ضياء قدور – حرية برس:
كالعادة، خرجت إيران عن الإجماع الدولي، معلنة رفضها للعقوبات الأميركية الجديدة المتمثلة في دخول قانون قيصر حيز التنفيذ ضد النظام السوري، حليفها الإقليمي، واصفةً هذه العقوبات بأنها “غير إنسانية وتمثل إرهاباً اقتصادياً”، ومؤكدةً على أنها ستعزز روابطها التجارية مع دمشق.
روابط تجارية تضاف إلى الروابط العسكرية والدبلوماسية التي تربط الطرفين في السنوات الأخيرة، بعد أن تغلغلت إيران في سوريا، وأضحت دمشق إحدى أقاليمها الجديدة.
سنحاول في هذا التقرير إلقاء نظرة على فتح بشار الأسد حدود بلاده أمام الإيرانيين، ورصد بعض ملامح التغلغل الإيراني في سوريا، وسيطرة الميليشيات الشيعية على مناطق نفوذ الأسد.
عواد باع أرضه يا ولاد
في العام 2011، مع اندلاع ثورة السوريين ضد النظام الجاثم على صدورهم لعقود عدة، استنجد بشار الأسد بالإيرانيين لحماية نظامه الدكتاتوري المنهك. استنجد بهم، لقتل أبناء جلدته ووضع حد للمظاهرات الاحتجاجية المطالبة بإسقاط النظام والداعية إلى إقامة دولة ديمقراطية يسودها القانون والمؤسسات ولا مكان فيها لنظام العائلة والمحاصصة.
ولبت إيران النداء على الفور، وأسست ميليشيات مسلحة جديدة في سوريا، عقب جلبها مقاتلين من العراق، وأفغانستان، مقابل مبالغ مالية. ومنذ بداية الحراك الثوري السوري، قاتلت الميليشيات الإيرانية التي يقدر عددها اليوم بـ70 ألف مقاتل ضمن كتائب وألوية تحت راية فليق القدس الإيراني الذراع الخارجية الضاربة للحرس الثوري الإيراني، كلواء زينبيون وفاطميون، والكتيبة 65 من الجيش الإيراني (أصحاب القبعات الخضراء)، وغيرها.
باع بشار الأسد في تلك الفترة، أرض السوريين للإيرانيين مقابل أن يبقى هو على كرسي الحكم، فالرئاسة أهم من حياة مئات الآلاف من السوريين، وأهم من الوطن.
جاء التدخل الإيراني في سوريا إذاً لحماية حليفهم المبجل هناك بشار الأسد، فوفرت طهران قروضاً، ونفطاً، ومساعدات مالية، وأسلحة، وتدريباً في ساحة المعركة، ومقاتلين للحكومة السورية بتوجيه من المرشد الأعلى لإيران، فالمقابل مهم.
جرائم قتل إيرانية تحت أعين الأسد
مع بداية التدخل الإيراني وإلى الآن، شوهدت الميليشيات الإيرانية في الشوارع والخطوط الأمامية في العديد من المدن والقرى والبلدات السورية، بما في ذلك حلب واللاذقية وحماة ودير الزور، حيث كانت تشرف على معارك لا تُعدّ ولا تُحصى.
كانت الميليشيات الإيرانية الشيعية تحرص على استمرار حكم الأسد، فخلال أكثر من تسع سنوات، كانت هذه الميليشيات الدموية مسؤولة عن قتل الآلاف من السوريين دون شفقة ولا رأفة، فالدموية صفتهم.
من أبشع عمليات القتل ما حصل في مدينة القصير حيث تذكر تقارير أن المليشيات الإيرانية إضافةً إلى جنود نظام الأسد قتلوا وقتها نحو ثلاثة آلاف إنسان من أهل المنطقة. وهو رقم يُعدّ الأعلى في سورية كلها قياساً إلى نسبة عدد السكان.
جرائم قتل جماعي للسكان السوريين العزل، ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب السوري، ومع ذلك لم تتم حتى الآن مساءلة النظام الإيراني عنها أبداً أمام العدالة، فبشار الأسد منحهم الضوء الأخضر لذلك.
تغيير ديمغرافي
فضلاً عن قتل المدنيين العزل المطالبين بالحرية، وتدمير القرى والمدن الجميلة، عمدت الميليشيات الإيرانية إلى إجراء تغيير ديموغرافي واسع في العديد من القرى والمدن السنّية من أنحاء سوريا للحفاظ على السيطرة والنفوذ الإيرانيَّين.
وأشرفت الميليشيات الإيرانية على عمليات التغيير الديموغرافي في سوريا، وهو ما أعادت تأكيده صحيفة الغارديان البريطانية، مستندة إلى تصريحات مسؤولين في الجيش الحر.
تَعمد الميليشيات الإيرانية بمساعدة ضباط جيش الأسد إلى طرد الأهالي من منازلهم ومناطقهم وأراضيهم، وإحراق مكاتب السجل العقاري، وأي أوراق تثبت ملكيتهم للمنازل والأراضي، وإسكان عائلات ومقاتلين ميليشيويين في هذه المناطق، وما يحدث في محافظة دير الزور، ومنطقة البوكمال بالتحديد أكبر دليل على ذلك.
بعض الأهالي حاول العودة إلى مناطقهم خاصة في حمص وإدلب وداريا وفي ريف دمشق الغربي، لكن نظام بشار الأسد اعتبر أنهم لا يملكون الأوراق الثبوتية التي تثبت أنهم كانوا يعيشون في هذه المنطقة في الواقع، كل ذلك حتى يحافظ حلفائه الإيرانيين على مناطق نفوذ يمكنهم حكمها، إضافة إلى خلق امتداد جغرافي لهم مع لبنان، وإجراء فصل طائفي تام.
جدير بالذكر أن جريمة التغيير الديمغرافي وعمليات التهجير الجماعي، تعتبر من أكبر جرائم العصر في سوريا، وقد كانت إيران الفاعل والجاني الأساسي فيها، وباتت ملفاً حقوقياً يلاحق إيران في المحافل الدولية.
تدمير المدن والقرى
صواريخ الميليشيات الإيرانية التي كانت تسقط بشدّة، خلفت دمارا كبيرا في العديد من المدن السورية، أهمها حلب التي دمرها قاسم سليماني، فلم تسلم البيوت ولا المستشفيات والإدارات والمؤسسات العمومية ولا حتى المدارس ودور حضانة الأطفال.
جميع المباني كانت تحت القصف الهائل والمستمر، فالهدف قتل أكبر عدد ممكن من السوريين وتهجير من بقي حياً وتدمير البيوت حتى لا يعود أحد إلى هناك، وتصبح مفاتيح المدينة في يد الإيرانيين بمباركة نظام بشار الأسد.
من أفظع جرائم ميليشيات إيران بعد قتل الصغير والكبير في سوريا هو تدميره المسجد الأموي في حلب والذي تجاوز عمره 1300 سنة.
تجويع الأهالي
من الصور التي ستبقى راسخة في ذهن السوريين الأحرار، وكل شخص حر في العالم، صور أهالي مدينة مضايا بريف دمشق، حين حاصرهم قاسم سليماني وميليشياته الإيرانية. ويذكر أن هذا الحصار تسبب في وفاة عشرات المدنيين نتيجة لانقطاع الطعام والشراب من بينهم أطفال ونساء.
كما أدت الحملة العسكرية على مدينة الزبداني عام 2015 للجوء معظم سكانها إلى بلدة مضايا المجاورة، وقامت قوات النظام حينها بقصف مضايا بالبراميل المتفجرة، وفرضت على المدينة حصاراً محكماً، ووصل الحال بالمحاصَرين إلى درجة أكل القطط والكلاب والحشائش وأوراق الأشجار لسد رمقهم.
صحيح أن الإيرانيين لم يحاسبوا إلى الآن على جرائمهم المرتكبة في سوريا، لكن من المهم تذكير الناس بهذه الجرائم البشعة والمنافية للإنسانية، عله يأتي يوماً ويحاسب فيه النظام الإيراني على ما اقترفه بحق سوريا وشعبها التواق إلى الحرية والعيش الكريم.
عذراً التعليقات مغلقة