* رامي عساف
واقعٌ مريرٌ تعيشه اليوم محافظة ديرالزور؛ ناتجٌ عن ارتفاع الأسعار في المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش؛ و زيادة معاناة الأهالي من قرارات التنظيم المُذلّة وفرضه الغرامات وجبايته للأموال من المدنيين لأسباب عديدة؛ يترافق ذلك مع انعدام فرص العمل في عموم المحافظة؛ إضافة الى التضييق الكبير على المدنيين في أمور حياتهم وعملهم؛ كل ذلك جعل الحياة في تلك المنطقة صعبة إن لم تكن مستحيلة؛ بل وذكر أحد الناشطين في الأيام القليلة الماضية وجود أطفالٍ من النازحين يجمعون الطعام من حاويات القمامة في مدينة الميادين نتيجة الفقر والفاقة؛ وما زاد الطين بلّة إغلاق المدارس من قبل التنظيم ولمدة طويلة أدى الى تسيّـب الأطفال وجهلهم.
أما في المنطقة الواقعة في قبضة النظام فليست الأوضاع أحسن حالاً بعد حصار داعش لتلك المنطقة والذي تجاوز العشرين شهراً؛ والضغط الأمني والعسكري والمعيشي الذي تمارسه قوات النظام من جهة ثانية؛ وفيها ارتفعت الأسعار الى حدود جاوزت العقل والمنطق؛ مع فقدان في كثير من الأحيان للمواد الغذائية الأساسية؛ ما اضطر القاطنين فيها الى دفع المبالغ الطائلة لضباط الجيش وعناصر الأمن بهدف مغادرة تلك الأحياء الى مناطق أخرى يذوقون فيها صنوف الذل حتى يصلوها.
لكن أكثر ما يخيف الديريين اليوم هو حالة اليأس التي وصل إليها أبناء المحافظة الذين انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها دون أمل بالعودة القريبة الى فراتهم؛ مع فرقةٍ وتخبطٍ واضحين أصاب الفصائل “الديرية” المنتشرة في محافظات حلب وإدلب والقلمون والبادية وتعدد مرجعياتها وداعميها أو انعدامهم أصلا.
لم يحدث بتاريخ المحافظة أن أضاعت بوصلتها وتشرد أهلها كما اليوم؛ حتى أيام “العصملي” والإنكليز الذين حاولوا قبل الفرنسيين السيطرة على ديرالزور قادمين من العراق ؛ وكذلك الفرنسيين ؛ وكل تلك الأحداث جابهها أهل الدير ببسالة تاريخية معروفة ؛ لكن المصيبة اليوم تكمن في استحالة اجتماع أهل المحافظة على تكتل واحد أو رأي واحد؛ أو كبيرٍ واحد كما اعتادوا دائما.
كان ” الكبار” في ديرالزور هم من يقرر كل أمر عظيم؛ لم ينتخبهم أحد أو يسلمهم الولاية أحد؛ كانوا كباراً وحسب؛ أفرزتهم طبيعة المنطقة العشائرية في الريف؛ والعائلية في المدينة، وكانوا يجتمعون ويقررون حلولاً تتعلق بكبائر الأمور؛ فمن الخلافات التجارية أو الزراعية الى جرائم القتل؛ وصولاً حتى الى تعيين أعضاء النقابات المهنية بُعيد الاستقلال؛ أما في الأمور البسيطة فكان وجود أحد ” الكبار” يكفي لحلها .. ولعل المثال الأقرب لتلك الحالة هي “حكومة الفلت” التي تشكلت من “كبار الدير” إبان الحكم الفيصلي في سوريا واستمرت قرابة السنتين وأدارت خلالها شؤون المحافظة الى أن وقع الانتداب الفرنسي على كامل التراب السوري حيث انخرط أغلبهم في مقارعة المحتل بكل السبل؛ ومع ذلك استمر نظام الكبار في تسيير الأمور الاجتماعية وحتى بعد الاستقلال.
كان “الكبار” أقرب ما يكونون إلى مدراء تنفيذيين في شؤون المحافظة؛ وقضاةً ومصلحين وقت الخلافات ؛ كان كلّ منهم رأس عائلته أو كبيرها؛ منهم الجامعيون والشيوخ والفقهاء وحتى الوجهاء.
لكن أعداد “الكبار” ونفوذهم انخفض كثيراً في ثمانينات القرن المنصرم؛ وذلك بشكل مقصود من النظام الذي همشهم تماماً وأضعف سطوتهم حتى داخل عائلاتهم؛ ورفع مقام أشخاص قام هو بصناعتهم بوسائله المعروفة؛ وكان البعث أول تلك الوسائل؛ وكذلك الجيش والشرطة والإدارة؛ فارتفعت أسماءٌ لا تنتمي حتى الى عائلات الدير ؛ ولا تنتمي أصلاً للمنطقة أو لعشائرها ؛ وغيب النظام عمداً رجالات الدير ومثقفيها ما أدى الى انكفاء البعض وهجرة البعض الآخر.
ان الزلزال الذي ضرب المنطقة خلال سني الثورة وتسبب في تهدم كل ما عرفه السوريون عموماً والديريون خصوصاً وأدى الى انهيار الأساسات والثوابت الاجتماعية التي حكمت المنطقة لعشرات السنين ؛ كان مدمراً بدرجة كبيرة لتلك الأساسات؛ والمصيبة أن الكثير لم يفهم ما حصل حتى اليوم؛ بل ويتحدث بعض السذج اليوم متمنياً العودة الى ما كنا عليه سابقاً؛ متناسياً أن الثورة هي انقلاب على الواقع والخروج عن الوضع الراهن بغية التغيير نتيجة عدم الرضا أو الغضب مما كان؛ فكيف سنعود والى أين؟!!
اعتقد اليوم جازماً أن الحل يكمن في العودة الى نظام “الكبار” ؛ وأياً كانت صيغة النظام المقصود؛ فقد يكون مجلس أعيان أو مظلة جامعة أو حتى مجلس حكمٍ إداري يندرج تحت نظام الإدارة اللامركزية؛ المهم فيه أن يكون مشروعاً جامعاً يستطيع تسيير الأمور ولو بشكل مؤقت في اللحظة التي يعود فيها الفرات لأهله؛ أوعلى الأقل يكون هؤلاء “الكبار” ممثلي الديريين اليوم بدلاً من مؤسسات الدمى الثورية المنصّبة زوراً لقيادة الثورة.
السلام عليكم
كلام جميل اخي العزيز ولكن غير قابل للتطبيق بسبب بسيط هو عدم وجود قاعدة شعبية يرتكز عليها هؤلاء الكبار أن وجدوا داخل المدينة فهم محاصرون أما من قبل داعش أو من قبل النظام وان كانوا مهاجرين فلاحولة ولاقوة لهم في مهجرهم وهم يبحثون عن مايستر حالهم
كلامك اخي الكريم يكون صحيح إذا ماكان الجميع على أرض الدير وبدون سيطرة فوقية لامن النظام ولا داعش في هذه الحالة فقط وبحرية تامة يمكن أن تنبثق هيئة لكبار المدينة ويسمع لصوتها