التنمّر.. ضحايا كثر وجناةٌ بلا عقاب

فريق التحرير7 مارس 2020آخر تحديث :

هدى بلال- حرية برس:

التنمّر هو سلوك عدواني غير مرغوب فيه من قبل شخص أو مجموعة تجاه شخص آخر أو جماعة أقل قوة بهدف الضرر، أو التخويف، أو التضييق، ويحدث غالباً للأطفال في سن المدرسة، ويمكن لهذا السلوك أن يتكرر مع الوقت، كما يؤدي هذا النوع من العنف إلى آثار خطيرة ودائمة على الشخص الذي يتم التنمر عليه.

ويكون التنمر على شكل مجموعة من الإجراءات مثل توجيه التهديدات، أو نشر الشائعات، أو مهاجمة الشخص أو استبعاده عن المجموعة، وهو سلوك معادٍ للمجتمع، يصيب ملايين الأشخاص باعتبارها مشكلة واسعة الانتشار ولها تأثيرات سلبية كبيرة على تطور الشخص أو التحصيل الدراسي للطالب المعرض لها -بحسب كتاب التنمر المدرسي لهاملتون وندرسون-.

وينقسم التنمر الى عدة أنواع:

التنمر الجسدي: يكون من خلال العنف الجسدي مثل الضرب، أو الركل، أو إتلاف الممتلكات.

التنمر اللفظي: يشتمل هذا النوع على الإهانات، والتخويف، والإغاظة، أو الإساءة اللفظية.

التنمر الإجتماعي: يشار إليه أيضاً (التنمر السري)، وهذا لأنه يصعب التعرّف عليه، ويكون على شكل أضرار في السمعة الاجتماعية لشخص أو التسبب بالذل له، ويكون على شكل نشر الشائعات، أو التهديدات، أو قول النكات السيئة لإحراجه.

التنمر الإلكتروني: يكون من خلال استخدام التقنيات الرقمية مثل أجهزة الكمبيوتر، أو الهواتف الذكية، أو غيرها عبر الإنترنت.

يقول محمد 26 عامًا لـ “حرية برس”، “لم يكن تفوقي في المدرسة شيئًا رائعًا عندما كنت طالبًا بل كان مدعاة شر وحسد من زملائي لقد اعتدت على شيء واحد في كل يوم أن أعود لمنزلي بعد أن يكون زملائي قد أشبعوني ضربًا وأنا لضآلة جسدي لم أستطع الدفاع عن نفسي ومما زادني ألمًا أن والدي لم يكن ليدافع عني بل على العكس تمامًا تركني أواجههم وحدي ظنًا منه أن الأمر لايتعدى مشاجرة بين أطفال مما دفعني لترك المدرسة والهروب منها، ما دفع والدتي لنقلي لمدرسة أخرى”.

ويضيف محمد، “رغم مرور السنوات الطويلة إلا أن العنف الذي تعرضت له جعل من الخوف الهاجس المؤرق في حياتي بت أخاف من لاشيء تتسارع ضربات قلبي وأصاب بإجهاد لازال يرافقني ولا أستطيع التخلص منه”.

من جانبها قالت “رانية” 36 عامًا لـ”حرية برس”، “لقد ترك زواج شقيقتي الصغرى قبلي أثرًا سلبيًا في حياتي، فبعد زواجها بدأ الأقارب والجيران يسألونني ماسر زواج شقيقتك قبلك؟ هل أنت مريضة؟ البعض صار ينعتني بالعانس ولم تكن تخلو مناسبة اجتماعية أو زيارة أحضرها إلا وسيل الأسئلة ذاته يمطرني في كل مرة، أعود يملئني الانكسار والخيبة إلى أن قررت الاعتزال والابتعاد عن كل المناسبات التي يقيمها الوسط المحيط بي من الاقارب والاصدقاء، وأن الابتعاد عن الآخرين مدعاة للراحة على الرغم أن الابتعاد بات يشعرني بالإكتئاب”.

وبيّن “سعيد” 20 عامًا، “عندما هاجرنا من بلدنا واستقر بنا الحال في مدينة غازي عينتاب التركية ساقتني الأقدار كي أعمل في إحدى ورشات الخياطة عند أحد التجار الاتراك لقد كنت العامل السوري الوحيد، لقد كانت نظرات زملائي الأتراك لي تنم عن دونية واحتقار، والبعض كان يصفني بالجبان لأنني غادرت بلادي والبعض الآخر بالخائن لم تكن تتعبني ساعات العمل الطويلة بقدر ماكانت تؤلمني نظراتهم الحاقدة لي وكلماتهم الجارحة فاضطررت لترك العمل”.

ويتابع سعيد، تلك المعاملة السيئة التي قوبلت بها من الأتراك دفعتني إلى تجنب عن كل ماهو تركي سواء في السوق أو في الطريق فكنت مثلًا لا أشتري حاجياتي من المحلات التركية ولا اقترب من الأماكن العامة التي تزدحم بالأتراك درءًا لنظرة حاقدة ومنعًا لكلمة مؤلمة”.

أما عبير 27 عامًا، لقد كان يوما لاينسى من أيام حياتي عندما فوجئت برسالة عبر الماسنجر من مجهول يهددني بأنه سوف يقوم بنشر صور فاضحة لي على صفحات الفيسبوك، إذا لم ألبي رغباته الجنسية وقد أرسل لي صورًا معالجة بالفوتوشوب في أوضاع فاضحة ومخلة للآداب العامة لقد صعقت تمامًا لم تكن عندي القدرة على التفكير”.

وتضيف عبير، “أسبوع بأكمله والخوف والهواجس يتملكني ولا أجرؤ على التكلم لأحد كنت أتخيل زوجي وهو غاضب مني وقد طردني من بيتي، والخيالات المؤلمة لم تكن تفارقني وكذلك تهديدات ذلك المجهول وإلحاحه يزداد مما دفعني للجوء لبعض الأصدقاء الذين توصلوا لمعرفة الشخص وتهديده بالقضاء فتوقف عن إزعاجي”.

أما ميادة 30 عامًا قالت لـ “حرية برس”، “عندما كنت صغيرة كان والدي دائمًا يمنعني عن الحديث كلما حاولت بحجة التأدب، وصمتي الطويل من غضب والدي أصابني بعقدة التأتأة، في المدرسة كانت زميلاتي يسخرن مني عندما أقوم بقراءة الدرس ويبتعدن عني ويرفضن اللعب معي”.

وتضيف ميادة، لليوم هذا لا تفارقني التأتأة في الكلام رغم أنني لا أعاني من مشكلة جسدية في صوتي أوحنجرتي أو أحبالي الصوتية لازلت لليوم أحلم بصديق أبادله همومي أقاسمه فرحي لازلت أحلم بأشخاص أبادلهم الأحاديث فما أن أبدأ بالحديث حتى ينفضوا عني”.

ظاهرة خطيرة

وعن أسباب تفشي “التنمر” كظاهرة مجتمعية خطيرة، يقول باسل المرشد النفسي الاجتماعي “باسل نمرة” لـ “حرية برس”، قد يكون التنمر نتيجة خطأ مهني وتربوي ففي المدرسة نلاحظ أن بعض المعلمين والمعلمات يقومون بإقصاء الطالب الكسول وفصله عن الطلاب المتفوقين فينجم عن ذلك شعور النقص والكآبة فيؤدي لردة فعل عنيفة يقوم بها الطالب الكسول على أقرانه المتفوقين فيعتدي على زملائه بالضرب والتخويف والشتم لاعتقاده أنهم سبب إقصائه وتهميشه ولشعوره باضطهاد كبير”.

ويضيف “نمرة”، إن “ظاهرة التنمر مرتبطة بمنظومة أخلاقيّة ونفسية للأشخاص فغالبية المتنمرين ليسوا بأشخاص أصحاء نفسيًا حيث أننا نرى معظمهم يعانون من عقدة النقص فيكون تنمرهم ليشعروا بالتعويض”.

في محاولة العلاج

وعن كيفية معالجة ظاهرة التنمر عند الأطفال تقول المرشدة التربوية “رجاء شعيب” لـ “حرية برس”، “علينا استغلال الطاقة السلبية لدى الأطفال المتنمرين بنشاطات رياضية وأنشطة لا صفيّة نقوم بذلك بتحويل الطاقة إلى طاقة إيجابية كالنشاطات التي تتطلب بذل جهد حركي كرياضة الجري والكاراتيه والرقص”.

وأضافت شعيب، “ينبغي علينا إشراك الاطفال المتنمرين مع الطلاب المتفوقين بنشاطات فكرية كلعبة الشطرنج لكي يتجاوزوا عقدة النقص التي بداخلهم ويشعرون بنوع من المساواة مع أقرانهم المتفوقين،منوهةً إلى ضرورة تقديم الدعم النفسي للأطفال الذين كانوا ضحايا التنمر”.

وتابعت “شعيب”، “لا يقتصر علاج التنمر بالدعم النفسي فحسب، بل علينا أن نقوم بجلسات حوار خاصة، وخاصة باختبار توزيع الأوراق نقوم بتقسيم الطلاب إلى مجموعات كل مجموعة إلى اثنين حيث يكتب الطالب عن زميله بكل أريحية الصفات الإيجايية والسلبية، فنعرف من خلالها أسباب التنمر من كلا الطرفين، وخاصة بمدحهم بنقاط القوة لديهم كالتفوق والتهذيب”.

دور الإعلام في مواجهة التنمر

وعن دور الإعلام في محاربة ظاهرة التنمر قالت الإعلاميّة مي الحمصي لـ “حرية برس”، إنه “من الواجب علينا كإعلاميين وصحفيين، كتابة مقالات للتوعية بخطورة التنمر على المجتمع، سواء كان الطرف المستضعف طفل أو امرأة او حتى رجل”.

وتضيف الحمصي، أن ” التوعية تشتمل باستخدام الموارد المتاحة بالعمل او عبر وسائل التواصل التي تعتبر منابر مهمة في الوقت الحالي، أو التوعية من خلال الحملات أو البيانات الرافضة لأي تصرف مسيء للآخر، خاصة أن مفهوم التنمر في مجتمعاتنا جديد، فنحن نلاحظ الكثير من تصرفات الأطفال و بأعمار مختلفة يقومون بها على أنها تصرفات طبيعية وعادية ومع مرور الوقت بتنا أكثر وعيًا، فمن الضروري توفير الألم على الاجيال الجديدة”.

وأكّدت الحمصي، على أن” الحل الجذري للقضاء على التنمر هو إيجاد قانون يحاسب المتنمرين قضائيًا على أن يكون تنمرًا حقيقيًا بعيدًا عن الدعوى الكيديّة”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل