فاتن رجب وقانون الجاذبية الثورية

سليمان نحيلي4 يناير 2021آخر تحديث :
سليمان نحيلي

سليمان نحيلي – حرية برس:

شابة سورية تحمل الدكتوراة في الفيزياء الذرية وإذا كانت صدفة سقوط تفاحة نيوتن قادته إلى اكتشاف قانون الجاذبية الأرضية ، فإن هذه السورية اكتشفت عن سابقِ حلمٍ وتصميم قانون الجاذبية الثورية بعناصره الثلاثة (الكرامة والعدالة والحرية) ووصلت وفقاً لهذا القانون حتى النهاية، ففي حين تتجه جاذبية نيوتن نحو الأرض، تصعد بموجب الجاذبية الثورية أرواح الشهداء إلى السماء هازئةً بنيوتن وقوانينه.

إنها فاتن رجب فواز المولودة في دوما عام 1982 والتي نشأت يتيمة الوالدين، هي شقيقة الناشط أحمد رجب فواز أول من قضى بالثورة في دوما، أنهت دراستها الجامعية في جامعة دمشق ونالت درجة الدكتوراة في الفيزياء الذرية من جامعات فرنسا قبل اندلاع الثورة بعامين.

متظاهرة بدرجة دكتوراة

انخرطت فاتن في الثورة السورية منذ اندلاعها رفقة شقيقها الناشط أحمد وكان لها نشاط بارز في المظاهرات السلمية في دوما، شاركت بجهودٍ كبيرةٍ في العمل الإغاثي والإنساني والمستشفيات الميدانية، وكان الناشطون والثوار ينادونها بالدكتورة، أبدت جرأة كبيرة خلال المظاهرات السلمية ووصلت أخبارها إلى سلطات النظام الذي حاول في البداية ثنيها عن موقفها بالترغيب والإمالة، وعندما أصرت على موقفها المبدئي قام النظام بتاريخ 2011/11/17 باعتقالها حيث أمضت عشرة أشهر في فرع المخابرات الجوية، وحين وجه لها الجلاد شتائم بذيئة واتهمها بالإرهاب والخيانة وشتم طائفتها، قالت له كلمتها المشهورة: (انتمائي سوريتي وشرفي طائفتي) ليتم تحويلها إلى فرع المهام الخاصة (215) التابع لشعبة المخابرات العسكرية حيث تعرضت لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي في أقبية سجون النظام، وكانت آخر مرة شوهدت فيها في أيلول بتاريخ 2014/2/21 وانقطعت أخبارها منذ ذلك الحين.

الثبات على المواقف

لم تفلح محاولات الجلادين في أقبية المخابرات السورية في ثني الحرة فاتن عن مواقفها وفي كسر قانون الجاذبية السورية الذي صار شعارها، حيث رفضت عرض المجرم جميل الحسن رئيس المخابرات الجوية بإخلاء سبيلها فوراً إذا وافقت على الظهور على قناة الدنيا الموالية ونعت المتظاهرين السلميين بالإرهابيين، وهددها حينها بأنه سيجعلها تعاني الخرف ليتم حقنها بمواد غير معروفة أدى إلى نزيف في الأذن والأنف وإصابتها بنوباتِ صرعٍ شديدٍ، وفي انتخابات عام 2014 الرئاسية عندما أحضروا لها صندوق الإقتراع إلى زنزانتها في سجن عدرا للنساء لانتخاب بشار الأسد رفضت بشدة لينزل بها العقيد عدنان سليمان رئيس السجن شتى أنواع التعذيب دون أن تغير من موقفها قيد أنمُلة.

فاتن الإنسانية

تروي سحر المعتقلة سابقاً والتي رافقتها في سجن عدرا للنساء أن الدكتورة فاتن اتسمت بمسحةٍ انسانيةٍ كبيرة حيث كانت تقوم بالتخفيف عن رفيقاتها بالرغم من أنها بأمس الحاجة لمن يخفف عنها معاناتها، وأنها كانت بمثابة الأم والأخت والرفيقة لا تأكل إلا إذا أكلت المعتقلات قبلها وكثيراً ما كانت تطعم بيدها رفيقاتها المصابات جراء التعذيب وتطالب بحقوق رفيقاتها قبل حقوقها من الأدوية وطلبات إخلاء السبيل وتعجيل المحاكمات، وقد أسست وهي في السجن مشروعاً صغيراً للمعتقلات المقطوعات اللواتي ليس لديهن أحد خارج المعتقل حيث اتُفقن على أن تدفع من تحظى بزيارة ذويها مبلغاً من المال للمعتقلات المقطوعات من الزيارة من أجل تأمين الطعام وباقي المستلزمات لهن.

التكريم حتى الموت

استمر النظام باعتقال الحرة فاتن وبدلاً من رعايتها وتكريمها لمركزها العلمي استمر في تعذيبها حتى الموت إلى أن تأكد خبر وفاتها عن طريق (لوائح الموتى) التي أرسلتها سلطات النظام إلى دائرة السجل المدني لتسجيل وفاتها بذريعة إصابتها بنوبةٍ قلبيةٍ مفاجئة مع آلاف السجناء.

قضت عالمة الذرة فاتن رجب فواز على طريقة النظام المجرم تكريماً حتى الموت قبل أن تنهي رسالة جديدة في الفيزياء في إحدى الجامعات الفرنسية. رحلت فاتن فواز وبقيت كلمتها المأثورة: (إن لهذه الثورة جاذبية لا مفر منها أشبه بالجاذبية الأرضية إنها جاذبية الكرامة والعدالة والحرية).

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل