رزق العبي – حرية برس:
لم تعدِ الشام، كما كانت بأنهارها السبعة وحورها العين، بعد فرقة دهر، كما كان يراها نزار قباني، في قصيدة “هذي دمشقُ”، فقد تبدّل الحال بالشام والشاميين، على نحوٍ متوازٍ ولم يعد للنوافير في البيوتِ كلامٌ ولا العناقيد سكرها مطحونُ.
يقضي أبو محمد (47 عاماً) أكثر من 3 ساعات يومياً، أمام فرن العدوي بدمشق، للحصول على ربطة خبز (7 أرغفة)، لا تكفي وجبة فطور لعائلته المكوّنة من 4 أشخاص. فيما تحتفل “أم تالا” بشراء خمس سيارات بمبلغ فلكي في مزاد لبيع السيارات أقيم في العاصمة السورية مؤخراً.
يقول أبو محمد والحسرة تملأ عيونه، إنّ “دمشق أصبحت مدينة لا يطاق العيش فيها.. صرنا نكره أن يطلع الضوء ويبدأ نهار جديد، لأن معاناة جديدة تبدأ معه”.
حال دمشق لم يعد خافياً على أحد، فقد تحوّلت المدينة التي كانت “تحطيها غوطة غنّاء، أشبه بحزام أخضر من أشجار المشمش واللوز والجانرك ومساحات شاسعة بزراعات موسمية، لطالما كانت سلّتها الغذائية”، تحولت إلى سجن كبير يصعب على المرء تخيّل مرارة العيش فيه، وفق ما يقول سكّان العاصمة السورية.
الأسد يبرر
على الرغم من أنّ عمر الحرب في سوريا يقترب من العشر سنوات، إلّا أنّ عام 2020 كان العام الأسوأ على دمشق اقتصادياً على ملايين السكّان، والأوفر حظّاً ولو بطرق غير مشروعة على قلة منهم، فانتشرت مظاهر البؤس في شوارعها، وكذلك باتت تعرف بمدينة “الطوابير” في إشارة إلى وقوف سكّانها لساعات أمام محطّات الوقود وأفران الخبز للحصول احتياجاتهم.
وما بين قانون قيصر، وأزمة لبنان، تقاذف رأس هرم النظام السوري مسؤولية ما حلّ بالعاصمة دمشق من ضيق اقتصادي، إذ اعتبر أن “حجب مليارات الدولارات من الودائع لدى رجال الأعمال السوريين في لبنان كان السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية في البلاد”. مقدّراً أن لدى السوريين ما بين 20 و40 مليار دولار في البنوك اللبنانية.
الأزمة على شراء الخبز، في دمشق وعموم المدن السورية، دفعت السفارة الأمريكية بدمشق، في وقت سابق، إلى القول: إن بشار الأسد أوقف دعم الخبز والمواد الأخرى من أجل تمويل آلته العسكرية لقتل الشعب السوري.
وأضافت عبر حساباتها الرسمية: يضطر الشعب السوري للوقوف في طابور للحصول على الخبز لأن بشار الأسد أوقف دعم الغذاء و الوقود من أجل تحويل ملايين الدولارات كل شهر لتأجيج آلة الحرب ضد شعبه، الأسد يدمر سوريا.
انهيار الليرة
يتقاضى الموظفون في دمشق ما لا يزيد عن 100 ألف ليرة سوريّة في أعلى حدّ (قرابة 40 دولار أمريكي). في حين أنّ العيش بأبسط متطلبات الحياة يتجاوز الـ 400 ألف ليرة. يترافق ذلك مع انهيار قيمة الليرة السورية، التي تقترب من 3 آلاف ليرة لكل دولار واحد.
على الرغم من انتشار مظاهر البؤس والفقر في شوارع وحارات دمشق، إلّا أنّ صوراً ومقاطع فيديو تأتي من العاصمة التي يقطنها قرابة 5 مليون نسمة، وفق تقديرات غير رسمية، تتحدث عن حياة الترف والتخمة التي يعيشها قلة من سكّان العاصمة دمشق.
ترف على الضفة الأخرى
انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صورة تُظهر سعر صحن “شوكولا” بـ نصف مليون ليرة سورية في المزة بدمشق، أي ما يعادل مرتّب موظف عادي لـ 8 أشهر.
كما أنّ شراء سيدة تدعى ريم عدنان الطويل وتلقّب بـ “أم تالا”، خمس سيارات بقيمة نحو 1.5 مليار ليرة سورية، يعكس مدى الفجوة بين ملايين من السكّان يقضون ساعات للحصول على رغيف خبز أو 20 ليتراً من البنزين، وقلة يتحكّمون بأموال جُمعت بغير حقّ، على ما يقال خبراء في الشأن الاقتصادي.
وأحدث “قانون قيصر” منذ إقراره، تغيّراً واضحاً في وجه النظام السوري اقتصاديّاً، ليجعل فاتورة الانهيار في تسارعٍ مستمر، وهو ما صرّح به المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جويل ريبورن قائلاً: إنّ “قدرة النظام حاليًا على الاستمرار أصبحت أضعف، ولا يجب أن يتفاجأ الجميع إذا بدأ بالانهيار بسرعة”. لكنّ وفقاً لتقديرات متابعين فإن انهيار النظام قد يترافق مع فاتورة من الفقر والمأساة الاقتصادية سيدفع ثمنها سكّان دمشق والمدن الكبرى. هذه المأساة التي تظهر ملامحها أكثر وبشكل يومي في دمشق بالتحديد.
عذراً التعليقات مغلقة