد عام 2011 كما يراها مراقبون فإنها قامت بتحويل سورية لمكب نفايات لظاهرة الجهاد العالمي بعد أن فشلت بتحقيق ذلك في العراق كونها تلقت ضربات قوية ومؤلمة بسبب انتشار قواتها هناك في ذلك الوقت مما أجبرها على تخفيف حجم قواتها هناك وحصرهم في ثكنات محمية براً و جواً ولكنها في سورية استطاعت أن تقطع شوطاً كبيراً في ذلك المسار كونه لا يتواجد قوات امريكية على الأرض لا بل إنها استطاعت ومن خلال المتطرفين الارهابيين الإسلاميين الذين غضت الطرف عن وصولهم لسورية عبر الحدود العراقية.

لا بل إنها أيضاً ومن خلال مراكز الدراسات والأبحاث التي تمتلكها الإدارة الأمريكية وتديرها فإنها رويداً رويداً جاءت بتهمة الإرهاب إلى الثورة السورية مستخدمة المتطرفين (تنظيم داعش الإرهابي ومن لف لفيفهم) كذريعة من أجل التدخل في سورية لمنع سقوط النظام الذي أصبح مجرد ميليشيات مبعثرة حيث قامت بتشكيل التحالف الدولي لقتال داعش وأعطت الضوء الأخضر لروسيا للتدخل وحماية النظام المتهالك الذي أوشك على السقوط في عام 2015.

إن الولايات المتحدة ومن أجل تحقيق مصالحها بعام 2014 شكلت التحالف الدولي لقتال داعش بمشاركة أكثر من ستين دولة ولم تلتفت إلى بيان جنيف ولا للقرار 2118 ولا للقرار 2254 وأيضاً لم تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن يسمح لها بذلك كما حصل في العراق إبان غزوه، فقد قامت بتشكيل تحالف دولي خارج مجلس الأمن من أجل غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين.

يذكر بأن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبعام 2015 تحدت كل الضغوط الداخلية التي مورست عليها من أقوى اللوبيات المتواجدة في واشنطن وهو اللوبي السعودي واللوبي الإماراتي واللوبي الإسرائيلي وضربت بتلك اللوبيات وبضغوطها عرض الحائط وأبرمت الاتفاق النووي مع إيران والذي كان من أهم شروطه ونتائجه منع سقوط النظام السوري من خلال الدعم المالي الذي حصلت عليه إيران بمناسبة ذلك الاتفاق والذي تم تتوجيه بالإفراج عن مئات المليارات من الدولارات المجمدة لإيران في البنوك الأمريكية والتي كان لها تأثير قوي بتمدد نفوذ إيران في العراق واليمن وسورية ولبنان والتي ساهمت بدعم نظام الأسد مالياً من الإفلاس الاقتصادي الذي كان سيؤدي لسقوطه بكل الأحوال.

إن السوريين من مختلف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم عندما نزلوا إلى الشوارع بعام 2011 (أطفال ورجال ونساء وشيوخ) للمطالبة بالإصلاح السياسي في البلاد وقليل من الحرية بعد أن تسلطت عليهم الأجهزة الأمنية لأربعة عقود خلت وحمل الكثير منهم الورود وأغصان الزيتون للتعبير عن سلميتهم وحضارتهم ورقيهم وأطلقوا الشعارات الوطنية التي تعبر عن وحدة الشعب السوري والبعيدة عن الطائفية وعن تهديم الوحدة الوطنية محافظة بذلك على النسيج الاجتماعي السوري.

فإن المجرم بشار الأسد نعتهم بالجراثيم ووصفهم وزير داخليته آنذاك بالموتوريين ووصفتهم أجهزته الأمنية والقمعية بالمسلحين والإرهابيين رغم انه وباعتراف رأس العصابة بشار الأسد مع إحدى الصحف الأمريكية قال إن الشهور الستة الأولى في بداية الحراك الشعبي كانت سلمية ولم يكن للسلاح أي وجود.

والآن وبعد عشرة سنوات ونيف فإن ما تم قتله من السوريين على يد نظام الأسد وحلفائه وميليشياته يفوق المليون إنسان واختفى أكثر من 250 ألف أخرون وأصبح أكثر من نصف سكان سورية ما بين نازح ولاجئ ومشرد وأصبحت الدول والمنظمات الدولية والحقوقية والقانونية تمتلك ألاف الوثائق المليئة بالأدلة على جرائم هذا النظام المارق وحلفائه وميليشياته من أجل مقاضاته مسائلته عنها ورغم كل  ذلك وعلى الرغم من فداحة الجرائم وقسوتها المرتكبة من قبل ذلك النظام المجرم ورأسه فإن بشار الأسد ما زال يتبرع في دمشق على سدة الحكم اليوم وبشكل مريح أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2011.

مما يتوضح لنا حقيقة مهمة وهي أن المجتمع الدولي المتخبط غير مهتم بكل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في سورية وغير آبه بمطالب الشعب السوري بالحرية والتغيير والديموقراطية والتحرر. وذلك من خلال إحجامه عن القيام بأي إجراء قانوني أو سياسي ملموس بحل المأساة السورية المستمرة وتحقيق أي نوع من العدالة والمساءلة.

مما يشير إلى أمر في غاية الخطورة على ما يبدو وهو أن العالم سيقبل تدريجياً بعودة نظام الأسد المجرم إلى الساحة الدولية والمجتمع الدولي متناسياً ومتغافلاً عن كل جرائمه الوحشية وانتهاكاته التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

وما عودة نظام الأسد إلى منظمة الإنتربول الدولي والهرولة العربية إلى دمشق وغض الطرف الأمريكي عن ذلك والدعم الروسي المقدم له، إلا خطوات في ذلك الطريق ستتبعها خطوات أخرى كما اعتقد في المستقبل القريب وبالتالي فإن مسلسل سنوات الضياع المستمر في سورية منذ عشر سنوات سيتبعه أجزاء أخرى ربما تمتد لسنوات توازي الجزء الأول منه.

هل سيستفيق المجتمع الدولي من سباته حيال العدالة الإنسانية في سورية، أم أنه شريك في هذه المأساة الإنسانية كما هو واضح؟.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل