يشهد الملف السوري تحركا سياسيا واضحا، تبلورت صورته عقب اللقاءات التي أجراها الملك الأردني عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي والروسي، وما تلا تلك اللقاءات من حديث عن تقديم الأردن ورقة حل للأزمة في سوريا، تقوم على نقاط عدة أبرزها العمل على تغيير سلوك النظام في سوريا، لقاء تخفيف العقوبات عنه وإعادته إلى محيطه، والتي ترجمت سريعا بلقاءات بين مسؤولي النظام ونظرائهم العرب.
التحرك الأردني السياسي في الملف السوري تزامن مع آخر في الشمال السوري، والذي تمثل بقمة سوتشي حيال شمالي سوريا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي يعتبر صفري النتائج حيال التصعيد في الشمال السوري، وترافق تحرك الأردن وتركيا مع رفع واشنطن يدها عن تأييد الأتراك في الشمال بمواجهة الروس.
الموقف الأميركي يربك حسابات الأتراك في إدلب وروسيا تستغله للتصعيد
اللافت في التحرك الأردني أنه لم يتطرق للدور التركي في سوريا سياسيا ولا عسكريا، رغم أنه تطرق لدور واشنطن وإيران وروسيا، لكن غياب الأتراك عن هذا التحرك، وما تلاه من مواجهة تركيا منفردة وتطورات على حدودها الجنوبية، أثار تساؤلات حول طبيعة التسوية الأردنية المقترحة والتي لاقت ترحيبا أميركيا وروسيا، ووصفها البعض على أنها بداية محاصرة أنقرة في سوريا، سياسيا في المرحلة الأولى.
روسيا صديق لحصار الأتراك
تغير الموقف العربي من التدخل الروسي في سوريا بشكل كبير في الأعوام الثلاثة الماضية، لا سيما أن كثيرا من تلك الدول لم تتطرق إلى الجرائم التي ارتكبتها روسيا في سوريا، واكتفت باتهام نظام الأسد، لكن اليوم بعد التحرك الأردني يبدو أن التوافق العربي مع روسيا أضحى نقطة فاصلة، فالرؤية العربية الجديدة التي صاغتها عمان تتوافق كليا مع روسيا، لا سيما في مسألة الوجود الأجنبي في سوريا، ومسألة تعويم نظام بشار الأسد.
وحيال هذا اعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، أن الانفتاح الأردني على نظام الأسد جزء من توجه عربي لإعادة التطبيع مع نظام الأسد، فبعد 10 سنوات من الصراع، يجد العرب أنفسهم مهمشين تماما، بينما قوى إقليمية استفادت من تهميشهم لتعزيز دورها كتركيا وإيران، لذلك يعتقدون أن الانفتاح على الأسد قد يساعدهم على العودة مجددا إلى سوريا وإضعاف التأثيرين التركي والإيراني.
ويضيف علوش، أن كثيرا من الدول العربية لا تتعاطى مع الدور الروسي في سوريا على أنه مشكلة لها بقدر الدورين التركي والإيراني، وتعتقد أن هذا الدور يمكن أن يساعد في تهميش الإيرانيين والأتراك، وهي ترى بأن موسكو بحاجة لدور عربي في سوريا يعيد الشرعية لنظام الأسد ويساهم في إعادة الإعمار، وأن إيران شريكة منافسة لروسيا على النفوذ ولديها تأثير كبير على النظام. لذا سيكون من غير الواقعي الاعتقاد بأن روسيا قادرة بالفعل على إضعاف الدور الإيراني بصورة كبيرة.
فيما اعتبر الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن الدول العربية لا تمتلك الأدوات لإخراج تركيا من سوريا أو محاصرتها، لكن تطابق الرؤى بين الدول العربية وروسيا بشأن الملف السوري، سيجعل من موقف أنقرة محصورا، أو على أقل تقدير يمكن القول إن نقاط القوة التي بيد تركيا ستقل، أمام التوافق العربي الروسي حول دورها في سوريا، وذلك لا يمكن أن يتحقق دون الضغوط التي تمارسها الدول العربية على واشنطن بشأن هذا الملف، والتي قد تكون بوابة لإطلاق يد روسيا في سوريا بشكل أكبر بمباركة أميركية، مشيراً إلى أن تصريحات المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا حول موقف واشنطن من درعا سيجعل روسيا تفتك بالشمال نتيجة غياب الموقف الأميركي.
تركيا وحيدة
تصريحات الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، وقوله إن لأنقرة الحق في التدخل في سوريا كما روسيا والولايات المتحدة، مثلت ردة فعل تركية على التحرك الجديد الذي يقصي تركيا من المشهد السوري، لا سيما أنها طرف ضامن في كثير من الاتفاقات، وتمتلك قوات عسكرية في شمال غربي سوريا، فبعد قمة سوتشي التي لم تتوصل إلى تفاهم جديد، تواجه تركيا التحرك الروسي في الشمال منفردة، بعد غياب الدور الأميركي في المنطقة، وهذا على خلاف ما جرى في معركة إدلب الأخيرة، التي شهدت اصطفافا أميركيا خلف تركيا التي تحركت عسكريا عبر عملية درع الربيع.
وهنا يرى علوش، أن تركيا هي جزء رئيسي من منصة أستانا ولديها وجود قوي على الأرض، لكن موقفها يضعف في ظل التحولات الدولية في مقاربة الحالة السورية، لذلك ستكون مضطرة للتكيف مع هذه التحولات لضمان مصالحها لاسيما أن كثيرا من الغربيين لم يعودوا معنيين بإسقاط نظام الأسد.
وأشار في حديثه إلى أن قمة سوتشي الأخيرة لم تكن لها نتائج واضحة بخصوص إدلب على الرغم من تأكيد الطرفين على استمرار التهدئة، مضيفاً: “هذا التوافق مهم لكنه لا يعني بالضرورة اتفاقا على بقاء الوضع الراهن من دون تغييرات، فالخلافات الروسية التركية حول سوريا ليست خفية، لكن الطرفين يريدان المضي في التعاون القائم بينهما بالنظر إلى تداخل المصالح في قضايا دولية عديدة، في نفس الوقت، تسعى موسكو وطهران إلى تحجيم التأثير التركي في المعادلة”.
تبقى الرؤية الأردنية الجديدة التي باركتها واشنطن رهن اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن، فالقمة المقبلة بين الطرفين وما سيخرج عنها بشأن سوريا سيقوي موقف أنقرة في الملف، وربما ينسف الرؤية الجديدة التي على ما يبدو لا تحظى بتأييد تركي، لكن مخرجات قمة الرئيسين وما سيقدمه بايدن لنظيره التركي في الملف السوري ستكون مفصلية أمام التحركات السياسية الجديدة بشأن سوريا.
عذراً التعليقات مغلقة