قبل أشهر عاد أبو محمد من لبنان إلى بلدته الواقعة في منطقة “مثلث الموت” شمال القنيطرة، قرب الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، ليقيم في منزله وليبدأ حياة أكثر استقراراً من سنوات النزوح التي قضاها في لبنان، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن.
تفاجئ أبو محمد لدى عودته بتحويل منزله إلى مقرٍ عسكري، ما اضطره للإقامة وعائلته في منزل والده لأسابيع، قبل أن يقوم بالتوجه إلى بلدته ويتحدث مع أحد القادة العسكريين المتواجدين في منزله، طالباً منه أن يسمح له بإصلاح وترميم منزله والعودة إليه، لكن قوبل طلبه بالرفض “بحجة أن تواجدهم أمني والمنزل أصبح نقطةً أمنية”.
قبل عامٍ ونصف وقَّعت فصائل المعارضة في محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، اتفاق تسوية (المصالحة) مع نظام الأسد بضمانة روسية، ما أتاح للنظام بسط سيطرته على المنطقة. وسبق الاتفاق تفاهمات دولية اشترطت على الروس التعهد بإبعاد المليشيات الإيرانية عن حدود الجولان المحتل والأردن مسافة 40 كيلومتراً، وهي المناطق التي تشكل عمقاً استراتيجياً بالنسبة للمليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
وبعد سيطرة النظام على المنطقة سعت مليشيا فاطميون الإيرانية وحزب الله اللبناني إلى التوغل في قرى: الهبارية، دير ماكر، سلطانة، وماعص وغيرها، الواقعة في منطقة مثلث الموت -المنطقة الواقعة عند نقطة تلاقي محافظات: درعا، ريف دمشق، والقنيطرة- الاستراتيجية، والتي تشكل تهديداً أمنياً بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، إذ أخذ هذا التوغل شكلاً أشبه بتوطين عائلات مقاتلي حزب الله اللبناني ومليشيا فاطميون إلى جانب تحويل العديد من المنازل إلى مقرات عسكرية ونقاط أمنية.
في مرمى “إسرائيل“
هذا التوغل والانتشار الإيراني، لم يغب يوماً عن نيران الطائرات والمدفعية الإسرائيلية، إذ أصبح مشهد القصف الإسرائيلي لهذه المناطق اعتيادياً. وهو ما “دفع مليشيا حزب الله وفاطميون الانسحاب من الثكنات العسكرية والمقرات المحيطة بالبلدات والقرى إلى داخلها، من أجل تفادي القصف الإسرائيلي” بحسب ما قال يوسف أحد أبناء ريف القنيطرة الشمالي.
وقال يوسف، الذي طلب من “أنا برس” عدم الكشف عن اسمه الكامل لأسبابٍ أمنية، أن منزله “تعرض للقصف الجوي الإسرائيلي نتيجة تواجد قوات حزب الله اللبناني فيه”. وقبل أسابيع من تعرض منزله للقصف كان قد طلب من المجموعة العسكرية التابعة لحزب الله العودة إلى منزله، إلا أنها رفضت ذلك، مبررةً ذلك بأن “المنزل أصبح نقطة أمنية للحزب”.
إلى جانب الضرر الذي ألحقه التواجد العسكري بمنزل يوسف، فإن هذا التواجد بحسب يوسف، “يعرض حياة المدنيين لخطر الاستهداف الاسرائيلي” مضيفاً “المدنيون باتوا يشعرون بالخوف والذعر من تواجد حزب الله والإيرانيين داخل القرى، لاسيما وأن الغارات أصبحت بمعدل ضربةٍ كل أسبوعين في المناطق الحدودية من الجولان المحتل تستهدف أكثر من نقطة”.
لجنة تفاوض عاجزة
مع كل نبأٍ عن استهداف منزلٍ يحوي عناصر من حزب الله وفاطميون، يزداد قلق أبو محمد من أن يلقى منزله مصيراً مشابهاً، ويكرر زيارته للعناصر المسلحين في منزله طالباً منهم الخروج منه ليعود إليه، وفي آخر مرة “هددوني بالسلاح، بأن لا أعود تحت طائلة المسؤولية، أخبرتهم ليس لدي مأوى للمبيت مع عائلتي، ومع ذلك طردوني وهددوني بالقتل”.
بعد ذلك، لجأ أبو محمد، إلى لجنة التفاوض في المنطقة بغية الحصول على مساعدتها في استعادة منزله، إلا أن أعضاء اللجنة أخبروه بأنهم “لا يستطيعون إجبار مقاتلي الحزب على الخروج، وأنهم سوف يقومون بإبلاغ الجانب الروسي وقيادة الفرقة السابعة للمساعدة بالأمر، لكن حتى الآن لم يأتي أي رد”.
وفي قرية أبو محمد الصغيرة، استولى حزب الله اللبناني ومليشيا فاطميون على ما يقارب 15 منزلاً، البعض منها تحول إلى نقاط أمنية وعسكرية والبعض أقامت فيها عوائل تلك المليشيات.
وتعليقاً على ذلك، قال أحد أعضاء لجنة التفاوض لـ”أنا برس” والذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن اتفاق التسوية الموقع مع النظام “شمل بنداً يتحدث عن إخلاء قرى مثلث الموت والقرى الحدودية من القوات الإيرانية، والسماح فقط بانتشار القوات الحكومية من الجيش السوري في الثكنات العسكرية على أطراف القرى، شريطة عدم وجود أي قوات داخل القرى، واقتصار ذلك على القوات المحلية التي أجرت تسويات”.
لكن، سرعان ما قامت قوات النظام بـ”إجبار الفصائل المحلية التي أجرت تسويات على المشاركة في عملياتها العسكرية شمال غرب سوريا، وإخلاء المنطقة، في محاولة لإفراغها من القوى العسكرية المحلية التي قد تُفشل التوغل الإيراني” وفقاً للمفاوض.
وأضاف المفاوض، “في بداية الاتفاق منتصف عام 2018 بدأت قوات النظام والمليشيات الإيرانية وعوائلها الانسحاب من المنطقة، ليقتصر تواجدهم على نحو 20% من منازل المدنيين الصالحة للسكن، قبل أن يعودوا للانتشار بشكل واسع منتصف العام 2019، أي بعد مرور عام من الاتفاق، وهو الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل تكثيف استهدافها للقواعد العسكرية الإيرانية في المنطقة”.
وعلى الرغم من ازدياد التوغل الإيراني بشكلٍ لافتٍ في منازل المدنيين، إلا أنَّ لجنة التفاوض “عاجزة”، فبحسب المفاوض “لم يعد لدينا في لجنة التفاوض أي دورٍ في المنطقة، إذ عادت السيطرة الأمنية للنظام بشكلٍ كامل” مضيفاً “لدينا اتصالات مع الجانب الروسي والأمن العسكري في سعسع وقيادة الفرقة التاسعة الذين كانوا جانباً من الاتفاق، لكنهم لا يصغون لنا ولم يعطوننا أية ردود”.
وختم المفاوض “نتيجة سيطرة المليشيات على منازل المدنيين، اضطرت بعض العائلات للسكن في منازل مدمرة كلياً، كما قام البعض ببناء غرفة سكنية صغيرة ليقيم فيها مع عائلته”.
المصدر: ANA PRESS العربي
عذراً التعليقات مغلقة