من أين جاء كل هذا الخبث؟

سامي الدريد18 يونيو 2020آخر تحديث :
سامي الدريد

في ليلة الجمعة 25/3/2011 وقبيل وجبة العشاء، فتح باب الزنزانة الجماعية التي جمعونا فيها في الليلة السابقة في فرع الخطيب، ودخل أربعة شباب يحملون شابا، ودخل خلفهم رجل مسن ضخم بلباس عربي بشارب أبيض مفتول تلون بلون الدماء التي تسيل على وجهه.

لم تكن فرحة التقائنا قبل ليلة، بعد تفرقنا في المنفردات قد غادرتنا، ومازلنا نتدوال القصص والأحداث الفردية أثناء تلك الفترة، وإحساس بالنصر يجتاحنا بعد أن أخبرونا أن المعلم عفا عنا، ومازلنا ننتظر بفارغ الصبر التنفيذ، ونقفز كلما فتح الباب ظنا منا بحلول المراد. كنا بين ال50 وال60 سجينا من مختلف بقاع سورية الجغرافية وطوائفها وأعراقها المختلفة، نجهل تماما ما يحدث في الخارج.

ساد الصمت والوجوم في المهجع وكأن الجميع على رؤوسهم الطير، أفسحنا المجال للمحمول الذي تبين أن حوضه مكسور، وهيأنا له مكانا يستلقي عليه، وأشرنا للشيخ أن يذهب ويغسل الدماء من على وجهه.

تحلقنا حوله حين عاد ومازال الصمت يمسك بتلابيب افوهنا ويمنعنا عن التفوه بحرف، سألناه ما الخبر؟ قال: ضربونا بالهراوات والعصي الكهربائية ولم يرقبوا فينا إلا ولا ذمة، قلنا: من؟ قال: الأمن، سألناه وقد علا وجوهنا الاستغراب: لماذا؟ قال باستهجان لسؤالنا الذي بدا تافها: لفض المظاهرة، صدمنا جميعا مما نسمعه فسألناه: أوتظاهرتم؟ قال بضجر: دوما كلها انتفضت، لم نجد مانقوله فسألناه بسذاجة لماذا؟ قال وعيناه تبرقان: نصرة لدرعا، درعا جريحة يا ابني، وانحدرت لؤلؤتان من عينيه بعد أن تجمعا وكبرا ولم يعد في العين مكان يسعهما.

لم يستطع أحد منا أن يتمالك نفسه، بكينا جميعنا، من كلمات الشيخ المؤثرة، ومن خبر أن دوما انتفضت، وقبلها درعا. كنا مذهولين، لم نصدق ما نسمع، كأننا جميعا في حلم، الشعب السوري انتفض.

كيف تفرقنا؟ من الذي سعى لتفرقتنا؟ كيف رضخنا له؟ كيف سمحنا أن نتفرق؟ أين هذا الشيخ وأين كلماته؟ أين هذا الإيثار وأين التضحية التي كانت في بداية الثورة؟ من أين جاء كل هذا الخبث؟

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل