في السابع والعشرين من شهر كانون الأول.، ضربتُ موعداً مع الحزنِ وكانون شهر البرد والأحزان.
في كانون قتلوكَ، أرادوا قتل الدفء الإنساني فيكَ، الذي قضيتَ وأنت توزعه على المشردين من أهل الوطن.
كانون يا كانونُ … يا روحه دفئيني.
كل حطب الأرض لا يكفي .. لينشرَ الدفء في شرايني ..
مازلتُ أذكره، وما زال طيفه يتراءى أمامي وهو هناكَ في عرفته الصغيرة المستأجرة في أشرفية صحنايا قرب دمشق.
يستيقظ ليستقبل الصباح، ويستمع لفيروز، يُعدُّ الشاي ويتناول فطوره المفضل الزيت والزعتر البلدي الذي صنعته والدته من زعتر بلدته في جبل العرب الأشم هناكَ في سويداء القلب.
حين هبَّ شعبه ضد استبداد النظام السوري لم يحمل سلاحاً، حمل كل فيوضه الانسانية التي تربى عليها، ومضى يوزع علبة حليب ورغيف خبز وزجاجة ماء للمحاصرين والمشردين الذين عصف بهم طغيان النظام. إنه رامي هناوي فارس النشاط الإغاثي في الثورة السورية.
خصلة كرز:
روّج النظام السوري عند اندلاع الثورة السورية ربيع 2011 أنه حامي الأقليات ليزرع الفتنة بين طوائف الشعب السوري، إلا أن الشعب السوري رفع الصوت عالياً في الساحات بشعار (الشعب السوري واحد) وكان رامي هناوي من أولهم . حيث شارك منذ بداية الثورة في مظاهرات دمشق وكان من أبرز الناشطين في مجال الإغاثة والحراك السلمي في دمشق وريفها، وكان معروفاً في أوساط الحراك السلمي بإيمانه بوحدة الشعب السوري بكل أطيافه لأنه كما يعتقد عانى استبداد النظام بلا استثناء ، وكذلك اشتهر برفضه للعنف وعسكرة الثورة والتدخل الأجنبي فيها، وكردٍّ على ما روجه النظام شكل وهو ابن السويداء مع الفنانة كفاح علي ديب وهي ابنة الساحل وزيدون الزعبي ابن درعا فريقاً موحداً للعمل في مجال الإغاثة الإنسانية فكان هذا الثلاثي أشبه َ بخصلة كرز من ثلاث حبات لذلك أطلق الناشطون عليهم لقب (خصلة كرز)، وعرف عن رامي الإنسانية الطافحة والجرأة حيث كان يخاطر بنفسه لتأمين الإحتياجات الإغاثية والدوائية لأكثر المناطق خطورةً وهي المناطق التي ضربت عليها قوات النظام الحصار، ومنعت دخول مثل هذه المساعدات.
كمين إنساني:
لأن النظام السوري لا تعرف الإنسانية إليه سبيلا فقد باتَ رامي في عرف النظام ذلك االخائن الوطن الذي يقدم الطعام والماء والدواء للإرهابيين وبالتالي غدا على قائمة المطلوبين.
وتروي حبة الكرز الثانية الفنانة كفاح علي ديب كيفية اعتقاله أنه بتاريخ 2012/5/5 وقبل موعد الإفطار في رمضان وخلال عودتهما إلى أشرفية صحنايا وكان رامي يقود سيارة العمل الاغاثي تلقى اتصالاً على جواله من رقم غريب لا يعرف صاحبه يطلب منه مواداً غذائية لعائلة مشردة في الشارع على حدّ قوله، وكرر الشخص الاتصال وحدد المكان على أوتستراد المزه الأمر الذي أثار الشكوك لدى كفاح التي حاولت ثنيه عن الذهاب، لكن إنسانيته ما كانت لتثنيه عن تقديم المساعدة فقرر المخاطرة وبمجرد وصولهما إلى المكان حاصرتهما ثلاث سيارات أمنية وبلمح البصر أصبحت البنادق موجهة صوب رأسيهما، واقتادوهما إلى أحد الفروع الأمنية حيث نال رامي من الشتم والضرب والإهانة مانال، وبعد انتهاء التحقيق معها أنزلوها إلى الزنزانة، وكانت تلك آخر مرة ترى فيها رامي.
وحين سريان خبر اعتقاله هبت المظاهرات في عموم سوريا للمطالبة بإطلاق سراحه وبيان مصيره ولكن النظام لم يستجب كعادته.
لم يعد، عادت شهادة وفاته:
بعد مرور حوالي ست سنوات على اعتقال رامي ورفض النظام الإفصاح عن مصيره أو السماح لأهله بزيارته، اتصل النظام بأهله يخبرهم فيها بضرورة مراجعتهم لاستلام شهادة وفاته والتي تثبت أنه قضى نتيجة نوبة قلبية بتاريخ 2017/12/27 وهي عادة النظام عندما يتوفى المعتقلين لديه تحت التعذيب أو سوء الوضع الصحي نتيجة التعذيب الوحشي أو تفشي الأمراض في معتقلاته.
خطف المجرمون الروح والجسد وبخلوا على أمه وأبيه بلحظة وداع أخيرة.
استشهد رامي وسقطت حبة الكرز من خصلتها، وفقدت السويداء أحد صباحاتها الدافئة، والثورة السورية أحد فرسانها الانسانيين النبلاء.
عذراً التعليقات مغلقة