“آيا صوفيا” على البيدر السوري

معاذ عبد الرحمن الدرويش28 يوليو 2020آخر تحديث :
“آيا صوفيا” على البيدر السوري

لا زلت أذكر عندما كنا صغاراً و إذا ما حصل شجار بيننا، سواء في المدرسة أو في الشارع كنا نتفق أن نذهب إلى بيدر القرية لكي نتشاجر هناك بعيداً عن أعين الناس.

و لا تزال كلمات المجرم “حسن نصر الله” تؤز في أذني منذ بدايات الثورة، حين تحدى وبكل وقاحة كل من يعارض تدخله في سوريا من اللبنانيين، قال لهم (تعالوا “شغفوا” نتحارب ونتقاتل في سوريا).

وكانت هذه البداية، ولم نكن نعلم أن سوريا وبقرار دولي تحولت إلى ساحة عراك وصراع دولي وعلى كافة الأصعدة ابتداءً من العسكرية والسياسية وإنتهاء بالإقتصادية والثقافية.

الصراع الأمريكي الروسي في سوريا، الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا، الصراع التركي الغربي في سوريا، وغيرها، طبعا بعيداً عن حدود العداوة والصداقة في الميزان السياسي.

و آخر تلك الصراعات كانت قضية “آيا صوفيا” بعدما أعادها الأتراك إلى مسجد، ويأتي الرد الروسي المفاجئ على القرار التركي وذلك بإنشاء كنيسة جديدة تحت مسمى “آيا صوفيا”.

قد يبدو الخبر مقبولاً إلى هذا الحد رغم أن الدول بالظاهر تكابر على أي انزلاقات دينية أو عرقية بشكل صريح.

لكن غير المقبول وغير المتوقع أن بناء الكنيسة لن يتم على أرض روسية، لا بل على أرض سورية وفي مدينة السقيلبية في ريف حماة بالتحديد.

فرغم فظاعة ما ارتكبه الروس وحلفاؤهم من النظام السوري والإيرانيين بحق الأبرياء من الشعب السوري، إلا أنهم كانوا يحاولون أن يتمسكوا بغشاوة رقيقة يدعون فيها الشرعية الدولية وينبذون أي مصطلحات أو تقسيمات عرقية أو دينية أو طائفية أو غيرها.

لكن أن يتم الرد على قضية “آية صوفيا” بهذه الطريقة، يحرق تلك الغشاوة الرقيقة، ويفضح كل ما يكنونه من حقد ديني وعرقي وطائفي دفين. رغم أن الدبلوماسية التركية لعبتها بشكل صحيح، حيث جاء القرار تحت بند القانون بدون أي امتداد ديني، وبدليل أن معظم الأتراك وعلى اختلاف انتماءاتهم سواء كأشخاص أو كأحزاب كانوا مؤيدين للقرار ببعده القومي التركي، بدون أي تغليف ديني للقضية.

الروس سيرحلون في يوم من الأيام مهما طال بهم الأمد، لكن السؤال موجه إلى النخب الدينية المسيحية في سوريا عموماً وفي سقيلبية خصوصاً، أليس هذا العمل يعتبر بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في يوم من الأيام؟.

مع العلم أن المسيحيين ورغم أنهم أقلية في سوريا عموماً وفي ريف حماة خصوصاً، كانوا يعيشون مع جيرانهم المسلمين منذ آلاف السنين بكل ود واحترام، وليس كما يدعي نظام الأسد المجرم بأنه هو من يحميهم ويحمي كل الأقليات في سوريا.

لكن لماذا يضعون أنفسهم في موقع استفزازي طويل الأمد؟ أين الدبلوماسية السياسية التي تفكر إلى الأمام أجبالاً وأجيال؟ لماذا رضوا أن يكونوا “منديل زفر” كما يقال؟

عندما كنا صغاراً كان لدينا حس أخلاقي رفيع، بينما جعلنا من بيدر القرية ساحة لعراكاتنا الطفولية، خجلا من أن يشاهدنا الكبار ويأخذوا عنا نظرة غير جيدة. لكن أن يتم تحويل الساحة السورية إلى بيدر يتم عليه تصفية كل الحسابات القذرة، فتلك وقاحة ما بعدها وقاحة.

ولا زالوا يتبجحون ويتحدثون عن السيادة الوطنية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل