تناشد والدة الطفلة “نهلة عصام عثمان”، الجهات الإعلامية التي تتواصل معها للكشف عن حقيقة ما جرى مع الطفلة قبل وفاتها، بأن ينقذوا بقية أطفالها الذين يُعانون من ذات الحالة في قفص وسلاسل من قبل والدهم في مخيم “فرج الله” في بلدة كللي شمال محافظة إدلب شمالي سوريا، وسط تعدد الروايات حول حقيقة الأمر.
وتطالب وليدة محيميد، عبر حديثها مع شبكة “آرام” بمساعدتها في إخراج أولادها من المخيم وإيصالهم لها حيث تقيم في تركيا، كي تُعالجهم من أمراضهم الجسدية والنفسية، لا سيّما محاولة أبوهم ومحيطهم إكراههم لها بعد أن تركتهم، فهي ممنوعة من التواصل معهم.
وتضيف أم نهلة، أنَّها قلقلة جداً على مصير أطفالها بعد وفاة “نهلة”، كي لا يكونوا ضحية مثلها، إضافة إلى قلقها على ابنها “محمد” المفقود نتيجة شكاوى أهل بلدتهم كفرسجنة جنوب إدلب عليه، لوالده بأنّه يسرقهم.
وتقول: “أطلب منكم زيارة أولادي للاطمئنان عنهم، كيف يعيشون حالياً، وكيف تعاملهم زوجة أبيهم وهو موقوف عند الشرطة، حيث أخبروني بأنَّ زوج ابنتي يجلس عندهم في غياب والدهم، لكني لم أعد أثق بأحد بعد وفاة نهلة”.
زواج القاصرات
“وليدة” المنحدرة من قرية معرة حرمة جنوب إدلب، لديها من “عصام” ثمانية أولاد وهم: “محمد” الذي هرب من قسوة والده عام 2012 وما يزال مجهول المصير وحالياً عمره 21 سنة، ولديها ابنتين متزوجتين (هبة ورهام) تقيمان في مخيم آخر، وابنة مطلقة (حميدة 15 عاماً)، وابنتين (رهف 13 عاماً ولينا 12 عاماً) والطفل عبودي تسع سنوات، وكانت الضحية “نهلة” أصغرهم (5 سنوات).
تفيد الوالدة بأنَّ زوجها يزوّج بناته منذ سن مبكر جداً، ولا يهتم بأي شيء فابنتها “حميدة” تطلقت من زوجها لكونه لديه خلل عقلي فهو شبه “أهبل”، لافتة إلى أنَّها قلقة على ابنتها منه كونه يعيش في ذات المخيم. على حد وصفها.
وتذكر “أم نهلة”، “منذ زواجي من عصام عثمان تعرّضت للضرب منه، وكنت أمضي أوقات عندي أهلي هرباً منه، وأولادي أصابتهم عقدة نفسية نتيجة المعاملة القاسية وحرمانهم من الطعام والشراب، وبسبب الجوع كانوا يحاولون سرقة الطعام أو طلبه شحادة من عند الجيران، فهم أطفال يريدون أن يأكلوا ليعشوا فقد أمضوا حياتهم تشرد وجوع وتعذيب”.
وتردف “أنا خلال حياتي مع عصام كنت أعمل في فلاحة الأرض أو قطاف الشفلح والزيتون والتين، أو العمل في ورشات، وذلك كي أؤمن مصروف الأولاد من طعام ولباس، وكان طليقي يأخذ مني جزءاً من النقود التي أجنيها من تعبي، وإن أردت شراء ثياب فيكون بدون علمه”. وفق قولها.
وتتابع “مرة منعني من شراء شبشب (شحاطة) لابنتي، وطلب مني أن أفصله بيدي، وكان نتيجة البخل كلما فتحنا معه موضوع المصاري يصرخ وتجتمع أهل البلدة علينا، وكل من يقول أن الحق مع طليقي وليس معنا، فالله سيكشف الحقيقة، والإسلام بريء من (عصام) ويجب إعدامه على أفعاله”.
وتوضح “بعد أن طلقني أول مرة تزوج أخرى لكنها لم تستطع العيش معه فطلقها، ولم تنجب أطفالاً منه، وخلالها هرب ابني (محمد)، وبعد مرور عامين رجعت إليه كي أربّي أولادي، لكنَّه استمر بضربي وإهانتي إلى أن خرجت إلى تركيا، فتزوج الثالثة الموجودة عند الأطفال حالياً”.
شهادة دكتور البلدة
قال الدكتور محمد السعيد ابن بلدة كفرسجنة في تسجيل صوتي وصل لـ”آرام”: إنَّه “كان على اطلاع على حالة مرض أطفال عصام عثمان، وأفعالهم من سرقة وشحادة نتيجة ضيق الحال، إضافة إلى قيامه بحبسهم في البيت وتربيطهم عندما كان في منزله، لكن لا نعلم عنه شيئاً في المخيم”. دون ذكر اسم المرض سوى أنه “وراثي”.
وتعليقاً من أم نهلة قالت: إنَّ “د. السعيد كان يعالج أطفالي في بلدة كفر سجنة مجاناً وساعدنا لأنّنا فقراء، وفي إحدى المرّات تعرّضت لطعنة بسكين منه نتيجة خلاف بيننا، وقام السعيد بتقطيب جرحي، وأخبر حماتي: الويل لولدك من الله .. هذا ليس برجل!”.
