رزان كرم – حرية برس:
في ظل جائحة كورونا وانتشارها على مستوى العالم، هرعت الحكومات لتجهيز قطاعها الصحي لتتصدى لمرحلة “الذروة” الأكثر خطورة في مراحل انتشار هذا الوباء، وتخرج منها بأقل الخسائر الإنسانية، حتى إيطاليا، رغم المأساة الصحية التي وصلت إليها بسبب هذه “الذروة”، إلا أنها حاولت جاهدة للتخفيف منها بشتى الطرق وبإصدار قرارات حظر وعزل على الجميع، في تلك الأثناء كان النظام السوري ينكر وجود هذه الفايروس في سوريا ثم اعترف بوجود حالات جداً قليلة تقل عن عشرة إصابات يومياً، وقام بإجراءات سطحية ليكفّ الكلام عنه، وها هو الآن يواجه انفجار ذروة الجائحة بعجز تام كعادته، وبتصريحات عن أعداد أقل من الواقع بمئات المرات، فمن يقيم في سوريا وخاصة دمشق، يعلم جيداً الوضع الصحي المأساوي الذي تعايشه دمشق اليوم، الإصابات تفوق المئات وسيارات دفن الموتى تخرج من جميع حارات دمشق الحزينة، والمستشفيات مُلئت وأصبحت عاجزة عن استقبال الحالات حتى الحرجة منها.
تُحدثنا (ر.ل) عن وفاة والدها بفايروس كورونا الذي في دمشق، يوم الجمعة الماضي، حيث كان والدها من أصحاب الأمراض المزمنة، وكان يعاني من أمراض القلب والسكري، في بداية إصابته كانت الأعراض مقتصرة على الوهن العام وارتفاع في درجة حرارة جسده، وفجأة زادت حدّة المرض، فقرروا أخذه إلى مشفى “الأسد الجامعي” لقياس مستوى الأوكسجين في دمه، ولكن قائمة الانتظار كانت أكبر من توقعاتهم، زاد هذا الانتظار صحة والدها سوءاً فلم يعد يستطيع حتى السير على أقدامه، وبعد عدة اتصالات بالمعارف والأصدقاء، استطاعوا اجراء فحص لمستوى أوكسجين الدم الذي كان في حالة هبوط حادّة، فأسرعوا لتصوير منطقة الصدر بالطبقي المحوري واجراء تحاليل الدم، ليكتشفوا إصابته بفايروس كورونا، ففي دمشق لا يتوفر تحليل الكورونا عن طريق المسحة من الأنف والحلق كما في باقي بلدان العالم، فكانت تلك الطريقة الوحيدة المتوفرة في دمشق التي يتم الكشف بها عن هذا المرض.
بعد الكشف عنه، رفض “مشفى الأسد الجامعي” استقباله وعلاجه، لأنه لم يعد هناك غرف متاحة ولا أجهزة بسبب الأعداد المتواجدة التي تفوق قدرتها الاستيعابية، فكان أمامهم الخيار الوحيد بأن يشتروا أسطوانات الأوكسجين والتعاقد مع ممرضة ودكتور وتحويل منزلهم إلى مستوصف خاص بأبيها، مما كلفهم هذا الشيء في ظل انقطاع الكهرباء الدائم في سوريا ما يقارب 5 مليون ليرة سورية فقط لتأمين تلك الاسطوانات، ولكن صحة أبيها كانت تزداد سوءاً ولم تعد أسطوانات الأوكسجين كافية، أصبحوا بحاجة ماسة للعناية الطبية في المستشفى وغرفة العناية المركزة، عادوا للمستشفى ولكن لم يتم استقبالهم مجدداً، ثم حاولوا الذهاب إلى “مستشفى الأندلس” وأيضاً لم يتم استقبالهم، ولكن بعد تأمين إذن من شخص له صلة مع بعض مسؤولين المشفى استطاعوا إدخاله، ولكن كان وقت الانتظار أكبر من قدرة أبيها على التحمل والانتظار مما أدى إلى وفاته.
هذه الأحداث المحزنة لا تختلف كثيراُ عن ما حدثنا به (ع.و) الذي فقد والدته بعد إصابتها بفايروس كورونا في دمشق، يوم الإثنين الماضي. ولكن الاختلاف بينهما إن (ع.و) ليس لديه معارف وأصدقاء داخل تلك المستشفيات، ما تسبب بوفاة والدته في ممر الانتظار داخل مستشفى “الأسد الجامعي”.
كانت قصة الوفاة هذه وغيرها درساً للعديد من الناس داخل دمشق، فأصبح بعض الناس يصابون ويموتون وهم في حالة استسلام وعجز تام، هذا ما حصل مع (ن.د) التي فقدت والدها أمام عينها يوم الأحد في دمشق، وهي في حالة عجز تام لفعل أي شيء ينقذه.
تقول (ن.د): كان والدي من المصابين بمرض السرطان وتم شفاؤه منه، ولكن كما هو معروف أن المصابين بهذا المرض تكون المناعة لديهم في أدنى حالاتها، كنا نحاول منعه من الخروج إلى عمله، ولكن هذا أمر صعب جداً، فوالدي صاحب محل صغير في سوق الحميدية، وفي حال إغلاق المحل لمدة غير معروفة، سيؤثر ذلك على دخلنا المحدود ونبقى بدون أي وارد مادي، ولن نستطيع حينها دفع أجار منزلنا بعد ما فقدنا كل ما نملك في منطقة دوما التي دمرت بالكامل، فكان خيارنا الوحيد هو أن يضع الكمامة من باب الأخذ بالأسباب، ولكن طبيعة عمله التي تعتمد على المخالطة كانت أكبر من حماية الكمامة ومن مناعته المحدودة، فظهرت عليه الأعراض بشكل حاد جداً بشكل فوري، وعند إسعافه لمشفى” المجتهد”، لم يتم استقباله لعدم وجود مكان يستوعب العدد الكبير من المصابين داخل دمشق، وقالوا أن الحل الوحيد هو شراء أسطوانات الأوكسجين والتعاقد مع طبيب خاص، وهذا الشي يفوق قدرتنا المادية بأضعاف كبيرة، حاولت جاهدة أن أجمع بعض المال لتأمين بعض أسطوانات الأوكسجين، لكن صحة والدي التي أنهكها السرطان وجرعاته الكيماوية لم تستطع المقاومة لأكثر من يومين، لأفقده أمام عيني وأنا في عجز تام.
في دمشق الكثير من القصص المأساوية التي ولدتها الجائحة ويحاول النظام السوري إخفاءها، بل يعمد إلى مفاقمة الوضع بفتح المعارض وساحات التجمع وكأن ما يحصل قُدّم له على طبق من ذهب. وفي كل بلدان العالم تحارب الذروة للحد منها وإنزالها إلى أدنى معدلاتها بأقل الخسائر الإنسانية والمادية، إلا في دمشق.. فالذروة تتجه إلى حدّ الموت.
Sorry Comments are closed