أين تركيا من معادلات حلف الناتو؟

لجين مليحان6 مارس 2020آخر تحديث :
أين تركيا من معادلات حلف الناتو؟

يبقى المشهد التركي الروسي ضبابياً ولا يوحي بانفراجة قريبة، فالمياه تعود لِتتَعكر بعد صفائها بينهما، ويتضح غدر الدب الروسي بالذئب التركي بعد انسجامهما وتوافقهما في مؤتمر سوتشي وأستانة بما يخص الشأن السوري، فالصديقان العدوان الآن في موقف لا يعرف عقباه، وذلك على أثر مقتل37 جندي تركي في إدلب شمالي سوريا، وأثارت هذه الحادثة تطورات جمة ومتسارعة لصالح المعارضة السورية وخصوصاََ على الصعيد العسكري، عقب الرد العسكري التركي القاسي ضد قوات الأسد والميليشيات الطائفية المساندة، ﻭﺗﺜﻴﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ، ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﺳﺘﻔﻬﺎﻡ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺣﻮﻝ مصير ﺍﻻﺗﻔﺎﻗﺎﺕ، ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ﻛﻞﻣﻦ ﺃﻧﻘﺮﺓ ﻭﻣﻮﺳﻜﻮ، ﻓﻲ ﺳﻮﺗﺸﻲ ﻭﺃﺳﺘﺎﻧﻪ، ﺑﺸﺄﻥ ﻭﻗﻒ ﺇﻃﻼﻕ ﺍﻟﻨﺎﺭ والألتزام بها، ولكن هل ياترى سيكون هناك تطورات أخرى لصالح تركيا من قبل “حلف الناتو” تدعم موقف الأتراك أمام الروس وتردع تقدم الروس على الأراضي السورية لصالح تركيا؟

هل ستشهد المنطقة صدام تركي روسي؟

عند انضمام تركيا ل”حلف الناتو” وذلك عام1950 كان هناك حلفين كبيرين هما “حلف وارسو” و”حلف الناتو” وفي ذلك الوقت كانت روسيا تحيط بتركيا من أكثر من جهة كبلغاريا وجورجيا وارمينيا وسواحل الطرف المقابل للبحر الأسود، وكانت تنوي اجتياح تركيا وذلك في عهد “عدنان مندريس” وخصوصا مدينة اسطنبول بسبب موقعها الاستراتيجي على مضيقي البوسفور والدردنيل، وتعتبر هذه المضائق هي المنفذ البحري الوحيد لها على البحر المتوسط، عندها أعلنت أمريكا دعمها العسكري لتركيا، والأتراك وقتها دخلوا بحلف الناتو في مواجهة الروس، ولكن بعد ذلك منذ 30 عام إنهار حلف وارسو وكانت النتيجة أن الجيش الروسي أُبعد عن الأراضي التركية وبالتالي أصبح هدف حلف الناتو مختلف إذ كان هدفه وقتها هو إنقاذ نفسه وليس إنقاذ تركيا ومساندتها وذلك بحال إحتلال الروس لتركيا سيصبح حلف وارسو والروس خطر على جنوب أوروبا أي من جهة سواحلها الجنوبية على المتوسط، وأصبحت تركيا ذلك الباب الجنوبي الذي أغلق به على روسيا ، كما أن السويد والنرويج كانت الباب الغربي لروسيا وهذه كانت مسألة مهمة لفرض الحصار والمجاعة على روسيا فالنتيجة أن حلف الناتو دخل لمصلحته وليس لمصلحة تركيا إنما تصادفت المصالح وقتها وبعدها افترقت.

بعد اختفاء وتفكك حلف وارسو الذي انفصلت عنه أوكرانيا وروسيا البيضاء و دول البلطيق وبولندا وألمانيا الشرقية وغيرها من الدول التي انفصلت واستقلت وبعضها انضمت إلى حلف الناتو وهناك دول عازلة مثل أوكرانيا وجورجيا وارمينيا واذربيجان تقع بين تركيا وروسيا، هذا يوضح أن حلف الناتو يرى أن تركيا ليست بخطر وجودي وأن روسيا لن تستطيع إحتلالها، وتركيا تدرك هذا الكلام فدائماً الرئيس التركي أردوغان يشير في خطاباته إلى عدم مساعدة حلف الناتو له وبتقصيره تجاه تركيا وفي خطابه يوم 29 فبراير 2020 ذكر الرئيس التركي أردوغان أن تركيا طلبت في سنوات سابقة طائرات استطلاع مسيرة ولم يتم إعطائها لتركيا، فعمدت إلى تصنيع طائراتها المسيرة بذاتها، كما طلبت سابقاَ صواريخ “باتريوت” ولم تعطى، وإن الناتو لن يساعد تركيا إلا إذا كانت هذه المساعدة تصب في بحر مصالح الدول الغربية.

لماذا لا تترك تركيا حلف الناتو ؟
لأن وجود تركيا فيه سيؤمن لها غطاء يحميها من القصف النووي الروسي في حال حدوث حرب واسعة ذات يوم، وإن تركيا تعلم بعدم مساعدة حلف الناتو لها ورغم ذلك تطلب منه الوقوف معها نوع من الإحراج السياسي ومن باب تخويف الروس، لأن روسيا تخشى من دول حلف الناتو، وتخشى أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات عليها، كما أن روسيا تخشى أيضاَ أن تتطور كرة الثلج وتتدحرج إلى صدام حقيقي وتدخل جدي لحلف الناتو، أردوغان يلعب لعبة تخويف مع روسيا بطلب عقد اجتماع لحلف الناتو ومجلس الأمن وشهدنا عبر التصريحات إن دول الناتو ودول مجلس الأمن مع تركيا، وهذا مجرد كلام ولكن الأهمية منه أنه لن يتم فرض عقوبات على تركيا، وروسيا فهمت أنه ليس بمقدورها محاصرة تركيا إقتصادياَ لأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مع تركيا، فتركيا تدرك عدم مساعدة هذه الدول ولكنها تلعب على هذا الحبل من باب السياسة والحرب النفسية لردع الروس وأن الناتو هو الورقة التي تلوح بها سياسياََ.

‏‏ماهو الموقف الأمريكي ؟
فالولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها شهية لدخول في مواجهة عسكرية مع الروس من أجل تركيا، فهي تتعاطف مع الأتراك عبر التنديد، ولقد برزت خلافات في الآونة الأخيرة بين وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية وخاصة المسؤول الأمريكي عن الملف السوري السفير السابق “جيمس جيفري” الذي وصف مقتل الجنود الأتراك بالشهداء عندما قتلوا في البداية وتحدث باللغة التركية عندما كان في تركيا، وهو الآن يطالب بإرسال صواريخ باتريوت حتى أنه يؤيد فكرة إقامة منطقة حظر جوي فوق إدلب ولكن موقف وزارة الدفاع الأمريكية مختلف فهي ترفض بقوة وترى أن مثل هذا التحرك إذا حدث سيكون بداية أو سابقة سلبية وهو أمر متهور سيكون له تداعيات خطيرة وليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية القيام بمثل هذا الأمر بهذه المرحلة.

هذا يعني أننا سنرى دعم سياسي دبلوماسي كما أنه من المحتمل نرى دعم استخباراتي ودعم لوجستي وربما تقديم بعض المعدات للأتراك ولكن لا نعتقد أن هناك شهية لمواجهة مع روسيا، ومن جانبها قامت روسيا ببعث رسائل كقدوم الفرقاطتان الحربيتان اللتان تحملان صواريخ كاليبر وكما أطلقوا صاروخ “هايبرسونك” من ظهر سفينة وهذا تطور مهم وهو إرسال رسالة ليس لتركيا فقط وإنما للدول الغربية.

هناك أسباب أيضا لعدم وجود الشهية الأمريكية للمساعدة فالأنتخابات الأمريكية المقبلة، والتواجد الأمريكي في مناطق النفط في الشمال الشرقي من سورية وليس في إدلب ، وقضية دعم مجموعات من الأكراد، وتعد إدلب ليست بمنطقة تواجد لنظيم داعش والأهم من هذا إنها ليست على الحدود الإسرائيلية في جنوب سورية لتشكل خطر يهدد مصالح وأمن إسرائيل ويستدعي تدخل الولايات المتحدة، فجميعها أسباب تتوفر لعدم شروط تقديم دعم جدي في مساعدة لتركيا.

وبالرغم من هذا كله يبقى الشعب السوري هو الوحيد الذي يفرح بالهجمات من أي جهةٍ كانت ضد قوات الأسد وروسيا والميليشيات الطائفية، ويتمنى مساعدة من حلف الناتو لفرض حظر جوي بعد هذه السنوات العشرة وتوجيه ضربات لتقسم ظهر الأسد وحلفاؤه.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل