بعد انتخابه رئيسا للحزب الديمقراطي المسيحي، بدأت وسائل الإعلام وصناع الرأي يهتمون بمواقف أرمين لاشيت بشأن السياسة الخارجية، وهو الذي قد يصبح المستشار المقبل لألمانيا. أسبوعية “دير شبيغل” (18 يناير/ كانون الثاني 2021) قدمت صورة للاشيت مثيرة للاهتمام، إذ اعتبرته “مدافعا عن الأسد” ومن “دعاة الحوار” مع بوتين.
وكتبت “نادرا ما تمت مناقشة مواقف لاشيت في السياسة الخارجية وتم التركيز بشكل خاص على مواقفه في السياسة الداخلية. إنه لأمر مؤسف، لأن ألمانيا لاعب مهم في السياسة الدولية (..) في الماضي، اختلفت مواقفه في السياسة الخارجية اختلافا كبيرا عن مواقف أنغيلا ميركل، فمثلا انحاز لاشيت للديكتاتور بشار الأسد في وقت مبكر من الحرب السورية”.
واستطردت “دير شبيغل” أنه بصرف النظر عن سوريا، فقد “أشار لاشيت مرارا وتكرارا إلى أنه ينتمي إلى أولئك الذين يعتقدون أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم التحاور بما يكفي مع روسيا (على الرغم من وجود حوار دائم مع روسيا باستمرار ومنذ سنوات). لقد اشتكى ذات مرة من “الشعبوية المعادية لبوتين”، دون أن يحدد معنى ذلك”. مقال مثير للاستغراب خصوصا وأن لاشيت معروف بولائه لميركل وبقربه السياسي منها.
هل تم إخراج مواقف لاشيت عن سياقها؟
موقع “تيلي بوليس” انتقد مقال “دير شبيغل” وكتب (18 يناير/ كانون الثاني 2021) مدافعا عن لاشيت”كما هو الحال دائمًا في فن البورتريه والرسوم الكاريكاتورية، يكشف الفنان الكثير من ذاتيته الخاصة. في البرورتريه الذي رسمه رئيس الشؤون الدولية في “دير شبيغل” بشأن مواقف لاشيت في السياسة الخارجية، يمكن في الواقع قراءة خط السياسة الخارجية لشبيغل قبل كل شيء”. واتهم المقال الصحيفة بالانتقائية مذكرا بتغريدة للاشيت على تويتر في 12 سبتمبر/ أيلول 2015 قال فيها “لماذا يعتبر تدخل روسيا ضد داعش “مقلقا”، فيما الضربات الجوية الغربية مفيدة؟ الحل الوحيد في سوريا هو مع روسيا”. كما أشار لاشيت إلى أن الأسد حارب تنظيم داعش الإرهابي، لكن “وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حاول إضعاف الأسد في تلك المعركة”. وأضاف “تيلي بوليس” أن “الثورة التي خططت لها بعض ميليشيات المعارضة، (عندما لم تكن تتحدث لوسائل الإعلام الغربية) أطلقوا عليها اسم “الجهاد السوري”. كان المقصود بذلك إقامة دولة إسلامية”.
على كل حال، يبدو أن روسيا استقبلت بارتياح انتخاب لاشيت، فقد كتبت صحيفة “كوميرسانت” الروسية (18 يناير/ كانون الثاني 2021) “بالنسبة لموسكو، فإن انتخاب لاشيت هو الأفضل مقارنة بالمرشحين الآخرين. ليس فقط لأن هناك أكثر من ألف شركة في ولايته (شمال الراين وويستفاليا) لها علاقات اقتصادية مع روسيا، ولكن لكونه أيضا يدعو للحوار مع روسيا. وهذا ما يميزه عن نوربرت روتغن، الذي ينتقد بشدة السياسة الروسية، وعن السيد ميرتس، الذي يعطي الأولوية للتعاون الأطلسي”.
تستعد ألمانيا لبداية عهد ميركل بدون ميركل؟
ما ميز عهد ميركل هو التحالفات الحكومية الكبيرة التي لم تكن موجودة بذلك الشكل وحتى ذلك الحين على المستوى الداخلي، إضافة إلى سياسة التوافقات والاعتدال على المستوى الخارجي. فهل سيستمر هذا الخط بعد انسحاب ميركل من المستشارية؟ من الأكيد أن التحالفات الكبرى ساعدت ألمانيا على امتصاص صدمات مختلفة مثل الأزمة المالية والهجرة وجائحة كورونا بشكل أفضل من بلدان أخرى، لكنها في الوقت نفسه، منعت النقاشات السياسية والمجتمعية العميقة وهمشت المعارضة حسب بعض المراقبين. وقد يكرس رئيس الحزب الجديد أرمين لاشيت استمرار التوجه “الميركيلي” دون ميركل، خصوصا وأنه يعتبر من أقرب الشخصيات السياسية للمستشارة. انتخاب لاشيت خلق أيضا ارتياحا على المستوى الأوروبي والدولي.
