الحرب في سورية لم تنتهِ.. وحروب جديدة في الأفق

لجين مليحان27 أغسطس 2020آخر تحديث :
الحرب في سورية لم تنتهِ.. وحروب جديدة في الأفق

ها هي سورية تدخل عامها العاشر من حرب طحنت الأخضر واليابس، لتبقى العقدة الأصعب في منطقة الشرق الأوسط، وتكون ساحة دولية لتصفية الحسابات الكبرى التي راح ضحيتها الشعب السوري ودمار سورية بالكامل، فسورية اليوم بفضل هؤلاء المصارعين الدوليين منهكة جدا ولا تقوى على النهوض لفترات طويلة، ومع كل هذا الدمار والتقسيم والمعارك والفقر والاغتيالات وغيرها وغيرها، يبقى لدى البعض تساؤلات حول انتهاء الحرب في سورية، فهل انتهت الحرب في سورية أم أن حروب أخرى تبدأ هناك، لماذا يطرح البعض هذا السؤال؟ فبحسب منظورهم أن الحرب أو أنهم يفترضون أن الحرب انتهت وأننا الآن نعيش بمرحلة ما بعد الحرب، وهكذا يتحدث الدبلوماسيون والسياسيون في كل المؤتمرات التي تخص سورية فهل فعلا أن الحرب انتهت أم أن هناك حرب أخرى أو حروب أخرى تتشكل على الأراضي السورية  “حروب بالوكالة”.

ولنجيب على هذا الأمر يتطلب منا أن نفهم أولاً الخريطة السياسية لسورية وهي خريطة معقدة فيها قوى وجيوش كثيرة على الأراضي السورية لكن أسهل مدخل في تقديري لفهم هذه الخريطة المعقدة هو الموقف الأمريكي لأنه موقف بسيط وواضح، ما هو الموقف الأمريكي من سورية؟ ماذا تريد أمريكا من سورية؟ أن أمريكا لم يكن لديها استراتيجية واضحة ولا خطة واضحة في سورية منذ بداية الصراع في 2011وذلك فترة الرئيس الأمريكي” أوباما” ثم انتقل هذا الغموض والتردد إلى إدارة الرئيس الأمريكي” ترامب” الذي قال لمستشاريه في كتاب (الغرفة) لجون بولتون كما كتب في كتابه:” مستشاري منقسمين إلى فريقين فريق يريد مني أن أبقى إلى الأبد في سورية، وفريق يريد مني أن أبقى هناك لفترة زمنية محدودة، أما أنا فلا أريد أن أبقى هناك أبداً على الاطلاق ، فهي ليست إلا رمال وموت”،  إذاً الولايات المتحدة لم يكن لها خطة واضحة واستراتيجية واضحة لكن بدأت أهداف الولايات المتحدة تتشكل في الفترة الأخيرة وتشكلت تشكل لا يتعلق بسورية نفسها ولكن بسبب رغبتها في مواجهة القوى المعادية لها على الاراضي السورية.

فأهداف أمريكا الآن في سورية ضرب النفوذ الإيراني وتقليص النفوذ الروسي ولفعل هذا لابد من تركيع النظام السوري وبشار الاسد أو تغييره بالكامل، وهذا الحديث عن ضرورة إخراج إيران من سورية هو كلام معلن على لسان كل المسؤولين الأمريكان، أما في ما يتعلق بالموقف من روسيا من خلال المبعوث الامريكي الخاص لسورية “جيمس جيفري” الذي قال في 13 مايو 2020: ” مهمتي أن أجعل سورية مستنقعا لروسيا”، لماذا؟  من أجل أن يحرم روسيا من ثمار انتصارها في سوريا، وهل يا ترى انتصرت روسيا أساسا في سورية؟

