يسعى جميع السوريين إلى الخلاص وانتهاء “الكابوس الأسدي”، سواء أكانوا في الداخل أم من الذين هاجروا قسراً أو بمحض إرادتهم نحو بلدان جوار سوريا، وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي؛ هذا ما نتج عن الحرب الطاحنة التي حرّك حجر رحاها بقسوة نظام الأسد وحلفاؤه ضد الأبرياء المدنيين، لمجرد أنهم طالبوا بأبسط حقوقهم الإنسانية!.
ولم تقتصر الحرب على التهجير والتغيير الديمغرافي المتعمّد، والذي تنتهجه إيران، الحليفة الأولى لبشار الأسد ونظامه، إنما وصلت الأمور (كما شاهد العالم) إلى استخدام أشد الأسلحة العسكرية فتكاً، والمحرّمة دولياً (الكيماوي) دونما حراك أية جهة قانونية عالمية أو قوى دولية غربية لإيقاف المقتلة السورية، ومحاسبة الجناة ومنتهكي حقوق الإنسان في سوريا!
علاوة على الدمار الإنساني الذي أحاق بالسوريين، وفي السياق ذاته، أصبح الاقتصاد السوري يحتاج إلى نسّاج ماهر لرتقِ ثقوبه الواسعة: فقدان الغاز، وانقطاع الكهرباء، وغلاء المواد الأساسية الغذائية، منها الخبز والخضروات .. إلخ، من متطلبات الحياة اليومية، ولا نيّة لنظام الأسد وحلفائه في أن يدعموا السوريين في الداخل، أو يحسّنوا معيشتهم؛ فهم يعمدون إلى إذلال المتبقي من السوريين، وإفقارهم، ونهب ثرواتهم بشكل يومي.
فبشار الأسد عقد صفقات مربحة على حساب الدم السوري، وتنازل عن ثروات أساسية في البلاد، لإيران وروسيا، مقابل وجوده، أو إن صح التعبير “هي أثمان وفواتير” على بشار دفعها ليس من رصيده المتراكم في بنوك سويسرا وأوروبا، إنما من مقدرات السوريين، المنهوبة فعلياً منذ حُكم عائلة الأسد عام 1971- أي خمسون عاماً من اللصوصية وسرقة البلاد- ولم تكتفِ هذه العائلة بذلك، لكنها جَنحتْ إلى دق أعناق السوريين وقتلهم، وتهجيرهم!.
بعد أن أدّى بشار الأسد ” اليمين الدستورية”، وأصبح “رئيساً بالضرورة” من جديد، عبر انتخابات صورية ومزوّرة، شكّل الأسد حكومة جديدة، برئاسة حسين عرنوس، وكانت أولى منجزات هذه الحكومة، هي منع استيراد ما يقرب من عشرين سلعة، غذائية وإلكترونية، إضافة إلى الحافلات الخاصة والعامة، بموجب قرار صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، موجّه إلى وزير الاقتصاد السوري؛ ولضرب رفاهية الشعب السوري، وحرمانه من الترف الزائد، والدلال المفرط، كان “الكاجو والزبيب والجوز، واللوز، وجبنة الشيدر” من المواد التي تضمّنها القرار، فضلاً عن أجهزة “التدليك-المسّاج”، التي كان يستخدمها السوريون في الصباح والمساء، بسبب قلّة الحركة، لكونهم لا يحتاجون إلى عمل، فحكومة الأسد ومؤسساتها تقوم بتأمين كافة مستلزمات المواطنين إلى منازلهم!
أما عن منع استيراد “عدادات النقود”، فهذا قرار صائب وضروري، حيث إن المواطن السوري يتعامل بالبطاقة الذكية، ولا يحتاج إلى “حثو” النقود وعدّها، كباقي الشعوب المتخلّفة، فشركة “تكامل” التي يملكها “مهند الدبّاغ” ابن خالة أسماء الأسد، تعمل على تطوير تكنولوجيا محلية تتماشى مع رفاهية السوريين وتطورهم في ظل حكم “آل الأسد”!
يرى كثير من السوريين في الداخل أن نظام الأسد بمؤسساته قادرٌ على تغيير الوضع الاقتصادي المتهالك، ومنهم من يأمل في التغيير السياسي، دون الأخذ بالأسباب الرئيسة والنظر فيها؛ بأنّ نظام الأسد بات تابعاً ومنفذاً لأوامر أسياده (حلفائه)، وكلا الحليفين الروسي والإيراني لبشار الأسد، لا يريدان ولا يقبلان قطعاً تسوية الأمور في سوريا، إلا عبر مصالحهما، وهذه المصالح تتضارب، وقد وصل الأمر بالروس إلى السعي لتقويض النفوذ الإيراني، كأحد المطالب المُلحّة لـ “إسرائيل”، فضلاً عن أجندات موسكو، التي ترى أن الوجود العسكري الروسي في سوريا، والاستثمار الاقتصادي، هما عاملان مهمان للتوازن الإقليمي، ولمناكفة الولايات المتحدة الأميركية كي تكسب روسيا نقاطاً إيجابية في ملفات خارجية، منها الملف الأوكراني الذي يعتبره الروس مسألة عضوية في جسد الأمة الروسية!
بالتالي، لن يجلب المحتل سوى الخراب، ومهما كان التعويل على الروس في تهدئة الأمور من قبل بعض رجالات المعارضة (منهم في الداخل)، وشرائح من السوريين، الذين قبلوا وهلَّلوا وتغنّوا بالتدخل الروسي، ستؤول الأحوال إلى الأسوأ، وهذا ما شهدناه، وعرفناه منذ عام 2015، آنذاك عندما تدخلت القوات الروسية عسكرياً، وقتلت الأبرياء، ودمرت المشافي – بعض الغارات كانت عقب تسريب الأمم المتحدة لإحداثيات نحو 235 موقعاً في نهاية عام 2018، منها مدارس ومرافق صحية ومدنية في إدلب!
في حصار مدن محافظة درعا، يشهد الأهالي هناك تصعيداً عسكرياً من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية، بالتزامن مع الوضع المعيشي السيّء، وفقدان كافة مقومات الحياة، أهمّها المياه والكهرباء؛ هناك الروس لا يفعلون شيئاً سوى تمرير مصالح وأجندات تدعم نفوذهم، إضافة إلى محاولات عديدة لكسر شوكة المعارضة المسلحة، وعزيمة وجهاء درعا، كمطلب أساسي لنظام الأسد يفضي بحسب نواياهم إلى السيطرة على كافة مدن المحافظة، وهي مهد الثورة السورية التي أسقطت أقنعة كثيرة، وكشفت للعالم وحشية وإجرام ما يسمّون أنفسهم قادة سوريا!
يرتبط الاقتصاد طبعاً بالحرب أو السلم، وهذا ما جرى في سوريا، حيث انهارت الليرة السورية إلى حدٍّ بعيد، وصار المواطن السوري يحلُم بالفرار خارج بلده، والهجرة إلى دول آمنة، تؤمن له ولأبنائه معيشة كريمة، وتحميه من الذل، والموت من قبل أجهزة الأمن الأسدية.
وعليه، نجد أن “شعار الأمل بالعمل”، الذي أطلقه رأس النظام بشار الأسد خلال “حملته الانتخابية”، لن يتحقق إلا بعد خمسين عاماً على الأقل، هذا إن ذهبت هذه الزمرة القاتلة (نظام الأسد) وخرجت الاحتلالات جميعها، والميليشيات بأقرب وقت، وعاد السوريون إلى وطنهم، وعملوا على بنائه وترميم أرواحهم المكلومة وقتها، ستكون هناك أجيال سورية غير أجيال الحرب، تقرأ في كتب التاريخ “الحقيقي” أن عائلة وضيعة وعميلة حكمت سوريا، وجعلت منها يوما ما أسطورة للخراب، وحكاية حزينة يرويها الأجداد لأحفادهم قبل النوم.
Sorry Comments are closed