انطلقت من كل شارع ومن كل حي، هتفت بشعاراتها وتغنت بأغنياتها الشجية الجميلة كل حناجر السوريين، لم تكن حكراً على أحد، ولم يستطع أحد أن يحتكرها لنفسه، انطلقت من درعا إلى بانياس إلى حمص إلى القامشلي إلى حماة إلى الميادين إلى الغوطة إلى عامودا إلى جبل الزاوية إلى الباب إلى … إلى كل زاوية وكل شارع وكل حي وكل قرية وكل بيت على امتداد سوريا الحبيبة.
وما زالت شواهد قبور قامات وهامات ثورية نجوماً تتلألأ في سماء الثورة السورية، وأعتذر عن التوصيف لكن لا بد منه بعد أن استشرى سرطان التقسيم في جسد الثورة، إلى حد لا يطاق أبداً.
الشهيد مشعل تمو الكردي، الشهيدة مي سكاف المسيحية، الشهيدة فدوى سليمان العلوية الشهيد غياث مطر المسلم، الشهيد ناجي الجرف الإسماعيلي، الشهيد الشيخ الفدعوس الدرزي. هذه هي حقيقة ثورة الحرية و الكرامة، ثورة الشعب السوري بكامل أطيافه. هذه الثورة التي لو نجحت لغيرت واجهة المنطقة والعالم، وستنجح بإذن الله مهما طال الزمن.
لا شك أن سكين النظام هي التي ذبحت الثورة وذبحت أطفالها ونساءها وشيوخها وشبابها، لكن تلك السكين لم تكن تزدنا إلا محبة وألفة، فيما بيننا، كنا نشعر بآلام تلك السكين أينما غرزت في جسد أي سوري، بعيداً عن أي توصيف آخر.
عندما عجز النظام الأسدي مع النظام العالمي عن كسر إرادة الثورة، كان لا بد من الإلتفاف عليها، واختراق فكرها، فلم يجدوا أفضل من الثوب “التكفيري” الإقصائي.
و بالفعل نجحوا أيّما نجاح وبزمن قياسي، فسكين نظام الأسد التي حاولت تمزيق الثورة، بين الأكثرية المسلمة وباقي مكونات الشعب السوري، إلا أن سكين “المتأسلمين من الدواعش ومن لف لفيفهم” كانت الأخطر فهي السكين التي قسمت الكتلة المسلمة السنية إلى ألف كتلة وكتلة من دواعش ونصرة وجند أقصى ومرتدين وكفرة و… بل إن التقسيم دخل إلى كل عائلة و بيت، وأصبح الأخ عدو أخيه. وإذا كانت سكين نظام الأسد المجرم جعلت من كل عائلة مشتتة في بلدان شتى، فإن سكين المرنزقة التكفيرين مزقت العائلة الواحدة.
قبل أن يأتي “الدواعش” كنا ثورة واحدة، كنا جيشاً حراً واحداً، كنا شعباً سورياً واحداً، وعندما جاء شذاذ الأفاق أصبحنا ألف فرقة وفرقة. ثم جاء الأمريكان بسكين أخرى، عندما تبنوا شذاذ الآفاق من الفصائل المسلحة الكردية ـ والأكراد اخوتنا ـ لكي يرسموا جرحاً آخر في جسد الشعب السوري المتهالك، عربي وكردي. مع اليقين المطلق أن كل تلك السكاكين كانت بيد النظام المجرم وحلفائه من النظام العالمي لتمزيق و قتل جسد الثورة السورية المباركة.
السؤال المؤلم والمخيف اليوم: يا ترى لو رحل نظام الإجرام الأسدي الآن، هل نحن قادرون على أن نعود كشعب سوري واحد؟
اعتقد أن الإجابة ستكون مرعبة، مع اليقين المطلق أن رحيل نظام الأسد هو خطوة تاريخية لسوريا وللسوريين، لكن لملمة جروح تلك السكاكين لن يكون أمراً هيناً على الإطلاق. مع اليقين أن أي يوم إضافي يعيش فيه نظام الأسد المجرم سيزيد من تلك السكاكين وسيزيد من تمزيق الجسد السوري، ويزيد الجروح والقروح.
رغم كل تلك الصفحة السوداوية الآنفة، لكن والحمد لله لا تزال الشريحة الكبرى من نخب ثورتنا وأهلنا على اختلاف ألوانهم الفكرية وأماكن تواجدهم الجسدية لا يزالون يحملون مشعل الثورة صافيا نقيا كما بدأناه أول مرة.
لا شك أن المسلمين السنة هم الذين دفعوا الفاتورة العظمى من شهداء و مهجرين ومعتقلين ودمار، لكن هذا لا يعني أبدأ أن ننغلق على أنفسنا، ونعادي العالم، بل يجب أن تكون قلوبنا مفتوحة إلى أي سوري وحتى لأي إنسان في هذا العالم الواسع لكي نكسبه مناصراً لثورتنا ثورة الحق والكرامة.
وليكن نصب أعيننا دائماً أن الإقصاء لا يخدم إلا نظام الأسد الطائفي المجرم. والديمقراطية أكثر ما تخدم الأكثرية.
الرحمة لشهداء ثورتنا المباركة، والحرية لجميع أخوتنا وأخواتنا المعتقلين والمعتقلات، والنصر لثورتنا المباركة بإذن الله.
عذراً التعليقات مغلقة