وكما نعرف أن روسيا حضرت إلى سورية بقواتها المسلحة وخصوصا سلاح الجو في نهاية 2015 وعلى مدار السنوات الخمس التالية نجحت بإعطاء بشار الأسد قبلة الحياة، مما أدى إلى إنقاذ بشار الأسد وتدمير سورية ونجحت بأن ترجح كفته في الصراعات العسكرية ضد كل معارضيه وبالتالي فرض الحل العسكري، وأصبح الآن بشار الأسد بفضل روسيا يسيطر على أكثر من 60% من الأراضي السورية، لكن هذا الانتصار بالنسبة لروسيا منقوص ولأجل أن يكتمل لابد لثلاثة أمور أن تحصل على الأقل ماهي هذه الأمور؟ أولا أن يسيطر بشار الأسد على كامل الأراضي السورية، وثانيا عودة الحياة الطبيعية وبدأ عمل الاقتصاد، وثالثا بدأ الإعمار، فهذه الثلاثة أهداف الطموحة بالنسبة لروسيا هي خط أحمر بالنسبة لأمريكا ويصطدم برغبتهم لأنها تريد أن تعارض الخطط الروسية في سورية فلا تريد لروسيا أن تنجح في سورية، وهذه الأهداف تحقق مصالحها الخاصة فمصالح روسيا تتحقق إن عاد الاستقرار لسورية بالتصور الذي تراه، وأن يسيطر بشار الأسد على كافة الاطراف المركزية للدولة وأن تبدأ جهود إعادة الاعمار لأسباب واضحة جداً فالروس لا يريدون لسورية أن تكون أفغانستان جديدة يريدون هدوء هناك عندما يتحقق هذا الهدوء يستطيع الروس أن ينعموا بثمار انتصارهم العسكري وبالتالي يكونوا آمنين على أنفسهم في قواعدهم العسكرية على البحر المتوسط وعلى شركاتهم عندما تبدأ بإعادة الاعمار ويقدموا سورية أيضاً كنموذج ناجح للسياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط وهذا النجاح يقتضي بلدا يعيش حياة طبيعية وله علاقات جيدة بكل جيرانه لأن هؤلاء الجيران كالأردن و العراق والسعودية أو كل دول المنطقة هي دول تسعى روسيا أن تكون حليفة لها وأن تكون نموذجا إيجابيا في مقابل الصورة السلبية التي تتشكل على الولايات المتحدة هذا باختصار، أمريكا تريد أن تقلص النفوذ الروسي ببساطة فالأمريكان بخطاباتهم الرسمية يعتبروا روسيا والصين أكبر تهديدين خارجيين على سياستهم الخارجية أو على أمنهم القومي وبالتالي من مصلحتهم أن يقلصوا النفوذ الروسي بالشرق الأوسط وبأي مكان آخر ولكي يفسد المخططات الروسية قاموا بإفساد أهدافها الثلاثة، فيما يتعلق بالهدف الأول الذي هو استعادة بشار الاسد سيطرته على كامل الأراضي السورية قامت أمريكا بدعم الأتراك في حربهم ضد بشار الأسد عندما سعوا إلى استعادة إدلب في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي 2020 وتصريحات المبعوث الخاص جيمس جيفري في سورية والسفير الأمريكي في تركيا في 3 مارس 2020 كانت واضحة في حديثها عن الدعم الأمريكي لحليفها التركي ضد الرئيس بشار الأسد المدعوم من روسيا وتحدثوا عن مساعدات عسكرية وعن ذخائر وعن دفاعات جوية ودعم استخباراتي، لمنع الروس من مساعدة الأسد في السيطرة على إدلب وبديهي أنه سيمنع الأسد والروس من السيطرة واستعادة الاراضي التي يسيطر عليها الاتراك في شمال غرب سورية، أما الهدف الثاني هو إفساد هذه الفكرة فكرة سيطرة نظام الأسد على كامل الأراضي بأنه هو تراجع عن قراره بانسحاب قواته وأبقى ما يكفي ليحافظ على وجوده هناك ويدعم مصالحه هناك سواء في قاعدة التنف أو في الشمال الشرقي وسيطر في شرقي سورية على آبار النفط السورية لحرمان نظام الأسد من موارد مهمة يمكن أن تساعده في عملية عودة الحياة بشكل طبيعي.

كما أفسدوا خطط روسيا في التوفيق ما بين الأكراد والقبائل العربية والنظام بحيث أنه يجد حل وسط بين الأطراف المتنازعة القبائل العربية والكردية ونظام الأسد وكان هدف الروس أن يحظى كل طرف بجزء مما يسعى إليه في مقابل إن النظام يستعيد سيطرته على كامل الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد الآن وبالتالي أفسدوا فكرة أن نظام بشار يسيطر على كامل الأراضي السورية. واستطاع الأمريكان أيضا إفساد رغبة الروس في عودة الحياة الاقتصادية بشكل طبيعي من خلال العقوبات التي فرضت من قبل الأمريكان وحلفاؤهم على نظام بشار الأسد وعلى كل من يدعمه كما حدث في فرض قانون قيصر 17 يونيو الماضي، والفكرة الأخيرة هي إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب فالروس لا يملكون المال والاقتصاد الروسي ضعيف جداً وبالتالي ليس لديها القدرة على إعادة الإعمار في سورية الذي قدرته الأمم المتحدة بنهاية 2017 بحوالي 250 مليار دولار وهذا يفوق ميزانية سورية بأضعاف قبل أحداث2011، فالشخص الوحيد الذي يملك خزائن الإعمار والقادرة هي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من خلال إعطاء الضوء الأخضر لدول الخليج بتحمل تكلفة إعادة الأعمار ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت فيتو على هذه العملية لحين فرض الرؤية الأمريكية على سورية وتطبيق حلولها هناك وتطبيق شروطها.

فالنتيجة المؤلمة أن سورية بلد محتل ومقسم إلى ثلاث مناطق واضحة المعالم منطقة يسيطر عليها الأتراك وقوات المعارضة السورية في الشمال الغربي من سورية أما في الشمال والشمال الشرقي يسيطر عليها الأمريكان ومعهم الأكراد بنسبة 28% من الأراضي السورية وباقي المناطق تسيطر عليها روسيا وإيران حلفاء بشار الأسد وهذه المناطق هي أكثر عرضة لعودة الاحتجاجات وخروج مظاهرات ضد النظام والعودة لنقطة البداية بسبب بقاء الممارسات الأمنية وتزايد الفقر وأساليب النظام وحلفاؤه في تدمير هيكلية المجتمع والبلاد مما يجعل هناك شرارة أخرى تحدث وتتطور لحروب جديدة، فالوضع في سورية وضع مهيئ لنشوب حروب جديدة مختلفة بين أطراف عدة وأمامنا عدة صراعات ممكن أن تلتهب وتشتعل،  فالصراع في سورية انتقل من صراع ساخن جداً إلى مجموعة من الصراعات منخفضة الالتهاب وهذا لم ينتهي للآن وسوف يستطيل أمد هذه الصراعات مادامت عواملها متوافرة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل