جلس الأستاذ رأفت إلى طاولته غضبانَ أسِفاً، ودعا زوجته إلى اجتماع مغلق غير عادي، بعدما نام طفلهما الوحيد، فهذه الجلسة ستحدد مصيره ومصير العائلة في قابل الأيام.
كانت الزوجة أشدَّ حنقاً، على وجهها أماراتُ تحفّزٍ ودعوةٌ غير خفية لزوجها لاتخاذ قرار حاسم.. فالأمر قد زاد عن حدّه، ويجب عليه ألا يسكت عن حقه، فالذي ثار على أكثر الأنظمة قمعية ووحشية، لن ترعبه مؤسسة صغيرة اعتدت على حقوقه المقدسة، والمكفولة بالقانون، وأولاً وقبل كل شيء باسمه الكبير.
يعمل رأفت مديراً في منظمة إنسانية تابعة لجهة دولية تدعم السوريين في إحدى دول الجوار، وقد أمضى نحو سبع سنوات في عمله حتى تاريخه، مستقراً مطمئناً، ووضعه الاقتصادي “فوق الريح”، فراتبه يبلغ سبعة آلاف دولار أميركي في الشهر، نعم في الشهر الواحد وليس في السنة، فكما تعلمون أو لا تعلمون، فإن نحو 60% من الكتل المالية للمنظمات الإنسانية تُصرف على الرواتب والأجور، وللمديرين الحظ الأعظم منها..
حكَّ رأفت جبينه بعقب القلم الذي يقلّبه بين أصابعه، وكتب في الدفتر المفتوح أمامه بنوداً مرقمة من الواحد حتى…..
-مستحيل، خمسة آلاف دولار لن تكفي أبداً، قال لزوجته دون أن ينظر إليها.
-طبعاً لا تكفي، نحن اعتدنا مستوىً معيناً من الحياة، لن نتنازل عنه أبداً، ألا يكفي ما يسرقون من الناس ومخصصات اللاجئين حتى يمدوا أيديهم القذرة إلى رواتب العاملين الذين يفنون أنفسهم في خدمة أهلهم؟.. ردت الزوجة بانفعال وتأثر..
-لن أوافق، ردَّ رأفت فوراً، وعقّب: العقد بيني وبينهم، لا يحق لهم تقليص راتبي، والقانون سيقف في صفي، سأفضحهم وأعرّي كلّ سرقاتهم ومخالفاتهم إن أصروا على هذا التخفيض، وحجة كورونا يلعبون بها على غيري، أنا مدير هناك وأعرف البئر وغطاءه..
-ولكن…. يجب أن تكون حذراً، ماذا لو بحثوا ودققوا واكتشفوا أن نصف المعلومات الواردة في (السي في) الذي وُظفت على أساسه غير حقيقية؟..
-لن يفعلوا شيئاً، فالأمر يدينهم أكثر ما يدينني، لن يأتوا بعد سبع سنوات ليقولوا إنهم كانوا مغفلين.
-إسمع حبيبي، أنا لست مستعدة إطلاقاً للتخلي عن السيارة التي وعدتني بها هذا العام، لا يليق بك ولا بي أن أركب سيارة موديل 2013.. ثم إن “الأودي” دارجة جداً بين الصبايا هذه الأيام، فدبّر رأسك.. وأيضاً لا تفكر أبداً بنقل “سامي” إلى مدرسة حكومية، أو حتى إلى مدرسة خاصة غير الأميركية أو الكندية… معظم أطفال سوريا باتوا أميين، ويجب أن نُعدَّ أبناءنا ليعودوا ويبنوا البلد والإنسان.
-هذا كله مقدور عليه ولا يشغل بالي، الحسبة التي تؤرقني تتعلق بالبيت، فكما تعلمين تحدثت مع السمسار بخصوص الشقة المطلة على البحر (أم 120 ألف دولار)، الآن أخشى أننا لن نستطيع شراءها، وربما نضطر للقبول بالشقة الأخرى التي عرضها علينا بعد شارعين، لكي نوفر 40 ألف دولار فقط!..
يقطع رنين هاتف رأفت النقاش وعملية عصر الأدمغة..
-ألو..
-ألو.. أستاذ رأفت، مساء الخير، آسف جداً للاتصال في هذا الوقت.
-أهلاً عبد الحق.. خيراً.
-أستاذ مالي غير الله وغيرك، دخيلك..
-خير يا عبد الحق شو في؟
-متل ما بتعرف أنا موظف عندكم بالبوفيه ونزلوا راتبي إلى 350 دولار بالشهر، والله يا دوب تكفيني أكل وأجرة بيت وفواتير أنا وعيلتي.. ومن شوي خبرني صاحب البيت أنو لازم أطلع لأنو بدو يزوج ابنه بالبيت.. وبتعرف حضرتك النقلة لبيت جديد ودفع أجرة شهرين وكمسيون بتكلف مو أقل من 700- 800 دولار.. داخل عليك ديّني اياهن وبدفعلك كل شهر 100 دولار من راتبي..
-والله يا ريت في يا عبد الحق، كان من عيوني، أنت أخ عزيز، لكن أنتو بتعرفوني، عم أدفع لعائلات مستورة بالداخل وبالمخيمات نص راتبي، هادا غير الأشياء اللي ما بتعرفوها وما حدا بيعرف فيها غير ربنا سبحانه وتعالى.. الله يفك ضيقتك ويفرج عنك وعنا..
تصبح على خير..
إي مرام.. شو كنا عم نقول مشان “الأودي”.. بدك اياها سبور ولا سيدان؟
وين فعل الخير وين مساعدة العالم شخص عم تئلو اخ وعزيز علي بس م معك دينو مبلغ مشان ينئول ع بيت جديد مشان م يصفا بالشارع وبس معك تشتري سيارة اودي لمرتك لا تفكر بهيك امور م بتعرف بحسنة مين الله بيرزئك وبتشتري سيارة احسن من الأزدي