نوار الشبلي – حرية برس:
أبت سنة 2020 أن ترحل دون أن تخطف منا نحن السوريين روحا تجمعنا، تخطف روح عراب الدراما السورية وصانع أحلامنا الكبيرة “حاتم علي” من جعل كل يوم من أيامنا “فصول الأربعة” ملونة بألوان “قوس قزح”.
جاء رحيله ليوحد السوريين لأنه يشكل جزء من ماضيهم وحاضرهم، نقل تفاصيل همومهم عبر الكاميرا من خلال أعماله الدرامية، اهتم بنقل الصورة كاملة عن المواطن السوري بكل حالاته.
كان حاتم علي حالة خاصة من الإبداع في عالم الإخراج والتمثيل، مع حاتم اختلفت صورة العمل من مجرد التمثيل إلى محاكاة ليوميات السوري، كما اختلفت مع علي الرؤية والمتابعة وانتقلت من المحلي إلى العالم العربي .
اتصفت أعماله الدرامية بالوعي وارتبطت بالقيم الإنسانية واستطاعت التأثير رغم الإمكانيات المحدودة من خلال مانقلته كاميرا حاتم علي في أجيال من متابعيه، كما صقل العديد من المواهب الشابة وقدمها في هذه الأعمال بصورة حقيقية صادقة.
واستطاع أن ينقل معاناة الفلسطينيين ومأساتهم وبطولاتهم وكفاحهم للجمهور العربي وإنعاش قضيتهم في العقول العربية من خلال “التغريبة الفلسطينية”، وهي المعاناة والحزن الذي عاشته عائلته من نزوح من الجولان مسقط رأسه في عام 1967، هذا العمل الضخم الذي دخل منزل كل عربي وقلبه، وحفر في ذاكرة الأجيال، من الورق إلى روح الصورة، وذلك قبل أن ينجز تغريبتنا السورية.
جعل من نفسه أسطورة في إخراج الأعمال التاريخية الضخمة من خلال “رباعية الأندلس” التي لم تكتمل ولن تكتمل برحيله، “عمر” و “أوركيديا”، والتي تخلو من الأخطاء الإخراجية حتى في المشاهد السريعة والثانوية، بالإضافة إلى إدخال عناصر سينمائية في هذه الأعمال والذي يأتي من شغفه بالسينما.
كان أول من نقل معاناة المرأة المعتقلة في سجون نظام الأسد في فترة اندلاع الثورة السورية من خلال عمل “قلم حمرة” تأليف الكاتبة “يم مشهدي”، عارضا أدق التفاصيل التي مرت بها المعتقلة، فلم تنقل كاميرا حاتم علي وطريقته في الإخراج عتمة الزنزانة بل ورائحتها أيضا، والروح المقيدة التي لاتستطيع الخروج من جدران الزنزانة حتى من العقل إلى الخيال، منتقلا من الدمار في الواقع السوري إلى دمار الروح في مكان آخر ذو جانب مظلم في تلك الفترة.
لم تستطع تغريبته الأخيرة من سوريا إلا أن تشكل دافعا لعلي بالاستمرار في العطاء من خلال أعمال مصرية وضع بصمة واضحة من خلال البطولة الجماعية للمواهب الشابة، غائبا عن الأعمال الدرامية السورية وحاضرا في الدراما المصرية التي لم تقل نجاحا عن أعماله السورية.
ولن نتناسى أدواره في العديد من الأعمال الاجتماعية والتاريخية والبدوية، والتي جسد في معظمها المواطن المثقف وما يعيشه من صراع داخلي وصراع مع الواقع الذي لم يقيد حريته وفكره فقط بل يحاربه بأدوات الفساد والجهل، كدوره في مسلسل “قوس قزح” والذي جسد فيه دكتور جامعي “الدكتور اسماعيل” الذي يواجه مظاهر الفساد داخل هذه المؤسسة ودوره في العراب من خلال شخصية “الدكتور نورس” الذي يتعرض للاعتقال وعدم القدرة على نشر كتاباته وآرائه.
اتسمت أعماله بالمجمل من الخلو من النفاق، والغنى الروحي للعمل، كما اتسم بأنه صاحب النظرة الثاقبة، وعرف بالانتقائية الفريدة سواء في أعماله أو الممثلين الذين يجسدون الأدوار، فما رأيناه في أعماله التلفزيونية هي رؤية حاتم علي إلى ماخلف المشهد، وتوحيد الصورة وإن كانت بأكثر من مكان.
ولطالما اعتبر حاتم علي أن الحرية هي أساس الإبداع وأننا في عالمنا العربي نحتاج مساحة من الحرية لنقدم المزيد، ليرحل مبكرا وفي جعبته كنوز من الإبداع وتاركاً أثرا عميقا في وجداننا.
حاتم علي خسارة نحن السوريون تضاف إلى خساراتنا المستمرة، ورحيل لأحلامنا الكبيرة في رؤية عمل درامي يحاكي الواقع السوري في الداخل وتغريبتنا.
“حاتم علي” العبقري الذي سيترك فراغا لن يشغله أحد على المستويين السوري والعربي، وربما لن نشهد رؤية إخراجية مماثلة على المدى البعيد.
عذراً التعليقات مغلقة