مرة جديدة، احتاج هذا العالم الغافي الضمير الى صورة طفل في الرابعة من عمره يمسح بيده البريئة وجهه الذي أنعمت عليه قذائف فلاديمير بوتين وبشار الأسد بالدم بدل الحليب ولقمة الغذاء.
احتاج العالم الى هذه الصورة ليتذكر أن هناك ضحايا يسقطون في هذه الحرب التي يشنها الأسد وشركاه على الشعب السوري. ومثل صورة الطفل إيلان، الذي رأى العالم جثته ممدّدة على أحد شواطئ تركيا، ها هي صورة عمران، الذي نجا من القذيفة التي أسقطتها «السوخوي» الروسية بدقة متناهية على منزل والديه، تهز ضمير العالم لبضع دقائق، قبل أن يتحول «الريموت كونترول» الى قناة أخرى ومشهد آخر، ليتابع أخبار المفاوضات التي تجري للوصول الى ما بات معروفاً بحل الأزمة السورية، هذا الحل الذي لا يتحقق إلا بالتعاون مع السفاحين الذين يرتكبون هذه المجازر، ثم يتحدثون عن «هدنة انسانية» لإدخال المساعدات.
لم يكن عمران في حاجة الى مساعدات قبل أن يأتي بوتين بقذائفه الى حلب لإنقاذ الأسد من الانهيار، بعد التقدم الأخير الذي أحرزته المعارضة. عندما ولد عمران كانت الحرب السورية في بداياتها، ومثلما كان بشار الأسد يجهّز سورية للموت والدمار، كان أهل عمران يجهّزون طفلهم لموعد مع الحياة، متناسين أنهم يعيشون في بلد محكوم بشعار «أحكمكم أو أقتلكم».
لم تكن قذائف بوتين التي كانت تنطلق من حميميم ومن القواعد الروسية، تحصد العدد المطلوب من الضحايا. لذلك استنجد الرئيس الروسي بأصدقائه الإيرانيين، الذين لا يتأخرون عن تلبية خدمات من هذا النوع، وطلب منهم استخدام قاعدة همدان، التي يمكن منها تحميل المقاتلات بكمية أكبر من القذائف، ما يوفر على الخزينة الروسية نفقات الرحلة الطويلة، ويقوم باللازم من حيث عدد الضحايا المطلوب القضاء عليهم.
المعنى الأهم لانطلاق المقاتلات الروسية من قاعدة همدان لقصف مواقع المعارضة في سورية، ليس فقط في مدى استعداد بوتين لإغراق جيشه في دم السوريين، بل هو يكمن فوق ذلك في مدى استعداد إيران للذهاب بعيداً في خياراتها الاستراتيجية من أجل الحفاظ على نظام بشار الأسد ومنعه من السقوط.
فإيران، ومعها كل الميليشيات التي استوردتها الى الأرض السورية لحماية الأسد، لم تعد قادرة بمفردها على القيام بهذه المهمة، وهو الأمر الذي استدعى التدخل الروسي في خريف العام الماضي، واستمر هذا التدخل على رغم إعلان بوتين في مطلع هذا العام أن مهمة قواته في سورية قد انتهت وصار ممكناً تخفيف التدخل هناك.
فللمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية سنة 1979، تنطلق مقاتلات غير إيرانية من قاعدة عسكرية إيرانية. هذا أمر لم يحصل حتى في عز الحرب العراقية – الإيرانية التي وصل خلالها النظام في بعض مراحل تلك الحرب الى حافة السقوط، ما اضطر الخميني في آخر الأمر الى «شرب السم» لإنقاذ الثورة التي كان قد أطلقها قبل تسع سنوات.
حتى وكالة «فارس» التابعة لـ «الحرس الثوري»، اعترفت بأنها المرة الأولى التي تستقر فيها الطائرات الروسية في إيران «من أجل تنفيذ عملية عسكرية في بلد أجنبي». وسارعت القيادات الإيرانية الى تأكيد أن هذه العملية موقتة ولن تؤدي الى إقامة دائمة، ورد رئيس «مجلس الشورى» علي لاريجاني على انتقادات عدد من النواب لفتح القاعدة للروس بالقول أن إيران لا تنوي منحهم قاعدة عسكرية. غير أن تطورات الحدث السوري وعجز نظام بشار الأسد عن حماية نفسه بعد اليوم، سيجعلان الحاجة ضرورية الى إقامة روسية دائمة في قاعدة همدان، مثلما هي الحال في قاعدة حميميم في سورية.
على دول المنطقة أن تعد نفسها لصفحة جديدة من التعامل مع روسيا ورئيسها. موسكو تعتبر منطقة الشرق الأوسط ساحة أخرى لمواجهة المصالح الغربية، وللرد على العقوبات المفروضة عليها بعد ضمّها شبه جزيرة القرم. من هذا المنطلق، يجب النظر الى العلاقات الروسية المتطورة مع إيران. وفي ظل الانكفاء الأميركي الحالي، يصبح هذا التحالف بالغ الخطورة على أمن دول المنطقة ومصالحها، وليس ما يضمن أن يبقى محصوراً بسورية وبحماية بشار الأسد.
*نقلاً عن: “الحياة”
Sorry Comments are closed