صحيفة “ألباييس” الإسبانية (17 يناير/ كانون الثاني 2021) كتبت بهذا الصدد “تم انتخاب المعتدل أرمين لاشيت رئيسا للحزب الديمقراطي المسيحي (..) وهو الخليفة الطبيعي للمستشارة أنغيلا ميركل، فقد رفض أقوى حزب في ألمانيا وأهم قوة محافظة في أوروبا الدخول في أي مجازفة وبدد المخاوف المرتبطة بانتصار محتمل لفريدريش ميرتس الذي دافع عن تحول الحزب نحو موقف أكثر تشدداً. ميركل جعلت ألمانيا مرساة في أوروبا وضمنت الاستقرار على أساس الاعتدال السياسي. لو تم انتخاب ميرتس، لكان ذلك يعني دخول عهد من عدم اليقين بالنسبة للاتحاد الأوروبي. يبدو أن هذا قد تم تفاديه في الوقت الحالي مع انتخاب لاشيت. لقد أظهرت الترامبية أن الديمقراطيات بحاجة إلى أحزاب محافظة قوية ومعتدلة. لقد تمكنت ميركل، ببراغماتية وتصميم، من الدفاع عن جوهر قيم غير قابل للكسر، يتيح الاستقرار والتوافق. سيجد خلفها صعوبة لتحقيق نفس الإنجاز، لكن الاعتدال سيزيد من فرصه”.
اسم المستشار الألماني المقبل لم يُحسم بعد
السباق نحو منصب المستشارية لم يكتمل بعد، قد يضمّ أيضاً شخصيتين محافظتين بارزتين هما ماركوس زودير (رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري) وينس شبان، وزير الصحة الحالي الذي سطع نجمه في زمن كورونا. في خطابه أمام المؤتمر “الافتراضي” للحزب الديموقراطي المسيحي، ألمح أرمين لاشيت بوضوح إلى أنه يرغب في قيادة المعسكر المحافظ في الانتخابات العامة في 26 أيلول/ سبتمبر.، انتخابات ستشكل قطيعة ونهاية لعهد ميركل التي أعلنت تقاعدها بعد فترة حكم قياسية لمدة 16 عاماً تساوي فترة ولاية هلموت كول في المستشارية. صحيفة “كولنر شتات أنتسايغر” الصادرة في كولونيا (17 يناير/ كانون الثاني 2021) كتبت “في طريقه للترشح لمنصب المستشار، لم يحقق لاشيت إلا انتصاراً مرحليا. الآن تنتظره اختبارات صعبة. في نهاية عهد ميركل أصبح الحزب الديمقراطي المسيحي منقسماً بشدة. يجب أن ينجح لاشيت بسرعة في منع تعميق هوة الانقسام في الحزب”.
فعلى الرغم من فوزه على زعيم الجناح اليميني فريدريش ميرتس، فلا ضمانة بأن لاشيت الذي يحكم ولاية شمال الراين ويستفاليا (الأكبر من حيث عدد السكان في البلاد)، سيقود المحافظين في انتخابات أيلول/سبتمبر. ويرى 28% فقط من الألمان أنه سيكون مستشاراً جيداً، وفق إحصاء أجرته مؤخرا شبكة “زيد.دي.إف” الألمانية العامة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “لايبتسيغر فولكستسايتونغ” (17 يناير/ كانون الثاني 2021) “يعتمد وصول لاشيت للترشح لمنصب المستشار على ثلاثة عوامل: استطلاعات الرأي الخاصة به، وحدة الحزب الديمقراطي المسيحي ونتائج الانتخابات المحلية في ولايتي راينلاند- بلاتينات وبادن فورتنبرغ. غير أن العامل الأكثر أهمية هو وحدة الحزب، إذا نجح لاشيت في جذب معسكر ميرتس، فلن يكون بإمكان أحد الوقوف أمام ترشحه لمنصب المستشار”. أما صحيفة “فرانكفورتر روندشاو” (18 يناير/ كانون الثاني 2021) فذهبت في اتجاه آخر وكتبت “ماركوس زودر يمكن أن ينتصر. الديموقراطيون المسيحيون لديهم رئيس جديد، فيما تظهر استطلاعات الرأي أن رئيس الوزراء البافاري وزعيم الحزب الاجتماعي المسيحي (زودر) هو المرشح الواعد لمنصب مستشار التكتل المسيحي. ويتفاعل زودر بحذر مع هذه الشعبية. (..) زودر شدد دائماً على أن مكانه في بافاريا (وليس في برلين). ربما كان يعني ذلك بجدية، وربما يكون رجلا استراتيجيا: يجب أن يتوقع الحزب الديموقراطي المسيحي أنه بدون أنغيلا ميركل سينهار دعم الناخبين”. لكن مع ذلك، يبدو الطريق نحو المستشارية مليئا بالصعوبات أمام زودر. ولم يتول أي مسؤول في الحزب الاجتماعي المسيحي المنصب، حيث فشل فرانتس شتراوس في تحقيق ذلك في عام 1980 ومن بعده إدموند شتويبر في عام 2002.
Sorry Comments are closed