جدوى القانون الدولي في ظل غياب القوة التنفيذية

وعد القاضي26 سبتمبر 2021آخر تحديث :
وعد القاضي

من البداهة أن يكون الهدف من وضع القوانين وصياغتها وتقنينها، هو تطبيقها  بعدالة على جميع المخاطبين بها، وعلى المشرعين أن يأخذوا هذه النقطة بعين الاعتبار ويعملوا أثناء صياغتها وتقنينها على وضع آليات تضمن تطبيقها بجدية، وإلا غدت هي والعدم سواء.

وتنسحب هذه القاعدة على جميع أفرع القانون بما فيها القانون الدولي، على أنه وأمام الانتهاكات التي تطالعنا بها الأخبار يومياً, خاصة تلك الانتهاكات التي تندرج تحت طائلة القانون الدولي بفرعيه (القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان).

يطفو على السطح تساؤل مهم حول جدوى هذا القانون ومصير قواعده التي وضعت لتحترم, هذا الاحترام الذي لن يتحصل إلا بوجود قوة تنفيذية قادرة على فرض هذه القوانين بكل الوسائل بما فيها القوة المشروعة إذا اقتضى الأمر, وصولاً إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين الذين وجد القانون الدولي أصلا لإرسائهما في هذا العالم.

فقد قامت هيئة الأمم المتحدة في الأساس لحفظ السلم والأمن الدوليين, وهذا ما أكد عليه ميثاق سان فرانسيسكو المؤسس لها، وعلى هذا تم تقنين القانون الدولي ليكون أداة بهدف الوصول إلى تحقيق هذه الغاية, لكن الممارسات الدولية تؤكد يوماً بعد يوم أن هذا المبتغى ظل حبراً على ورق كما ظلت المدينة الفاضلة, وحلماً مثالياً كـ “أحلام يقظة الشعراء”.

حيث أن المحاولات الدولية لتطبيق قواعد هذا القانون على المخالفين تصطدم واقعياً بالكثير من العوائق التي لم يتم معالجتها حتى نظرياً, فغالباً ترفض الدول الانصياع لقواعد القانون الدولي متذرعة بمبدأ السيادة على أراضيها وعدم السماح بالتدخل بالشؤون الداخلية للدولة.

وعلى الرغم من التطورات التي عرفها ويعرفها القانون الدولي في اتجاه الحد من مبدأ سيادة الدول من سيادة مطلقة إلى سيادة مقيدة، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان التي يعالجها القانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا أن الممارسة تُبين أن الدفع باحترام السيادة وعدم التدخل في الأمور الداخلية للدول، ما يزال يُشكل مانعاً واقعياً أكثر منه قانونياً أمام إنفاذ قواعد القانون الدولي على مستوى الأنظمة القانونية الداخلية للدول .

وتشهد الآليات الموكل لها تطبيق القرارات الدولية ضعفاً واضحاً, فكثيراً من الأمثلة الواقعية أظهرت أن القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة أو مجلس الأمن مثلاً, تم الالتفاف عليها وأحياناً عدم الالتفات إليها من قبل الدول المخاطبة بهذه القرارات,  وحتى التحقيقات الدولية غالباً لا تستطيع الوصول للمعلومات والغاية المرجوة منها، وإن فعلت وأصدرت نتائج تحقيقها فلا يتم ترتيب أي آثار قانونية عليها.

كما أن الآلة القضائية المتمثلة بالمحكمة الجنائية الدولية والتي من المفترض أن تمثل القوة الأفضل في سبيل إنفاذ قواعد القانون الدولي، نجدها تعاني هي الأخرى واقعياً من الكثير من العقبات, وأهمها عدم مصادقة كثير من الدول على النظام الأساسي المنشئ لها، ويبقى التملص من إعمال القانون الدولي سيد الموقف.

وبعد كل هذا نعود للتساؤل .. ما قيمة هذا القانون وما هو مصيره؟

وعليه أقول: بدون قوة تنفيذية قادرة واقعيا على إجبار الدول على احترام القواعد التي نصت عليها القوانين الدولية, ومعاقبتها عند المخالفة والانتهاك, إن هي لم تلتزم بها بموجب إرادتها الحرة، فسوف يبقى هذا القانون لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به.

أما الحل والهدف المرجو، فلن يكون إلا بإعادة تشكيل هيئة الأمم المتحدة  وإعطائها كامل الحرية دون هيمنة دولة أو عدة دول عليها، وأن تكون مهمتها تطبيق القانون الدولي فحسب، وأن تكون مدعومة بقوة عسكرية تمثل قوة تنفيذية, مُشكَّلة من الدول الملتزمة بإنفاذ هذا القانون.

وأن تكون هذه القوة مستقلة تتلقى أوامرها وتنفذ مهمتها بموجب قرارات من مجلس الأمن الذي يجب أن يلغى منه ما يسمى حق النقض الفيتو (هذا الحق الذي أثبت الواقع أنه يعيق تطبيق القانون الدولي بدلاً من إنفاذه، وبالتالي إضعاف قيمته واحترامه بدلاً من تقويته ودعمه وإعطاءه كثيراً من الهيبة).

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل