شهم سالم – حرية برس:
(تم إنتاج هذه المادة ونشرها بالتعاون مع حملة #لنحقق_العدالة)
يحاول أنور دفع باب التابوت عنه في كل ليلة يغرق بها في نوم غير هانئ منذ خروجه من المعتقل إثر اعتقال دام لسنتين جعل من تجاوزه للأضرار النفسية التي لحقت به أمرا بالغ الصعوبة ،حيث أن الكوابيس وذكريات التعذيب تلاحقه في كل ليلة ومع كل موقف وبعد كل شرود يتبعه زفرة حارقة ودمعة متساقطة وكلمات يحاول من خلالها رفع شكواه لله وحده بعد أن تملكه شعور العجز من تحقيق العدالة البشرية التي تمكنه من استعادة هدوئه الداخلي والعيش بسلام بعيدا عن الكآبة والحزن.
اعتقل (أنور محمد) وهو اسم مستعار من داخل مكتبه في مدينة إدلب بعد رحلة تهجير قسري من ريف دمشق إلى إدلب وذلك من قبل “هيئة تحرير الشام” التي ادعت تعاونه مع جهات أجنبية ليصل إلى سجن “العقاب” ذائع الصيت والموجود في جبل الزاوية جنوب إدلب ليعيش داخل كهوفه التعذيب بأشكاله المتعددة والتي كان أبشعها أسلوب التعذيب في التابوت على حد قوله والذي يعتبر زنزانة انفرادية ضيقة للغاية.
تعتمد طريقة التعذيب في التابوت بحسب أنور على وضع المعتقل داخل صندوق حديدي مستطيل تم تثبيته على الحائط ويتسع لشخص واحد وقوفا من دون إمكانية للحركة مع وجود جسم حديدي منحني يقابل منطقة الصدر ومثبت بطريقة تتيح للسجان شده لينطبق على صدر المعتقل حتى يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة ويتخلل أعلى هذا الصندوق شبك تُقَيَّدُ يدا المعتقل به عبر السلاسل ويدخل من خلاله القليل من الهواء ويبقى المعتقل في هذا المكان لعشرات الأيام بحسب العقوبة الصادرة في حقه.
لا يستطيع أنور أن يتجاوز هذا الأسلوب من التعذيب وخاصة في أثناء نومه إذ إنه غالبا ما يبدأ الاستنجاد وطلب المساعدة وهو غارق في نومه والعرق يتصبب من جبينه وهو يكرر كلمات مثل سجن، تابوت، شيخ، وغيرها من العبارات التي تأبى مغادرة عقله الباطن كما تتحدث زوجته التي تحاول مساعدته في نسيان هذه التجربة القاسية التي لا تدري كم من السنين ستبقى آثارها.
تحتاج مداواة الجروح النفسية وقتًا أطول من تلك التي قد تطال الجسد، إذ إنها تحفر في النفس عميقًا، ويؤدي تجاهلها لتفاقمها وصعوبة السيطرة عليها ما لم يتم التعامل معها بشكل صحيح يؤدي إلى تخفيفها أو تجاوزها كما تقول (سوسن العبد الله) وهي عاملة دعم نفسي اجتماعي ضمن مشروع خاص بالناجين والناجيات من العنف والتي تؤكد على أهمية التوجه مباشرة إلى اختصاصي نفسي في حالة التعرض للعنف أو النجاة منه، لأن رحلة العلاج من الممكن أن تأخذ وقت طويلا ومن الأفضل أن تبدأ مبكراً ليتمكن الناجي أو الناجية من التعافي بشكل أسرع وتخطي المخاوف والذكريات التي تلاحقهم.
وتؤكد (العبد الله) على ضرورة الامتناع عن مشاركة الأفكار والمشاعر إلا مع الاختصاصي النفسي، لأنه الوحيد الذي يحمل على عاتقه مسؤولية إخراج هذه الأفكار والمعاناة التي يمر بها الناجي/ة عقب الإفراج عنهم، ولا يجدر التحدث عن المعاناة والمشاعر مع باقي الأشخاص مهما كانت قرابتهم إلا بعد الوصول إلى مرحلة التعافي لأن ذلك قد يزيد الحال سوءا.
يختلف حال الناجي/ة من الاعتقال عند خروجه باختلاف أشكال العنف الذي يتعرض له، والانتهاكات التي طالته هل هي جسدية أم جنسية أم نفسية أم كلها معا وهل الناجي/ة ذكر أو أنثى، طفل أم بالغ، ففي حال كان الناجي من الأطفال يخرج فاقد للثقة بالنفس أكثر ويعاني من مشاكل نفسية أكبر وصعوبة في الاندماج مع أقرانه وعدم قدرته على الالتحاق بالمدرسة في أغلب الأحيان.
(عبدو وزيرة) طفل كردي من الطائفة الإيزيدية يبلغ من العمر ثماني سنوات وينحدر من منطقة عفرين شمال حلب لأب يعاني من مشاكل عقلية وأم مقتولة على يد “داعش” دفعته قساوة الأيام أن يجوب المناطق بحثا عن لقمة تقيه شر خالته زوجة أبيه وتضمن قدرته على العيش بعيدا عنها وعن والده الذي لا يدرك ما يدور حوله في معظم الأحيان لكنه كطفل لا يعي ما تعنيه الحدود الفاصلة بين منطقتين تخضعان لقوتين مختلفتين قادته قدماه إلى مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” شمال إدلب ليتم اعتقاله هناك من قبلهم بحجة كونه كردي إيزيدي من المحتمل أن يكون له ارتباط مع حزب PKK دون مراعاة سن الطفولة لديه.
أمضى (وزيرة) مدة نصف سنة داخل المعتقل تعرض خلالها للتعذيب بأساليب مختلفة بحسب روايته ورواية معتقلين كانوا معه في نفس الزنزانة كان من أكثرها تأثيرا عليه التخويف والتهديد بطريقة القتل التي يريدون قتله بها فيقول “كانوا يقولولي بدك تموت ذبح أو رمي بالرصاص أو سلخ اختار طريقة” وفي كل مرة كان (وزيرة) يفقد الوعي من شدة الخوف ما تسبب له لاحقا بمشكلة التبول اللاإرادي التي لازال يعاني منها ناهيك عن الشتائم ونعته بالكافر ابن الكفرة على الرغم من عدم إدراكه لأي معتقد من معتقدات ديانته وعدم تمييزه بين مسلم وغير مسلم.
تكفلت إحدى السيدات برعاية (وزيرة) بعد الإفراج عنه وفي الحديث إليها كشفت عن مدى الضرر النفسي والجسدي الذي ما زال يعاني منه الطفل من انتشار مرض الجرب في كامل جسده إضافة للتبول اللاإرادي ورغبته المستمرة في الموت بعد تعرضه لعنف جنسي وتحرش مستمر من قبل أحد السجناء كان له آثار واضحة على جسد الطفل مضيفة أنه ومن خلال عمليه الرسم التي حاولت استخدامها لتفريغ طاقات وأفكار (وزيرة) على الورق كشفت الكثير من الخفايا التي تحتاج لأخصائي قادر على تحليلها وتقديم المساعدة التي من الممكن أن تعيد تأهيل هذا الطفل ودمجه مع أقرانه ما دفعها للتواصل مع إحدى المنظمات الإنسانية التي تعنى بحماية الطفل وتحقيق وصول “وزيرة” إليهم وتلقي المساعدة.
بهذه الطرق وغيرها يدفع الناجي/ة ثمن اعتقاله مرات عديدة لا سيما لو كان المعتقل طفلا تنتهي بخسارته في أغلب الأحيان في حال لم يتم تقديم الدعم اللازم له من قبل العائلة والأقران والمجتمع إذ أن جزءا كبيرا من أزمة الاعتقال يتمثل بأن المجتمع في كثير من الأحيان يكون غير مساند وهو ما يكون له آثار متضاعفة ومتجددة.
عذراً التعليقات مغلقة