ولفتت إلى أنَّ الطبيب هو الشخص الوحيد الذي وقف معها ومع أولادها خلال وجودهم في كفر سجنة، وأهل البلدة لم يقفوا معها، ولا مع الأولاد، مضيفة: “فلو أوقفوه عند حده لما هرب ابني وماتت نهلة واضطررت للطلاق والهروب إلى تركيا”.
تقرير الطبّ الشرعي
جاء في تقرير الطبابة الشرعية حول وفاة نهلة، “لا يظهر على الطفلة أي آثار تعذيب أو ضرب حديث، لا يوجد أي كسر عظمي أو رضوض، يوجد آثار حروق وجروح شفيت منها، يوجد جروح ناتجة عن مرض فطري، وقد أكد أهالي البلدة أنها تعاني من أمراض جلدية، سبب الوفاة توقف القلب والتنفس نتيجة تثبيط تنفسي واستنشاق بقايا طعام”. وفق الإعلامي “ميلاد فضل”.
وأيضاً: “كل ما ظهر من جروح أو حروق قديمة لا تؤدي إلى الوفاة عادةً، وتم فحص الجثة بعد أن مضى على الوفاة ٢٤ ساعة، ووفقاً لرسالة صوتية للدكتور من الطبابة الشرعية: لا يوجد آثار ربط أو جنزير حول اليدين لكن يوجد آثار جنزير حول القدمين، لا يوجد أدلة على جسد الطفلة تدل على قيام الأب بعملية تعذيب لها، وإنَّما يتحمّل الأب مسؤولية إهمالها”.
رواية من كفرسجنة
نشرت صفحة “كفر سجنة اليوم” والإعلامي علي العيسى وتداوله آخرون، منشوراً يقول: إنَّ “الطفلة نهلة العثمان ابنة كفر سجنة وإخوتها لديهم تخلّف ومرض عقلي، ما أدى إلى فقدان الشعور والإحساس لديهم (أحد الأطفال كان يمدّ يده على الزيت المغلي ويأخذ قطعة مشبك ليأكلها، وطفل آخر يُقبِّل المِدفأة وهي مشتعلة دون أي إحساس بحرارتها)”.
ويتابع أنَّ “هناك نزعةً لدى الأطفال بإيذاء الآخرين وقد تصل بهم إلى حدود السرقة، وهناك حالات كثيرة حصلت ويشهد عليها أهالي البلدة قبل نزوحهم الأخير”، ولاقت هذه الرواية انتقادات من قبل المعلقين الذين اتهموا الصفحة بالكذب لتبرير جريمة الأب، وأنَّ حالتهم للأطفال لا تبرّر تقيدهم بالسلاسل والأقفاص.
بدورها عضو اللجنة المصغرة في اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني الصحفية إيلاف ياسين قالت لـ”آرام”: إنَّ التهمة التي لا يجب السكوت عنها لوالد نهلة هي: “الربط بالجنازير، والحبس في قفص، والإهمال الذي أفضى للموت كنتيجة، سواء بتنفس بقايا طعام أو بسكتة قلبية”.
وحذرت من مصير مجهول أو مماثل ينتظر أشقاء نهلة الأربعة، إن لم يبادر أحد بمساعدتهم، مشيرة إلى نقاط أولها: وجود مشكلة مجتمعية هي “الدفاع عن الجناة”، فالتبرير للجاني بأنَّه محقّ بسبب المرض والجوع والفقر، غير عقلاني، فمعظم السوريين يعانون من هذه الأمور، ولم تؤدي إلى قتل الأولاد وتعذيبهم.
وأضافت أنَّ “السلطات المحلية يبدو تتعامل بطريقة مماثلة لنظام الأسد عبر حماية العاملين معها إذا ارتكبوا جرائم، بينما النقطة الثالثة هي عدم مصداقية تقرير الطب الشرعي، لرغبة أهالي البلدة بإنهاء القصة وتبرئة الوالد”.
وفي ختام حديثها تطرقت “ياسين” إلى آخر إحصائية تفيد بوجود 800 ألف طفل سوري أيتام، وبالتالي سيكونون بمثال قنابل موقوته بوجه السوريين، إذا استمر التعامل مع الأطفال بهذا القدر من الإهمال.
من جهته، مسؤول قسم المشاريع في منظمة “UOSSM DER”، أحمد المصطفى، كتب في صحفته على فيسبوك: “مهما كان السبب وإن صحت الرواية فهذا فعل لا غفران به إطلاقاً، فنحن نتابع حالات فرط النشاط الحركي والتخلف العقلي في مركز إدلبSNR التابع للمنظمة.
وأضاف “حسبما شاهدت الطفلة واعية متجاوبة ولا علامات من التخلف العقلي أو فرط النشاط الحركي كما هو واضح، وإن صحت فرضيات ناقلي المنشور العكسي، فسبب توحش الأطفال هو حكماً سوء المعاملة والتربية والرعاية الخاصة من قبل الوالد والخالة زوجة الأب فالأطفال بحاجة لإعادة تأهيل ودمج حقيقي بالمجتمع”.
وصباح اليوم الجمعة، ذهب “المصطفى” إلى مخيم “فرج الله” وقابل أشقاء “نهلة”، وتحدثت الطفلة “لينا” عن مرض نهلة وأنها كانت لا تشعر بأطرافها ويجعلها أطفال المخيم أضحوكة لهم.
وكان الإعلامي أحمد الرحال، الذي صوّر المقطع للطفلة ونشره بعد وفاتها، قد بيّن أنَّه أبلغ الجهات المعنية لمتابعة أمر نهلة، وأنَّه لم يكن مخولاً بنشر الفيديو.
صورة متداولة لقفص نهلة في مقر الشرطة المحلية
عذراً التعليقات مغلقة